بعثت مسألة “استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة” بين المغرب وإسرائيل -برعاية أمريكية- الخلافات السياسية والإقليمية التقليدية بين الرباط والجزائر، والممتدة منذ عقود طويلة. حيث لا تعدو مسألة التطبيع، التي صعدت من حمى الخطاب الدبلوماسي والتلاسن بين الطرفين، أكثر من هامش مناورة، يعكس حالة التوتر القصوى. وهي ناجمة عن حجم التباين الهائل في عدد من الملفات الحيوية، ومن بينها قضية الصحراء الغربية، ودعم الرباط العسكري واللوحيستي لجبهة البوليساريو الانفصالية.

اقرأ أيضًا: تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.. دوافع ترامب وبراجماتية محمد السادس

خلفيات الصراع ومسبباته

إضافة إلى الخلاف الحدودي بين المغرب والجزائر، هناك تعقيدات أخرى، تتصل بتناقض رؤيتهما السياسية والاستراتيجية في عدد من الأحداث الإقليمية. الأمر الذي يعكس استمرارية الأزمة والتنافس السياسي المحتدم بين البلدين. مثال على ذلك موقف كلاهما المتباين تجاه الأزمة الليبية، بالإضافة إلى محاولات صعود كل بلد منهما في مناطق شمال أفريقيا وغرب الصحراء، لإيجاد أوراق ضغط مختلفة، في إطار جغرافيا الصراع المتحركة باستمرار. 

أيضًا يدلل على هذا التنافس الشديد بين البلدين النشاط المغربي المحموم في منطقة الساحل الأفريقي، وفي مالي تحديدًا. بينما على الجانب الآخر جاءت تصريحات الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في الأمم المتحدة أغسطس الماضي، معبرة عن حجم هذا الصراع، حينما قال إن “حل الأزمة في مالي سيكون جزائريًا بنسبة 90%”. والخلاصة هنا أن الرباط تلاحق الدور ذاته، وبالدرجة نفسها.

في 2019، أعلنت المغرب تمكنها من سحب اعتراف عدد من الدول الأفريقية بجبهة البوليساريو، وانخفض إجمالي الدول المعترفة بها إلى 37، بعد أن كانت 80، من بينهم نحو 18 دولة أفريقية. واعترف الاتحاد الأفريقي، في العام 1984، بجبهة البوليساريو، ما أدى إلى خروج الرباط من المنظمة الأفريقية.

استمرارية الخلاف الجزائري المغربي 

إذًا، لا تعد التصريحات الرسمية الأخيرة من الجزائر، والتي تحمل نبرة هجوم صريحة ومباشرة ضد المغرب، أمرًا لافتًا أو جديدًا. حيث أن سجل الدولتين حافل بمناوشات سياسية ودبوماسية عديدة. وذلك على خلفية حالة انسداد سياسي قائمة، وتبدو آثارها واضحة في إغلاق الحدود البرية بينهما منذ العام 1994.

السبت الماضي، قال رئيس الوزراء الجزائري، عبد العزيز جراد، إنالجزائر مستهدفة“، وإن هناك “تحديات تحيط بالبلاد”. كما أشار إلى وجود ما اعتبره “إرادة حقيقية تستهدف ضرب الجزائر بإيصال الكيان الصهيوني إلى الحدود”، قاصدًا عبر التطبيع المغربي مع إسرائيل. 

أيضًا لفت رئيس الوزراء الجزائر إلى “وجود عمليات أجنبية تريد ضرب استقرار البلاد.. وأن هناك دلائل مرتبطة بما يحدث على كل حدودنا”. بينما أوضحت الخارجية الجزائرية، أن نزاع الصحراء هو “مسألة تصفية استعمار لا يمكن حله إلا بتطبيق القانون الدولي”. 

