هل ترغب الدولة في فتح صفحة جديدة مع منظمات المجتمع المدني؟ وكيف للضغوط الدولية أن تساهم في تخفيف القيود التي تُمارس على العاملين بمجال حقوق الإنسان في مصر؟ وهل دفعت السيدات ثمنًا مضاعفًا للعنف مع أزمة كورونا؟ وهل حصلن على حقوقهن كاملة أم لا تزال معركتهن للوصول إلى ما هو ضروري لبناء مجتمع متحضر متواصلة؟
أسئلة كثيرة عن وضع حقوق الإنسان في مصر، طرحناها عليها المحامية والحقوقية، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية، عزة سليمان، في حوار خاص مع “مصر360″، على خلفية إعلان فوزها مؤخرًا بجائزة وزارتي الخارجية الألمانية والفرنسية لحقوق الإنسان وتعزيز دور القانون لهذا العام.
هناك من يرى أن الدولة تريد فتح صفحة جديدة مع المجتمع المدني.كيف تتفقين مع هذه الرؤية؟
للأسف، لا تشير ممارسات الدولة في التعامل مع ملف المجتمع المدني إلى أي نية لفتح صفحة جديدة. فالبداية الجديدة، خاصة في هذا الملف تحتاج شهودًا وتدابير. وما هو حاصل الآن لا يخرج عن ظروف قاسية جدًا تقيد عمل المجتمع المدني.
ولعل لائحة قانون عمل منظمات المجتمع المدني التي لم تطرح للحوار المجتمعي أبرز مثال على ذلك. لا حوار مع الجمعيات الأهلية حول قانون يمثلها، وكأن الأمر قضية “أمن قومي”، لا يمكن مناقشته أو التعرف عليه. حتى وزيرة التضامن عند إعلانها عن اللائحة كانت توجه حديثها للسفارة الأمريكية وليس المجتمع المدني في مصر. الدولة لا تقدم للعديد من المؤسسات أي دعم قانوني مثلاً أو دعم نفسي للمعنفات. وهناك العديد من القضايا لا تقدم الدولة في خدمات حقيقية.
هل تحتاج الدولة إلى تطمينات بأن المجتمع المدني يعمل لصالح خدمة المجتمع لا ممارسة السياسة فقط؟
من الأساس، منظمات المجتمع المدني لا تسعى للممارسة السياسية. لسنا أحزابًا تسعى وفق القانون لمقاعد برلمانية أو أهدافًا سياسية. عملنا حقوقي خدمي خيري.
هل تساهم الضغوط الخارجية في الإفراج عن السجناء وتخفيف القيود على العاملين بحقوق الإنسان؟
بالفعل، فالضغوط الخارجية التي تُمارس على الحكومة قادرة على تخفيف القيود المفروضة على المجتمع المدني. وهذا إلى جانب عمل بعض العقلاء والإصلاحيين داخل الدولة ممن يحاولون إصلاح الصورة الحقوقية. لكن أيضًا لابد من الإشارة إلى أن صوت الإصلاحيين ومحاولة تأثيرهم تبدو ضئيلة. وهي أقل حدة من الأصوات التي يمثلها النظام وتوصم عمل المجتمع الحقوقي.
اقرأ أيضًا: سكارليت جوهانسن تطالب بالإفراج عن قيادات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
موظفة تقليدية جدًا. تحاول ولكن إمكاناتها محدودة. وهي شخصية رجعية في بعض الأفكار والقضايا الخاصة بحقوق النساء. ليست مقاتلة ولا إصلاحية. وأداء المجلس القومي للمرأة ككل يسير في هذا الاتجاه، فأصبح جهة منافسة للجمعيات الأهلية.
كيف ترين ارتفاع نسب تمثيل المرأة سياسيًا؟
العدد مهم وقوي، لكن سيظل الحديث حول الكيفية. للأسف كانت هناك سيطرة على الأداء البرلماني بالمجلس القديم، ما يدعونا للتمهل حتى نرى أداء المجلس الحالي.
علينا أن ننظر للقدرة المتاحة للمرأة عقب الانتخابات. ومن المفترض أن نسأل: هل سنحصل على كيفية مختلفة مع أداء برلماني مختلف فيما يتعلق بالمواضيع والقضايا التي تهم النساء؟ وهل ستناقش القضايا بشكل متقدم ومتطور ومتماشي مع التشريعات العالمية؟ أم سيترك الأمر كما كان لفلسفة مشرع تقليدي قديم عفا عليه الزمن.
