مرت أمس، الخميس 10 ديسمبر 2020، الذكرى الـ72 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي المغرب العربي، مرت الذكرى، واليوم العالمي لحقوق الإنسان، في ظل صعوبات متفاقمة تشهدها الصحافة التي بات يصفها مراقبون وحقوقيون، على ضوء تلك الصعوبات، بـ”المغامرة الخطيرة”.

في المغرب: التوسع في سجن الصحافة بالمخالفة للقانون

ترسم أحداث العام، صورة يصفها حقوقيون بـ”القاتمة” بشأن أوضاع حقوق الإنسان في المملكة المغربية، على خلفية اليوم العالمي لحقوق الإنسان. ويُخلّد حقوقيون وحركيّون وصحفيون مغاربة، اليوم العالمي لحقوق الإنسان بإضرابات رمزية عن الطعام واحتجاجات في بعض مدن المملكة، بسبب استمرار حبس “أصحاب رأي”.

وخلال السنة الجاري، ألقي القبض على صحفيين معروفين بأعمالهم الصحفية الناقدة لأداء الحكومة، هما: عمر الراضي وسليمان الريسوني. ويعرف الراضي في الأوساط الصحفية المغربية، بتحقيقاته الجريئة، التي يبدو أنها كانت مزعجة للسلطات المغربية، فلوحق قضائيًا بتهمتي “مس سلامة الدولة والتخابر مع عملاء دولة أجنبية”، إضافة إلى اتهامه في قضية شرفية بتهم تتعلق بالاغتصاب، يقول صحفيون إنها لـ”التشهير به”.

عمر الراضي
الصحفي المغربي عمر الراضي

وفي حين يقبع الراضي في السجن بمدينة الدار البيضاء لشهور على ذمة قضية الاغتصاب، تحوّل الشاهد الوحيد في القضية لمتهم أيضًا، وهو الصحفي عماد استيتو، المتهم بـ”المشاركة في محاولة اغتصاب”، في حالة سراح على ذمة التحقيقات.

في السياق، وبتهم مشابهة، يقبع الصحفي سليمان الريسوني في سجن الدار البيضاء لأكثر من 200 يوم، بتهمة “هتك العرض بالعنف”. يعمل الريسوني رئيسًا لتحرير صحيفة أخبار اليوم، التي يواجه أيضًا مؤسسها توفيق بوعشرين، حكمًا بالسجن 15 عامًا بتهم “الاغتصاب والاتجار بالبشر”.

يقول حقوقيون مغاربة، إن التوسع في استخدام الاتهامات المتعلقة بقضايا الشرف، بات سمة حاكمة في القبض على الصحفيين خلال السنوات القليلة الماضية. ويؤكد محامون أن القضايا المتهم بها الصحفيون تفتقر لأدلة إثبات.

الحقوقي عبدالرزاق بوغنبور، رئيس “العصبة المغربية لحقوق الإنسان”، يرى أن “أخطر ما في هذه السنة، 2020، استخدام أساليب جديدة في مطاردة الرأي”، مشيرًا إلى “توشيه سمعة الصحفيين والتشهير بهم في منابر إعلامية تنتهك بشكل مستمر أخلاقيات المهنة”.

ورغم الوصول إلى أحكامٍ نهائية في معظم القضايا المتهم بها صحفيون، والمتعلقة بالشرف؛ إلا أن وسائل إعلامية مغربية تتعامل معهم باعتبارهم مدانين نهائيًا، بحسب بوغنبور، الذي قال لـ”مصر360″ إن هذه الوسائل الإعلامية في “حملتها الممنهجة ضد الصحفيين”، تتحصل على وثائق لا تتوفر إلا للأجهزة الأمنية.

