يبعث الوضع الحقوقي المأزوم الذي تعيشة الأقليات الإيرانية، منذ العام 1979، بمشاهد عديدة، تتسع لتأويلات وتحليلات متباينة، كما أنها توظف في اتجاهات سياسية وأيدولوجية متفاوتة، سواء لحساب النظام أو المعارضة.

الثابت في ظل التحولات المتكررة للملف الحقوقي في طهران، على إثر التوظيف السياسي للقضايا المتصلة به، ومن بينها أوضاع الأقليات، هو وجود حالة من التهميش والتمييز المتعمدين، ضد الفئات الدينية، باختلافاتها المذهبية والطائفية، وكذا القومية، بتنوعها العرقي والإثني، التي لا يعترف بهم دستور الجمهورية الإسلامية.

الأقليات وسياسات التهميش والإقصاء

وبحسب دستور الجمهورية الإسلامية: الإيرانيون الزرادشت واليهود والمسيحيون، هم وحدهم الأقليات المعترف بها.

ومن ثم، تتجه سياسات الولي الفقيه نحو نبذ واستبعاد تلك الشرائح الاجتماعية، واستهدافها، أحياناً، بخطاب متشدد وراديكالي، يكرس الثقافة الانعزالية والطائفية، ومحاصرتهم داخل جيتوهات أمنية ضيقة.

يقر الدستور الإيراني بأن المذهب الجعفري الإثنى عشري، هو المذهب الرسمي للدولة، وبالتبعية، تفرض مواده على رئيس الدولة حماية هذا المذهب بكافة الوسائل.

واشترط الدستور على من يتولى رئاسة الدولة، أن يكون من أصل إيراني، ويحمل الجنسية الإيرانية، وهو ما يصادر على حق المسلمين السنة، وغيرهم، مثل الأكراد والتركمان والعرب، أن يظفروا بهذا المنصب.

وبحسب المادة الخامسة عشرة بعد المئة من الدستور الإيراني، فقد نصت على أنه “ينتخب رئيس الجمهورية من بين الرجال المتدينين السياسيين الذين تتوفر فيهم عدد من الشروط، وأهمها؛ أن يكون مؤمناً ومعتقداً بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية، والمذهب الرسمي للبلاد”.

ووفقاً للمادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني، فإن “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، وكذا المذهب الجعفري الإثنى عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير”.

اقرأ أيضا:

الأقليات في إيران.. الأكثرية تجهض الطموحات الانفصالية

الولي الفقية وصناعة الولاءات

إثر صعود الملالي للحكم في إيران، دأب النظام الجديد على تطييف السياسة والمجتمع، بالشكل الذي يتوافق مع أدبيات السلطة الناشئة، وكذا نموذج الحكم الديني الشمولي، في نسخته الخمينية.إذ إن الأفراد في ظل هذه الإدارة السلطوية تحولوا إلى مجرد وسائل تتنقل عبرها أشكال القوة والهيمنة والدعاية، الأيدولوجية والسياسية، وبنفس الدرجة، عدم السماح لأي درجة اختلاف أو معارضة.

وهو الأمر الذي نجم عنه إلغاء الخصوصية والتنوع الثقافي والهوياتي، للمجموعات الاجتماعية التي تخرج عن التصنيف الرسمي للدولة المرتهنة بحكم “آيات الله”.

ساهمت رسالة الإمام الخميني، المعروفة بـ “تحرير الوسيلة”، في تنامي العداء وتكريسه ضد الأقليات، حيث ذكر: “تؤخذ الجزية من اليهود والنصارى، من أهل الكتاب، وممن لهم شبه كتاب، وهم المجوس.. فلا يقبل من غير الطوائف الثلاث، إلا الإسلام أو القتل”.

انحصرت مناصب الدولة لدى المنتمين إلى طائفة دينية محددة، وكذا المنحدرين من قومية بعينها، حسب دستور الجمهورية الإسلامية، ومن ثم، فإن المجال السياسي الذي جرى تأميمه، عمدت إلى مصادرته نخبة طائفية محدودة، وأوليغاركية سياسية دينية، تتولى الحكم، بشكل قسري.

