إن حماية الطفولة لا تعني مجرد حماية الحقوق، حق وراء آخر، بمعزل عن السياق العام للحقوق. بل من الضروري أن نتعامل مع مجمل الحقوق في إطار البيئة العامة التي يعيش فيها الطفل. فحماية الأطفال ترمى إلى بناء بيئة صديقة وآمنة لهم.

وبهذا المعنى، لا توجه الحماية إلى الأطفال في حد ذاتهم. وإنما توجه إلى تشكيل بيئة تحتضن الأطفال على نحو أفضل، وعلى نحو يحمى حقوقهم. بحيث توفر لهم ضمانات الأمن والحماية والرعاية. وذلك من خلال وسائل متعددة، منها تعزيز الالتزام الحكومي تجاه فضايا الطفولة، وكفالة الحقوق، (بوصف الدولة هي صاحبة الالتزام من خلال تصديقها على الاتفاقية)، والقدرة الحكومية على الوفاء بحقوق الأطفال في الحماية، وتطوير نظم تشريعية كافية وضمان تنفيذها لتحقيق الحماية.

وأيضًا اتخاذ إجراءات مثل: محاربة العادات والممارسات الضارة، وتشجيع المناقشات المفتوحة حول قضايا الحماية في وسائل الاتصال والمجتمع المدني، وتطوير المهارات الحياتية للأطفال ومعارفهم ونطاق مشاركتهم، وبناء قدرات الأسرة والمجتمعات المحلية، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الضرورية للأطفال، التي تساعد على تحقيق هذه الحماية المنشودة مثل: التعليم الأساسي، الصحة، خدمات الرعاية الاجتماعية والثقافية.. إلخ.

الأطفال وأزمة كورونا

ولا يخفى على أحد أن الأطفال هم الأكثر تضررًا بتداعيات أزمة كورونا. خاصة هؤلاء الأكثر حرمانًا وتهميشًا، في ظل تفاقم حدة أوجه عدم المساواة التي يعانون منها. وأصبح التقدم الذي أحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة مهددًا بالتعطيل والضياع. الأمر الذي يعني أن أضرار الجائحة ربما تكون كارثية على عديد من الأطفال في كثير من بلدان العالم، ومن بينها مصر.

يؤدي تعطيل المجتمع إلى تأثير شديد على الأطفال. على سلامتهم، وعافيتهم، ومستقبلهم. ولا يمكننا المحافظة على سلامة ملايين البنات والأولاد وصحتهم وتعليمهم  -ومن بينهم هؤلاء الذين يواجهون الفقر أو الإقصاء أو العنف، وأولئك الذين انقلبت حياتهم رأسًا على عقب من جراء الأزمات الإنسانية- إلا إذا تمكنا من وضع رؤية متكاملة لمواجهة تداعيات الأزمة وعواقبها.

علينا أيضًا الارتقاء بعملنا مع الأطفال وخاصة الأطفال اللاجئين والمهاجرين وأولئك الذين يعيشون في الشارع لضمان حمايتهم من كوفيد-19 وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية؛ لتجنب تعرض الأطفال والأسر الذين يعيشون في ظروف صعبة من السقوط في براثن الفقر والعوز.

ضرورة مراعاة أبعاد تطبيق الآتي:

  • الإتاحة: من الضروري أن يتوفر الحق للجميع، وعادة ما تكشف الدراسات الميدانية حرمان بعض طوائف المجتمع، نتيجة لأن نفاذ الحق مشروط، وهو ما يعني قصور في توفير الحق (الخدمة)، ومن ثم البحث عن أسلوب يضمن إتاحة الحق للذين لا تنطبق عليهم الشروط. 
  • القدرة: من الضروري عند إتاحة “حق” أن تراعى القدرات الاجتماعية، والاقتصادية، لجميع فئات المجتمع بحيث يمكن للجميع تحمل تكلفة “الحق”. 
  • الاستدامة: من الضروري مراعاة استمرارية إتاحة “الحق” واستدامته، بوصفه مبدأ حاسمًا لضمان توفير الخدمة/الحق. ومن ثم الذهاب إلى أبعد من مجرد إتاحة الخدمة إلى استمرار تقديمها.

منع التميز.. مبدأ أساسي

تؤكد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على أن كافة الحقوق المدرجة تنطبق على جميع الأطفال دون أي شكل من أشكال التمييز. وذلك بصرف النظر عن الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو العرق.. إلخ. ومن هذا المنطلق تتاح للبنات الفرص نفسها التي تتاح للأولاد، وللأطفال اللاجئين، وأبناء الأقليات، والشعوب الأصلية، الحقوق ذاتها التي لغيرهم.

كما يجب أن تتوفر للأطفال من ذوي الإعاقة الفرص نفسها التي تتوفر لغيرهم من غير المعاقين. ويهدف ذلك إلى التمتع بنوعية حياة جيدة تماثل تلك التي يتمتع بها نظرائهم من غير المعاقين. 

لقد ساهم تراجع الدخل وإغلاق المدارس في تفاقم العنف، حيث خسرت بعض الأسر كل أو معظم دخلها بسبب الجائحة. وتضاعفت نسب العنف في الأسر التي تعرض فيها الأطفال لأشكال عنف مختلفة أثناء إغلاق المدرسة مقارنة بالفترة التي كانت المدرسة فيها مفتوحة.