في الأثناء، تُوجّه انتقادات للمجلس لوطني للصحافة بشأن صمته على حملات التشويه التي يتعرض لها صحفيون في قضايا لا تزال قيد التحقيق، ما يدفع بالحقوقي والنائب البرلمان عادل تشيكيطو إلى مطالبة المجلس الوطني للصحافة، بـ”استعمال الصلاحيات التي يخولها له القانون، في مجال التأديب، وتطهير الجسم الصحفي من الشوائب التي أضحت تسيء إلى مهنة الصحافة بالمغرب”.

من جهة أخرى، يلقي التوسع في القبض على الصحفيين بدعاوى غير مثبتة، الضوء على إشكالية قانونية يشير إليها تشيكيطو، تتمثل في مخالفة مؤسسة النيابة العامة للقانون بتحريك متابعات قضائية بناءً على شكاوى عادية، كما قال، موضحًا لـ”مصر360″، مخالفة ذلك للمادة 97 من القانون المتعلق بالصحافة والنشر، والتي تنص على أنه “لا يمكن بموجب القانون إيقاف المشتبه فيه أو اعتقاله احتياطيًا”.

إضراب رمزي عن الطعام

على هذا، يعتبر المجتمع الصحفي والحقوقي المغربي، الصحفيين المشار إليهم “معتقلي رأي”، وعليه أطلقت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أكبر منظمة حقوقية في المغرب) دعوة للمشاركة في إضراب رمزي، للمطالبة بـ”إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي”.

وفي نفس السياق، أعلن الصحفيان سليمان الريسوني وعمر الراضي، الدخول في إضراب عن الطعام لـ24 ساعة، “احتجاجًا على استمرار سجنهما احتياطيًا دون محاكمة”.

يُذكر أن المغرب احتل في أحدث تقرير لمنظمة مراسلاون بلا حدود، المرتبة 133 عالميًا من أصل 180 دولة، في مؤشر حرية الصحافة لسنة 2020، بما يجعله باقيًا ضمن تصنيف “المنطقة الحمراء” التي تضم أكثر الدول تأخرًا في ملف حرية الصحافة.

وقالت مراسلون بلا حدود، إن “الصحفيين في المغرب يئنون تحت وطأة الضغوط القضائية”، مضيفة: “لا تزال وسائل الإعلام المغربية تتعرض للمضايقات”.

في الجزائر: مؤشرات حرية الصحافة بالسالب

رغم الحراك الشعبي في الجزائر الذي أدى إلى استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، في أبريل 2019، بعد 20 عامًا من الحكم؛ إلا أن أوضاع الصحافة لا تزال “غير مستقرة”، بتعبير منظمة مراسلون بلا حدود، التي قالت: “تظل حرية الإعلام في الجزائر مهددة بشكل خطير”.

“الضغوط والملاحقات القضائية” أيضًا سمات وصفت بها مراسلون بلا حدود أوضاع الصحافة في الجزائر، على خلفية استمرار حبس صحفيين شاركوا في تغطية مسيرات الحراك الشعبي، من بينهم الصحفي خالد درارني، المحبوس منذ مارس الماضي، بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية والتحريض على التجمهر غير المسلح”، فيما كان إلقاء القبض عليه عقب تغطيته لإحدى تظاهرات الحراك الشعبي.

أثار القبض على درارني، ثم الحكم عليه بالسجن سنتين مع النفاذ وغرامة تساوي 330 يورو، انتقادات زملائه الصحفيين الذين شكلوا لجنة للدفاع والمطالبة بالإفراج عنه، كما أثار انتقاد منظمات حقوقية دولية، منها العفو الدولية التي علقت على الحكم بوصفه “استهزاء بالعدالة في بلد يفترض أنه يمر بتغيير سياسي وتحول في أعقاب احتجاجات جماهيرية”.

خالد درارني
الصحفي الجزائري خالد درارني

لذا اعتبرت العفو الدولية أن الحكم الصادر بحق الصحفي خالد درارني، بعد تغطيته مظاهرة للحراك الشعبي؛ يؤكد “نمطًا يثير القلق للمحاكمات التي تستهدف الصحفيين والنشطاء المطالبين بالمزيد من الديمقراطية”.