هل حصلت النساء على كافة الحقوق؟
بالطبع لا، لم يحدث هذا على مستوى التشريع، ولا على مستوى التطبيق، ولا أيضًا على مستوى العادات والتقاليد والثقافة التي نحاول تغييرها. على مصر أن تلتزم بالاتفاقيات التي خرجت عن لجنة “السيداو”، والتي لا تعمل على تطبيقها. لا هي ولا التوصيات التي صدقت عليها فيما يتعلق بالأحوال الشخصية بين المسلمين والمسيحيين، ومناهضة العنف ضد المرأة. هناك معارك كثيرة قادمة للنساء ومسيرتهم للحصول على حقوقهن.
حدثينا عن حملة “شهود بلا حماية” التي أطلقتها مؤسسة قضايا المرأة؟ وهل هي حملة للنساء فقط؟
في 2015 بعد تحولي من شاهدة لمتهمة في قضية شيماء الصباغ، رأيت كيف يمارس الظلم وتشويه السمعة على من أراد كشف الحقيقة. وكيف يخفي شهود آخرون شهاداتهم خوفًا من توريطهم قضائيًا، فأسسنا تحالفًا بين المنظمات الأهلية والشخصيات الحقوقية، لتقديم مسودة لقانون حماية الشهود. خصصنا جزءًا كبيرًا من هذا القانون للعنف الأسري والتحرش الجنسي، لأنها قضايا حساسة وخاصة جدًا تحتاج شهود وإخفاءً للبيانات حتى لا يتم الضغط عليهم وترهيبهم.
هذا كان منطلق الحملة، وهي ليست حملة للنساء فقط، وإن كن صاحبات النصيب الأكبر في السعي إلى حماية الشهود، خاصة النساء اللاتي تتعرض للعنف الأسري والجنسي. لكنها أيضًا تخص كافة الشهود نساءً ورجالاً.
اقرأ أيضًا: الدولة والمجتمع المدني| حلفاء في مواجهة الفقر وكورونا.. “أعداء” في السياسة
الأمن والأمان لن يتحققا إلا بحقوق الإنسان. فلا أولوية إلا لحقوق الإنسان والحرية. وأي حديث غير ذلك باطل، ولا يؤدي للأمن أو يضمن الاستقرار. حقوق الإنسان هي الضمانة الأساسية للاستقرار والأمن.
دفعت النساء ثمنًا مضاعفًا للعنف مع أزمة كورونا
بالفعل، كان الثمن مضاعفًا. وقد أجرينا دراسة حول هذا الأمر قبل ثلاثة أشهر، وجاءت النتائج مرعبة. النساء ليس لديهن دخل اقتصادي، ولا حماية لهن ضد العنف، ولا خدمات تقدم.
المنظومة المتكاملة لحماية النساء ضد العنف لم تكن مفعلة أو لم تكن ضمن الأولويات؛ لذا دفعت النساء ثمنًا باهظًا، وظهر العديد من جرائم العنف ضد النساء في تلك الفترة، وأيضًا قضايا اغتصاب وتحرش. يمكن بسهولة أن نصف منظومة حماية النساء من العنف بأنها “معطلة”، وكانت سببًا في العنف الشديد ضد النساء.
ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني في حماية حقوق الإنسان؟
المجتمع المدني دوره المراقبة على أداء الدولة والنظام، وتحسين حقوق الإنسان، وتنفيذ التوصيات لحماية حقوق الإنسان؛ وهي التوصيات الدولية التي يجب على الدولة الالتزام بها.
لكن ما يحدث حاليًا أن الدولة تخنق مجال عمل المجتمع المدني، ولا تترك له حرية العمل أو أداء دوره النقدي. وأيضًا لا يُسمح بالحديث حول قضايا حساسة تخص النساء. وللأسف النظام يملك كل الأدوات للتضييق على الدور الحقيقي والأساسي للمجتمع المدني، بإصدار القوانيين والتشريعات التي تحدد أدوارنا.
متى ينتهي الصراع بين المجتمع المدني والدولة لينتهي معه التضييق على المؤسسات؟
هذا سؤال تجيب عليه مؤسسات الدولة التي تضيق على المجتمع المدني، وتمنعه من أداء دوره الحقيقي، وتسعى لتشويه سمعته. هي الوحيدة صاحبة الإجابة، وهي التي تملك وتُسئل عن تحسين الوضع.