وبلغ العنف ضد الأطفال نسبًا كبيرة قبل جائحة فيروس كورونا المستجد. وتشي المؤشرات بتزايد نسب معدلات العنف ضد الأطفال. وتهدد الجائحة بتفاقمها لا سيما هؤلاء المعرضين أصلاً للعنف، بمن فيهم الفتيات، والفقراء، والأطفال من ذوي الإعاقة. وأيضًا أولئك الذين يعيشون في سياقات هشة. وهو الأمر الذي ينبغي العمل على تفاديه ومواجهته بكل الوسائل القانونية والاجتماعية، التي من شأنها الحد من الممارسات العنيفة، والممارسات الضارة، وعلاج الآثار التي نتجت عن تعرض البعض لها.

مشكلات متراكمة وحلول غير تقليدية

بعد أن تراجعت الأولوية عن الرعاية الصحية غير المرتبطة بالجائحة، وفرضت إجراءات الحظر، وانتشر الخوف من الإصابة بالفيروس، أصبح من المتوقع أن يلقى كثير من الأطفال حتفهم لأسباب يمكن الوقاية منها خلال الجائحة.

كما ارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي والاقتصادي التي زادت من حرمان الأطفال من الحصول على غذاء متوازن. وأدت إلى ارتفاع معدلات الإصابة بسوء التغذية.

لقد أدت الجائحة إلى تراجع حصول بعض الأسر على الرعاية الصحية اللازمة، والأدوية والمستلزمات الطبية. وهو الأمر الذي ينذر بزيادة الإصابة بإعاقات ومشكلات صحية مزمنة لدى أطفال الأسر الفقيرة.

ولقد أظهرت الإجراءات السابقة لإغلاق المدارس أن الأطفال الذين يظلون خارج المدارس لفترات طويلة، خصوصًا الفتيات، في العادة لا يعودون إليها، في ظل إجراءات التعطيل التي تؤثر على دخل الأسر وخاصة الأسر الفقيرة، التي كانت تعاني بالفعل. ومن هنا يجب أن تقدم الدولة المزيد للتحقق من إمكانية توفير فرص متساوية للحصول على التعليم الجيد لجميع الأطفال.

هذا الأمر يعني أن تولي الحكومة الأولوية لإعادة فتح المدارس. وأن تتخذ جميع الإجراءات الممكنة لفتحها على نحو آمن. وحيثما تظل المدارس مغلقة، يجب على وزارة التعليم أن توسّع خيارات التعلم في المنزل، بما في ذلك الحلول غير التكنولوجية، أو تك الحلول ذات التكنولوجيا البسيطة. مع التركيز المباشر على الأكثر عرضة للتهميش.

فتح المدارس انقاذ للمهمشين

إذ يتحمل الأطفال المهمشون الوطأة الأشد، ويزداد انعدام المساواة في التعليم. مثل هؤلاء الأطفال الذين لا يتمكنون من استخدام الإنترنت للوصول إلى التعلم عن بعد. أما أولئك الذين يعتمدون على برامج التغذية القائمة على المدارس. فإن إغلاق المدارس يعني حرمانهم من الغذاء الذي يحتاجونه ليتعلموا ويزدهروا.

ومن هنا، يصبح على القائمين على التعليم تقديم برامج غير تقليدية لعلاج مشكلة غلق المدارس أو تقليل ساعات التمدرس (الوجود داخل المدرسة) مثل: توفير النصح والدعم للوالدين ومقدمي الرعاية والتربويين لدعم التعلم في المنزل، والتعلم عن بعد في الأماكن التي تظل المدارس فيها مغلقة، والعمل مع الشركاء لتصميم حلول تعليمية مبتكرة، يمكنها تقديم البديل المؤقت لحين العودة إلى المدارس بدوامها الكامل.

كما تتضمن الحماية الاجتماعية التحويلات النقدية والدعم للغذاء والتغذية. وتشمل مساعدات حكومية لحماية الوظائف، وتوفير توجيهات لأصحاب العمل حول أفضل السُبل لدعم الوالدين العاملين، وتصميم حلول جديدة للحماية الاجتماعية تتضمن القدرة على الحصول على التمويل الضروري للأسر الأشد فقرًا.

وليس الوقت الحالي هو الملائم لتحويل التمويل الوطني المخصص للتعليم. بل يتعين على الدولة أن تستثمر في التعليم، وأن تحشد قواها من أجل توفير التعليم الجيد والمنصف والشامل لجميع الأطفال. وذلك وفقًا لخطط التنمية المستدامة التي تضع الأطفال في القلب منها. بما في ذلك وبالأخص توفير الدعم الاجتماعي والاقتصادي للأسر ذات الدخول المنخفضة. التي يصبح إخراج أبناءها من التعليم أحد الحلول ذات الأولوية لمواجهة مشكلاتهم الاقتصادية. بل وربما الدفع بهؤلاء الصغار في أقرب فرصة إلى سوق العمل، والتي عادة ما تكون أعمال هامشية في الشارع. حيث يتعرض الاطفال لمزيد من الانتهاكات والاستغلال بكافة تنويعاته القاسية شديدة الوطأة، والتي قد تصبح عواقبها على الأطفال غير قابلة للعلاج.

اقرأ أيضًا:

الضحايا الخفيون للجائحة

“كورونا والأطفال”..  ماعت: 2 مليون طفل يعملون في المنطقة العربية

التسرب المدرسي.. جائحة تعليمية أنتجها التفكك الأسري في مصر والظروف في بلاد النزاعات