أكد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في “بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك” أن استمرار دعم الكهرباء والبوتاجاز ساهم في تخفيض نسبة الفقر بنسبة تتجاوز 7%، لكن رغم إيجابية ذلك، إلا أنه فتح باب الجدل والأسئلة: إذا كان هناك تراجع في نسب الفقر فمن أين تأتي شكاوى المواطنين من ارتفاع الأعباء المرتبطة بالطاقة؟

وخير دليل على ذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي تعج بشكاوى من المواطنين باستمرار بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وغالبيتها نابعة من موظفين دخلهم ثابت، يتبارون في كتابة مرتباتهم والتزاماتهم ويطالبون المسؤولين أن يضعوا لهم حسبة تساعدهم على الموازنة بين صعود الأعباء الاقتصادية والرواتب.  

الدكتورة هبة الليثي، مستشار الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، قالت في المؤتمر الصحفي لإعلان نتائج بحث الدخل والإنفاق، أخيرًا  إن دعم البوتاجاز أدي إلى خفض نسب الفقر بمقدار 4.3% وكان الأثر الأكبر في المناطق الريفية، وتحسين مستوى المعيشة. 

اقرأ أيضًا: الحقوق الاقتصادية| الموازنة العامة.. أرقام تكشف توجهات الحكومة و حال المواطن

شكاوى مستمرة من الغلاء

 ووفقًا لـ”التعبئة والإحصاء”، فإن متوسط ما يتم إنفاقه للأسرة من دعم البوتاجاز يقدر بـ 1527 جنيهًا سنويًا، بما يعادل 130 جنيهًا للأسرة في الشهر. 

 ورغم أن الجهاز لم يحدد كيفية تحديد ذلك الرقم لكنه يمكن استنتاج، أن باحثيه قدروا أقل من أسطوانتين (1.9 أسطوانة) لكل أسرة شهريًا في المتوسط، وهو رقم بعيد عن حجم الاستهلاك في الريف والصعيد.  

من أمام مستودع أنابيب، يتحدث عبدالهادي السيد، بطابع هجومي بمجرد ذكر كلمة دعم البوتاجاز، فالرجل يستهلك في الشتاء ثلاثة أنابيب بوتاجاز بقيمة تناهز 200 جنيه، أثنين للبوتاجاز التقليدي وثالثة لفرن الغاز الذي يعتمد عليه في إنتاج الخبز، وكثيرا ما يتزايد الاستهلاك إلى أربعة. 

الوضع ذاته يتكرر أمام أي مستودع فالحديث عن الدعم كفيل بتجميع حشد من المنتظرين، لتختلط الأصوات التي لا تستطيع أن تميز منها إلا حديث كل شخص عن معاناته مع ارتفاع أسعارها، لا ينفع في الحديث الارتكان إلى لغة الأرقام وتأويلاتها، وتحليلاتها فحسبة الجيوب هي التي تسود في الشارع وليس الانفوجرافات او الإحصائيات.   

 ويقول المهندس رأفت عبد الهادي، رئيس شركة بتروجاس خلال مداخلة تليفزيونية أخيرًا، إن تكلفة أسطوانة البوتاجاز الإجمالية تناهز 130 جنيهًا، وبالتالي تتحمل الدولة فارقا في كل أنبوبة بوتاجاز يصل إلى 65 جنيهًا للاستهلاك المنزلي. 

لكن الحسبة تبدو مختلفة للمواطن محمود عبدالغني، الذي يقول إن احتياجاته الشهرية كانت ثلاثة أسطوانات من البوتاجاز عام  2018، بما يعادل ألف جنيه سنويًا، ارتفعت إلى 195 جنيهًا شهريًا، ما يعادل 2340 جنيهًا سنويًا، ما يعني أن الزيادة التي تحملها تعادل 1340 جنيهًا، رغم أن دخله ثابت لم يزد جنيهًا. 

يقول عبدالغني إن “الأنبوبة” تمثل عصب الحياة في الريف سواء في الطهي المنزلي أو الخبز وحتى النشاط الاقتصادي المتعلق بالإنتاج الداجني وتدفئة الأفراخ الصغيرة، وتتزايد في الشتاء مع العجز عن استخدام الأفران الطينية التقليدية التي تقع خارج المنزل. 

اقرأ أيضًا: صفر دعم “كهرباء” و”مياه”.. الموازنة الجديدة تقشف وترشيد نفقات

الحياة على كف أنبوبة

تراهن الحكومة على مد الغاز الطبيعي للمنازل في تقليل تكاليف دعم المواد البترولية، فالغاز الطبيعي متوافر على عكس البوتاجاز الذي يتم استيراده من الخارج، ويخضع لتقلبات السعر العالمي. 

