في 2016، ذكرت دراسة صدرت عن جامعة كولورادو أن المجتمع المدني في مصر نجح خلال أحداث 2011 في احتواء الخلافات، وتقليل احتمالية العنف الثوري، بفتح باب النقاش لمختلف الآراء، لاعبًا دور الوسيط -غير الساعي للمناصب السياسية- بين الأطراف المختلفة. إلا أن هذا الدور كثيرًا ما كان مصدر إزعاج وصدام مع مؤسسات الدولة -فيما يتعلق بملف الحريات- في فترات أخرى لاحقة. ولعل أحد أكثر محطات الصدام ما وقع مؤخرًا مع مسؤولي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. بيد أن لهذه العلاقة أيضًا بين الدولة المصرية ومؤسسات المجتمع المدني وجه آخر أكثر تكاملاً واتساقًا، يتعلق بالحديث عن العمل الأهلي ومنظماته.
المجتمع المدني وقضية الفقر
بالأمس، شاركت وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة نيفين القباج في مؤتمر الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة، بالتعاون مع الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية. حيث اعتبرت الوزيرة المؤتمر بمثابة “جسر من جسور الحوار المجتمعي مع الجمعيات الأهلية”. وأعلنت أن من بين أهدافه التشاور بشأن توجهات الخطة التنفيذية للمشروع القومي لتنظيم الأسرة. وشددت على أن الوزارة حريصة على أن يكون للجمعيات الأهلية مساحة كبيرة لتنفيذ محاور هذه الخطة.
كما أكدت الوزيرة على سعي الدولة للارتقاء بدور الجمعيات الأهلية في تقديم خدمات تنظيم الأسرة. وأشارت إلى اتجاه الدولة لزيادة مساهمة الجمعيات الأهلية في تقديم الخدمات لترتفع من 1% إلى 8%.
ويمثل تنظيم الأسرة ومحاولة السيطرة على الزيادة السكانية أحد أدوات الدولة لمواجهة الفقر، باعتباره أكثر القضايا خطورة في المجتمع المصري.
هنا، يبرز دور المجتمع المدني في قضية الفقر ذات العلاقات الوثيقة بالتنمية والاستقرار الاجتماعي والسياسي. وتشير دراسة حديثة إلى ثلاثة فواعل أساسية في عملية التنمية الخاصة بالحالة المصرية: الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. وترى الدراسة أنه لابد من بناء شراكة استراتيجية ومؤسسية بين هذه الفواعل الثلاثة. على أن تقوم هذه الشراكة على علاقة التعاون والاعتماد المتبادل بين الأطراف الثلاث، بشكل مؤسسي.
وقد شهدت الأعوام الأخيرة طفرة في نمو الجمعيات الأهلية في مصر. إذ بلغ عدد الجمعيات الأهلية المسجلة في وزارة التضامن الاجتماعى عام 2012 (37 ألفًا و500) جمعية أهلية. وارتفع إلى (43 ألفًا و500) فى عام 2013. كما ارتفع إلى (50 ألفًا و572) في 2019. وهو تطور كمي حدث في إطار القانون 84 لسنة 2002، الذي كان محل انتقاد كبير من قبل كثير من العاملين في القطاع الأهلي، وفق الدراسة التي أعدتها الدكتورة هويدا عدلي خبير العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
اقرأ أيضًا: المجتمع المدني في مصر.. خسائر للاقتصاد و”السمعة” بسبب التضييق
المحامي الحقوقي نجاد البرعي يرى أن مصطلح المجتمع المدني يشمل في تعريفه العديد من المؤسسات والمنظمات التي تعمل في مجالات عدة. ومنها منظمات ومجالات ترحب بها الدولة وتسعى للشراكة معها، لدورها في المشروعات التنموية والخدمية. وأخرى يثار حولها الحديث عن الضغوط التي تمارس عليها من قبل الدولة. ويقصد بهذا النوع المنظمات التي تعمل على الملفات الحقوقية. وهو ما يبرر هذه الازدواجية في التعامل الحكومي مع المجتمع المدني باختلاف مؤسساته.