وبالجملة، تعرف الجزائر حملات قبض موسعة لنشطاء مدنيين، بينهم عبدالوهاب فرساوي الذي حكم عليه بالسجنة سنة مع النفاذ، و173 آخرين، على خلفية مشاركتهم في فعاليات للحراك الشعبي.

وفي المؤشر العالمي لحرية الصحافة لسنة 2020، الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود، جاءت الجزائر في المرتبة 146، متراجعةً خمس مراتب عن مؤشر العام الماضي، لتبقى مستقر في المنطقة الحمراء.

في تونس: فيسبوك يقود إلى السجن

رغم أن تونس تأتي أولًا، عربيًا، في مؤشر حرية الصحافة لسنة 2020، عن منظمة مراسلون بلا حدود، إلا أن منظمات حقوقية دولية تلقي الضوء على ملاحقات أمنية لصحفيين ومدونين بسبب تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضًا: إعدام في اليمن وملاحقة في فلسطين وسجن في السودان.. حال الصحافة العربية

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش، دعت السلطات التونسية إلى “إلغاء القوانين التي تحد من حرية التعبير”، تعليقًا على حكم بالسجن سنتين على مدون تونسي يدعى وجدي المحواشي.

كان المحواشي علق على مقطع فيديو لإمام مسجد يتحدث عن الرسوم المسيئة للرموز الدينية، بخطاب اعتبره كثيرون يبرر القتل. في حين جاء تعليق المحواشي منتقدًا عدم التحرك قضائيًا تجاه واقعة حديث الإمام، واصفًا أحد القضاة بـ”الجبن”، ما عرضه للمحاكمة بتهمتي “الافتراء” و”إهانة موظف رسمي”.

ومنذ 2017 وحتى 2019، حوكم ستة تونسيين على الأقل، في وقائع تتعلق بالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها مرتبط بانتقاد الفساد و”سوء” الخدمات العامة، الأمر الذي علقت عليه هيومن رايتس ووتش بوصفه “ملاحقة للآراء على الإنترنت”، لافتة إلى تجاوز محتمل للدستور التونسي الذي ينص على “حرية الرأي والفكر والتعبير والمعلومات والنشر”، وإلى عدم إقدام البرلمان التونسي حتى الآن، ورغم النص الدستوري، على تعديل قانون العقوبات.

في ليبيا: الصحافة مغامرة محفوفة بالمخاطر

في ظل الظروف الراهنة، وتفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية في ليبيا بعد الإطاحة بمعمر القذافي، وعلى ضوء الصراعات الداخلية؛ تعيش الصحافة أسوأ ظروفها الممكنة.

تأتي ليبيا في أواخر قائمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة، ضمن دول المنطقة السوداء، محتلة المرتبة 164 من بين 180، متراجعة مرتبتين عن العام الماضي.

يتفاقم وضع الصحافة في ليبيا بعد أن أصبحت وسائل الإعلام طرفًا في الصراع العسكري الدائر في البلاد، وهكذا تزج الأطراف المتصارعة بوسائل الإعلام والصحفيين في “أزمة لم يسبق لها مثيل”، على حد قول مراسلون بلا حدود، التي أضافت: “الجهات السياسية والعسكرية الفاعلة في الصراع الليبي، نصبت نفسها وصية على المنابر الإعلامية، فارضة رقابة على ما تنشره من معلومات”.

اقرأ أيضًا: “ثنائية الوباء والحرب”.. ليبيا في مواجهة صراع البقاء

إلى ذلك، يزداد الوضع سوءًا بتكرار حوادث اغتيال أو خطف وتعذيب صحفيين، دون وجود فرصة للملاحقة القانونية للجناة. وغالبًا ما تضيع حقوق الصحفيين في ليبيا، بين اتهامات متبادلة بين أطراف الصراع الليبي، أو أنها تقيد ضد مليشيات غير محددة الهوية.