وفي المقابل، لم تحظ الشرائح الاجتماعية الأخرى، من مختلف المرجعيات السياسية والقومية والدينية، بممثلين سياسيين عنها.

غياب التمثيل السياسي للأقليات

تتنوع القوميات العرقية والإثنية في إيران، إذ إنها تنقسم إلى ست فئات: الفارسية، والعربية، والكردية، والبلوشية، والتركمانية، والآذرية، وتشير تقديرات عديدة إلى أنه “من بين 81 مليون هم تعداد سكان إيران، يشكل الفرس نحو 61% منهم، في حين تمثل القوميات غير الفارسية حوالي 39%”.

ومن بين القوميات غير الفارسية، يمثل الآذريون (16%)، والأكراد (10%)، واللور (6%)، والعرب (2%)، والتركمان (2%)، والبلوش (2%)، وأخرى (1%).

ومن الناحية المذهبية، يعتنق ما يقرب من 84% من المواطنين بالمذهب الشيعي، بينما يشكل السنة 15%، وتتوزع نسبة الـ1% الباقية بين الأرثوذكس الأرمن، واليهود والزرادشت وغيرهم.

ويلفت الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني، محمود حمدي، إلى أن معظم القوميات غير الفارسية، يتركز وجودها في المناطق الحدودية لإيران، الأمر الذي يكشف لنا جانباً من تحركاتهم الانفصالية، نتيجة الشعور بالاضطهاد، من ناحية، وكذا عوامل الجغرافيا السياسية، من ناحية أخرى.

ويضيف حمدي لـ”مصر 360: “العرب فى مناطق الجنوب والجنوب الغربي، والبلوش فى الجنوب والجنوب الشرقي، والتركمان فى الشمال والشمال الشرقي، والآذريون فى الشمال والشمال الغربي، بالإضافة إلى أجزاء فى الوسط، والأكراد فى الغرب”.

شكل التقسيم الديموجرافي للأقليات القومية والإثنية في إيران، تأثيرات سلبية جمة على وحدة وتماسك الدولة، بحسب الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني. وقد نجم عن ذلك تحري هذه المكونات الاجتماعية المنبوذة عن مشاريع خارج حدودها الوطنية.

وتنتشر بإيران العديد من اللغات مثل: الفارسية، والأذرية، والتركمانية، والبلوشية، والعربية، والمازندرانية، والغيليكية، والطوالشية، والتاتية.

غير أن سياسة التفريس التي يفرضها النظام،، ألغت التعددية، سواء في ما يخص اللغة، أو الدين، أو الهوية، إذ إن التشيع واللغة بالنسبة للنظام الإيراني هما أدواته للحفاظ على النموذج القومي والديني الذي يسعى لتعميمه في مقابل إقصاء الآخر، يضيف محمود حمدي.

وبالنسبة للتعددية الدينية، يردف المصدر ذاته، بأن هناك المسلمين الشيعة والسنة، والذين يتوزعون على الأكراد، حيث يعيش غالبيتهم في شمال غرب إيران، والبلوش، جنوب شرق طهران، والتركمان، شمال غربي إيران، والعرب، جنوب غربي البلاد.

ويضاف إلى ذلك المسيحية الذين ينقسمون بين الأرمن الذين يقطنون طهران وأصفهان وأذربيجان الغربية، والآشوريين الذين يقطنون حول بحيرة أرومية، ثم اليهودية، ويتركز أتباعها في أصفهان، ويزد، وشيراز، وطهران، وهمدان، وكذلك الزرادشتية، ويعيش معتنقوها في طهران وكرمان وأصفهان وهمدان، وأخيرا البهائية، بحسب مركز دراسات الأحواز.

“العداء لله”.. تهمة جاهزة ضد الأقليات والمعارضة

يؤكد دستور الجمهورية الاسلامية على أن إيران تخضع لهيمنة رجال الدين، وذلك على أساس ما يعرف بـ”الوصاية والولاية الدائمة”. إذ نص الدستور بأنه “لا يحق الحكم إلا للفقهاء العدول الأتقياء، وذلك ممن يحوز رتبة مرجع”.

