بات الحق في الحياة والحق في الصحة مهددًا، مع انتشار الجائحة في مطلع العام الجاري، فكشف فيروس كوفيد 19 عن خلل المنظومة الصحية في الكثير من دول العالم، وعكس الحاجة لإعادة النظر في ميزانيات واستراتيجيات الصحة في العالم.

وإذ تظل المشاكل الصحية المرتبطة بالفقر وعدم الإنصاف تمثل المعوقات الأساسية أمام تحقيق الحد الأدنى من مستويات الرفاه لمعظم سكان العالم، يجب إعادة النظر في الاستراتيجيات الموجودة في هذا الصدد، خاصة في ظل الظروف المصاحبة للجائحة، وما تتعرض له النظم الصحية عالميا.

لقد كشف فيروس كورونا خلل الأنظمة الصحية حول العالم. لم يظهر هذا الخلل في دول العالم الثالث فقط، بل امتد للدول الأوربية أيضًا.

اقرأ أيضًا: أزمات المستشفيات الخاصة تكشف “رعونة” الصحة

الحق في الصحة في النصوص الدولية

في أعقاب الحرب العالمية الثانية اعتمد المجتمع الدولي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، وفي مادة رقم 25 منه ينص على:

“لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.

الحق في الصحة.. سياق تاريخي

فما هو الحق في الصحة في هذا السياق التاريخي؟ وكيف يكون أحد الادوات التي تحقق الحماية للمواطنين في ظل ما يتعرض له العالم الآن من جائحة بكل آثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية بالغة التأثير؟

الصحة في حقيقة الأمر شأن عام، ولذلك تصبح السياسات والتشريعات التي تحكم الرعاية الصحية ومجالات تخصيص الموارد المالية والبدائل المتاحة أمر يخص كل المواطنين ويستحق الاهتمام والحوار والنقاش الواسع.

كل هذه الأمور تصبح وثيقة الصلة بنا أكثر من أي وقت آخر، خاصة في ظل أوقات الأوبئة عندما تؤثر علينا أو على أحبائنا، وعندما يتعرض الإنسان لأزمة صحية معينة وتجعله واحدًا من الذين يتأثرون بقرارات الآخرين، أو توجهاتهم، فعليه أن يتسأل ويحاسب لأن الجميع يتأثر.

اقرأ أيضًا: انفوجراف..هل تسير مصر على خطى أسبانيا وتؤمم مستشفيات خاصة؟

الصحة قضية اجتماعية وعالمية

وفي سياق تعريف معنى الحق في الصحة، وانطلاقًا مما سبق، جرى العرف على اعتبار الصحة أمرًا يدخل في دائرة الشؤون الخاصة لا العامة، فكانت الصحة تفهم دائماً على أنها “عدم وجود المرض”.

وترجع أقدم القوانين التي تتضمن نصوصاً متعلقة بالصحة إلى حقبة التصنيع، عندما اعتمدت المملكة المتحدة قانون أخلاقيات المتدربين (1802 ) وقانون الصحة العامة (1848 ) كوسيلة لاحتواء الضغوط الاجتماعية الناجمة عن ظروف العمل السيئة.

ثم أدى التطور الذي حدث على طريق النظر إلى الصحة كقضية اجتماعية وعالمية إلى تأسيس منظمة الصحة عام 1946، ومع تحول مسألة الصحة إلى قضية عامة.

تغيرت رؤية الأفراد للصحة بوضع ونشر مفهوم للصحة يقوم على أنها “حالة من اكتمال السلامة بدنيًا وعقليًا. وحددت المنظمة منهجًا متكاملًا يربط ما بين كل العوامل المتعلقة بسلامة الأفراد، بما في ذلك الجوانب المادية والاجتماعية المحيطة بهم والتي من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق الحالة الصحية الجيدة.

اقرأ أيضًا: الخبير الصحي علاء غنام يضع خارطة طريق لفك الاشتباك بين الصحة ونقابة الأطباء

 

ومع مرور الوقت، تأكد هذا الاعتراف من خلال مجموعة كبيرة من الصياغات الواردة في العديد من الصكوك الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها:

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 25 )

العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 12 )

الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته (المادة 33)

الميثاق الاجتماعي الأوروبي (المادة 11)

الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المادة 16)

وحظى الاعتراف العالمي بالحق في الصحة بمزيد من التأكيد في إعلان ألما-آتا الخاص بالرعاية الصحية الأولية الصادر عام 1978، والذي تعهدت الدول فيه بوضع نظم شاملة للرعاية الصحية تدريجياً لضمان التوزيع الفعال والمنصف للموارد من أجل المحافظة على الصحة.

وفي سياق مؤتمر ألما-آتا، أعدت منظمة الصحة العالمية خطة تحت عنوان “الصحة للجميع” بحلول عام 2000 تتكون من سلسلة من الأهداف و البرامج من أجل تحقيق الحد الأدنى من مستويات الصحة، ونظراً لعدم تحقق هذه الأهداف.

اقرأ أيضًا: أطباء “كورونا” ووزيرة الصحة.. اتهامات وتبرير ومطالبات بالإقالة

يذكرنا اليوم بأهمية منظومة حقوق الانسان المتكاملة، وبأهمية الحق في الصحة، وارتباطها بالحق في الحياة، وبأهمية وضع آليات قانونية لاحترام وحماية وتنفيذ هذا الحق الآن محليًا وإقليميًا وعالميًا في إتاحة كل إمكانيات الرعاية الصحية الجيدة دون تمييز.