واتساقًا مع ذلك، فقد أكد المستشار نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، في تصريحات سابقة، على أن الحكومة لديها إيمان راسخ وقوي بدور الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في مساعدة الدولة. وأن الدولة لا تضهد العمل الأهلي، بل تقدم له يد المساعدة والدعم أيضًا.
وتمثل الشراكة الأخيرة بين منظمات العمل الأهلي والحكومة في الحد من الزيادة السكانية هذا الوجه المرحب به من الدولة في نظرتها لمؤسسات المجتمع المدني.
ويرى سعيد عبدالحافظ، رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، أن العمل الأهلي لا ينفصل عن الحكومة، وهو جزء منها. ويضيف أن المهمة الأساسية لمنظمات العمل الأهلي نقل صوت المواطن، وتقديم الخدمات له، بعيدًا عن الخلافات السياسية. ويشير إلى أن أزمة العديد من منظمات المجتمع المدني، في أنها صدرت نفسها باعتبارها مؤسسات عمل أهلي. بينما لا تتحدث سوى عن الأمور السياسية فقط. وهو أمر خاطئ لا علاقة له بالعمل الأهلي، الذي لا ينفصل عن الدولة.
شريك الحكومة في مواجهة الأزمات
في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي بقصر الإليزيه قبل أسبوع، رفض الرئيس عبدالفتاح السيسي اتهامًا بانتهاك وتقييد حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني في مصر. وقال ردًا على سؤال صحفي حول كون القاهرة مدانة من بعض المنظمات الحقوقية في هذا الشأن، بأن مصر بها 55 ألف منظمة مجتمع مدني، هي جزء أصيل في العمل الأهلي الذي تسعى مصر ليكون شريكًا للحكومة مع المجتمع المدني. كما أشار إلى أن هذه المنظمات منذ تأسيسها لها دور كبير في دعم المصريين بتوفير مواد غذائية وسلع للفقراء، ودعم الدولة في مواجهة الأزمات التي تمر بها، ومنها أزمة انتشار فيروس كورونا.
لكنه قال أيضًا: “تتحدثون معنا في هذا الأمر وكأننا حكام مستبدون. هذا الأمر لا يليق بالدولة المصرية. ولا يمكن التحدث فيه معنا لأنكم تتحدثون وكأننا لا نحترم الناس”. وأضاف: “معندناش حاجة نخاف منها أو نحرج منها. نحن أمة تجاهد من أجل بناء مستقبل شعبها في ظروف في منتهى القسوة وشديدة الاضطراب”.
اقرأ أيضًا: بعد حفظ التحقيق مع 20 منظمة أهلية في القضية 173 | نرصد مبادرات عودة الحياة إلى المجتمع المدني
على خلفية العمل الأهلي
مؤسسة “مرسال”، واحدة من منظمات المجتمع المدني، التي ظهر دورها بقوة مع بداية جائحة كورونا. إذ عملت على توفير العديد من الأدوية للمرضى، وأيضًا أسطوانات الأكسجين للمرضى. وتوفير أماكن لهم في المستشفيات.
جمعية الأورمان دعمت أيضًا العمالة غير المنتظمة، بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي. وذلك منذ بداية الجائحة. وكانت من بين المؤسسات صاحبة الدور القوي في دعم الأسر التي تضررت بسبب السيول.
ويقول أيمن عبد الموجود، مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي لشؤون مؤسسات المجتمع المدني، إن مؤسسات العمل الأهلي كان عددها عام 2014 يبلغ 45 ألف مؤسسة، وبعد مرور 6 سنوات زاد العدد لتصل لـ55 ألف مؤسسة ومنظمة. ما يؤكد ترحيب الدولة بعمل المنظمات الأهلية الخدمي والنفعي. وهو أمر بدأ يظهر بوضوح مع بداية انتشار أزمة فيروس كورونا.
الرقابة على الأموال والمنح التي تتلقاها المؤسسات والمنظمات يتم في إطار مشروع، وفقًا لحديث عبد الموجود، للتأكد من صرفها بما لا يخالف لائحة العمل الأهلي، والقانون الذي ينظمه، مشيرًا إلى أن مصر تلقت ما يقرب من مليار و800 مليون جنيه كمنح من جهات أجنبية خلال عام واحد، من يناير 2020 وحتى الآن، وما تم رفضه لا يتجاوز الـ20 مليون جنيه فقط.