ويتضمن بند دعم الطاقة، في الموازنة الحالية تخصيص 3.5 مليار جنيه لتوصيل الغاز الطبيعي لنحو 1.2 مليون وحدة سكنية في العام المالي 2020،2021، وهو ذات المبلغ للعام المالي السابق، مقابل 2.6 مليار في ميزانية العام 2018/2019. 

لكن المواطنون لا يشعرون بتقلبات السعر العالمي كثيرًا لأن الحكومة تقلل الدعم الموجه لكل أنبوبة حال تراجع السعر العالمي، فعندما تراجع البترول لأدنى مستوى عالمًيا في أبريل الماضي ظل سعر الأنبوبة ثابتا بينما تراجع ما تتحمله الدولة من 65 جنيهًا إلى 25 جنيهًا  للأنبوبة الواحدة.  

وأمام ارتفاع الأسعار اتجه المواطنون لتخفيض نسبة الاستهلاك بنسبة 5.5% خلال العام الماضي 2019/2020 لتبلغ معدلات التوريد اليومية البوتاجاز للسوق المحلية لنحو 1.1 مليون أسطوانة يوميًا.

فواتير الكهرباء وخطة الإصلاح الاقتصادي

ما يثير الجدل أيضًا هو دعم الكهرباء الذي يقول “التعبئة والإحصاء”، إنه ساهم في خفض نسب الفقر بمقدار 2.8%، مؤكدًا أن متوسط ما يتم إنفاقه للأسر من دعم الكهرباء يقدر بنحو 1944 جنيهًا سنويًا. 

ومنذ تطبيق خطة الإصلاح الاقتصادي التي دعَّمها كلٌّ من البنك والصندوق الدوليين،  ارتفعت فواتير الكهرباء التي تدفعها الشرائح الفقيرة ومتوسطة الدخل بلغت 218%، و271% على الترتيب، منذ عام 2011 وحتى 2017-2018.

وأعلنت وزارة الكهرباء عن رفع الأسعار بداية من يوليو الماضي وفقا لسبعة شرائح تقدم أعلاها (الشريحة السابعة) التي تستهلك فوق 1000 كيلووات ساعة دعمًا للفئات الأقل يصل لنحو 277 جنيها شهريًا. 

ويقول علاء محمود (موظف بالري) إن فواتير الكهرباء أصبحت مرتفعة للغاية ما يجعله لا يشعر بوجود أي دعم على الاستهلاك، خاصة أنه اتجه كثيرا للترشيد بشراء لمبات الليد، وعدم ترك الأجهزة في وضع الاستعداد، واستبدال المتقادم منها بأخرى موفرة للطاقة. 

دعم الكهربا في الموازنة “صفر”

وفي موازنة العام الحالي، لا يوجد جنيه واحد يتعلق ببند دعم الكهرباء فأمام خانته يوجد الرقم “صفر”، مقابل 4 مليارات للعام السابق و16 مليارًا في 2018/2019 و28.5 مليار في 2018/2017 و27.5 مليار في 2016/2017، ما يفتح الجدل حول الدعم المقصود في تصريحات مسئولة الجهاز. 

لكن يقول المحلل المالي نادي عزام إن الحكومة تلجأ إلى الدعم التبادلي بين كثيفي الاستهلاك للطاقة ومحدودي الدخل بحيث يتم توجيه العائد من رفع التكلفة على الشرائح الأكثر استهلاكا (والتي تفترض الحكومة أنها أكثر ثراء باعتبار أنها تمتلك أجهزة تستهلك المزيد من الطاقة) إلى القطاعات الأقل استهلاكًا ودخلاًـ وهي إستراتيجية لا توضحها الموازنة العامة للدولة.  

 وتؤكد وزارة الكهرياء  تؤكد أن قيمة الدعم المقدم لفواتير الكهرباء لا تزال موجودة في شرائح استهلاك الكهرباء المختلفة ففي لشريحة الأولى المستهلكة 50 كيلو وات تحصل على دعم شهرياً بقيمة 40.7 جنيه لكل فاتورة، وما يتحمله كل مشترك على هذه الشريحة 20 جنيهًا، ويستمر الدعم حتى الشريحة السابعة المستهلكة 550 كيلو وات تحصل على دعم بقيمة 142 جنيهًا عن كل فاتورة وما يتحمله المشترك 525 جنيهًا، والمستهلك حتى 650 كيلو وات يحصل على دعم من الدولة بقيمة 145 جنيهًا عن كل فاتورة وما يتحمله المشترك 643 جنيهًا. 

ربما ما يقصد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء هو الأرقام التي توفرها الحكومة على المواطن حال اتخاذها قرارا ببيع أنابيب البوتاجاز أو الكهرباء بسعر التكلفة دون دعم، لكن ما يثير الجدل هو كيفية مساهمتها في تخفيض الفقر رغم رفع أسعارها.