وبحسب الدكتورة رانيا مكرم، في دراستها المعنونة بـ”الاستيعاب القسري: الاستراتيجية الإيرانية في التعامل مع ملف الأقليات”، لا تتمتع الأقليات الإيرانية بحق إدارة شؤونها الذاتية، كما لا تتمتع بسلطة اتخاذ قرار بشأن أوضاعها، ويعود ذلك إلى ضعف تمثيلها داخل مؤسسات الدولة، حتى في الأقاليم والمحافظات التي تمثل فيها أي من هذه الأقليات أغلبية سكانية.

دانت الولايات المتحدة، في التقرير السنوي للحريات الدينية، الصادر العام الماضي، النظام الإيراني، وذلك على خلفية تورطها في ارتكاب انتهاكات عديدة بحق الأقليات الدينية، ومن بينهم البهائيون، والمسلمون السنة.

ولفت التقرير الحقوقي إلى أن “دستور الجمهورية الإسلامية، يسمح بتطبيق عقوبات قاسية على أولئك الذين تخلوا عن دينهم الإسلامي، ومن بينها الإعدام”.

وألمح التقرير الأممي، إلى التهمة الرائجة في طهران، والمعروفة بـ”العداء لله”، والتي نجم عنها إعدام سجين من الأقلية السنية، في سجن الفجر، في الأحواز، جنوب إيران، العام الماضي.

ويتابع: “إن عمليات الإعدام التي تطاول الأقليات، وخاصة السنة من الكرد والبلوش، ما تزال مستمرة في البلاد التي يهيمن عليها رجال الدين الشيعة”.

وفي العام الماضي، ذكر التقرير أن “النظام الإيراني استمر في مضايقة واستجواب واحتجاز البهائيين، وكذا المسيحيين من الأرمن والأقليات الدينية الأخرى، إلى حد أنه تمت محاكمة على الأقل 65 بهائياً، في فترة قصيرة، لا تتجاوز ست أشهر، في جميع أنحاء البلاد، كما أن هناك نحو 109 من الأقليات الدينية، سجنوا في العام 2019، لمجرد أنهم يمارسون شعائرهم الدينية”.

وقبل أسابيع قليلة، أعدمت السلطات الإيرانية المصارع نويد أفكاري، الذي اعترف تحت التعذيب بارتكاب جرائم، في تحد للاحتجاج الدولي من أجل منحه إعادة محاكمة عادلة، يُظهر تجاهلا تاما لأبسط معايير حقوق الإنسان.

ورفعت السلطات الإيرانية ثلاث قضايا ضد المصارع نويد أفكاري وشقيقه وحيد، اللذين قبض عليهما في سبتمبر 2018. ووجهت إليهما عشرات التهم منها المشاركة في مظاهرات غير قانونية، وإهانة المرشد الأعلى لإيران، والسرقة، والمحاربة أو العداء لله، والقتل.

وخلال العامين الماضيين، حُكم على ثمانية آخرين على الأقل بالإعدام على صلة بالاحتجاجات في إيران. وفي 5 أغسطس، أعدمت السلطات مصطفى صالحي، المدان بقتل عنصر أمن خلال احتجاجات في ديسمبر 2017 ويناير 2018 في أصفهان، بحسب هيومن رايتس ووتش.

وعليه، فإن النظام الإيراني تمكن من فرض قبضته وهيمنته السياسية والأيدولوجية، تحت مبدأ ولاية الفقيه، بحسب الباحث محمو حمدي.

وبرأي الباحث ذاته، فإن النظام الإيراني نجح في التقسيمات الديموجرافية للبلاد لحساب أهدافه في محاصرة الأقليات، وكذا تنفيذ سياسة إفقار بمناطقهم، ذات الأغلبية غير الفارسية، ناهيك عن منع العرب من التحدث بلغتهم، وحظر ارتداء الزي المحلي الخاص بهم، وصولاَ إلى حرمان السنة من بناء مساجد خاصة بهم في طهران.