واعتبر بيان الخارجية أن إعلان ترامب “ليس له أي أثر قانوني”. لأنه يتعارض مع جميع قرارات الأمم المتحدة، وخاصة قرارات مجلس الأمن بشأن مسألة الصحراء الغربية. وأشار البيان إلى القرار رقم 2548 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2020، الذي صاغه ودافع عنه الجانب الأميركي.

البوليساريو والتوظيف السياسي الجزائري

يشير الصحفي المغربي، محمد بن امحمد العلوي، إلى أن الجزائر دعمت بوليساريو الانفصالية “بكل قوة”، وعلى كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية واللوجيستية. ويضيف أن الهدف النهائي للنظام الجزائري هو خلق نطاق جغرافي، يمتد من منطقة تندوف جنوبي الجزائر وحتى الاتجاه الغربي نحو الأطلسي، لجعله متنفسًا بحريًا له على المحيط. وهو ما أفشلته الاستراتيجية المغربية بعيدة المدى، التي تضمنت عودة الرباط إلى الاتحاد الأفريقي في العام 2017، كلبنة أساسية. وتوج بعد ذلك بتصفية عناصر البوليساريو من معبر الكركرات، وتأمين المسافة الجغرافية الفاصلة بين المغرب وموريتانيا، على حد قوله.

ويوضح العلوي، لـ”مصر 360″ أنه “بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، رسميًا أن الصحراء مغربية”. إلى جانب اعتماد خريطة جديدة تتضمن كل الأقاليم المغربية من الشمال حتى الجنوب، يكون ملف الصحراء المغربية دخل مرحلة جديدة من التداول الأممي والإقليمي. وبالتالي فإن الجزائر في موقع قلق وإحراج، بعد فشلها في “تثبيت كيان وهمي انفصالي داخل التراب المغربي”، حسب العلوي.

إنفوجراف (ا ف ب)
إنفوجراف (ا ف ب)

هل فرض ترامب واقعًا جديدًا؟

ثمة واقع جديد يؤكد مغربية الصحراء وسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، بحسب العلوي. الأمر الذي يتعزز بفتح قنصليات عربية وأفريقية. بالإضافة إلى التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في مدينة الداخلة، أكبر مدن الصحراء المغربية.

ويرى العلوي أن هذا المتغير الكبير يبعث روحًا جديدة ومغايرة لهذه الأقاليم الصحراوية، على المستويات التنموية والاستثمارية، كمقدمات اشتغل عليها المغرب منذ سنوات. وهذا التصور بعيد المدى هو الذي جعل واشنطن تتبنى نهجًا آخر في التعاطي مع الوضع بالصحراء المغربية. وذلك على أساس مؤسساتي، وليس نزوة أو نزق سياسي. وفي ذلك ما يؤرق قيادة النظام الجزائري وجبهة بوليساريو، على حد سواء، كما يشير العلوي.

اقرأ أيضًا: أزمة الصحراء المغربية: هل هي مجرد “استفزازات” من جبهة البوليساريو الانفصالية؟

علاقة مغربية إسرائيلية ممتدة

وحول أسباب وخلفيات الهجوم بين المغرب والجزائر، والمتصلة بـ”التطبيع” مع إسرائيل، يردف العلوي، أن “الاتفاق الأخير الذي تم برعاية ترامب، يمكن اعتباره بمثابة استعادة للاتصال المباشر بعد إنضاج شروطه الموضوعية”. إذ أن علاقة المغرب بإسرائيل ليست وليدة اليوم، بل كان المغرب دومًا المحاور العربي “المعتدل” في تدبير الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وفق العلوي، الذي يؤكد أن هذا الدور كان يحمل طابعًا آخر مدافعًا عن الحق الفسطيني. وقد ترأس العاهل المغربي محمد السادس لجنة القدس، وعقد الحسن الثاني أول قمة عربية في مدينة فاس، مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، للتقرير في مسألة السلام بين الفلسطينيين والإسرائليين.

ويتابع العلوي: “لهذا لا أتفق مع مفردة التطبيع التي لها سياقاتها السياسية والأمنية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط”. لأن النموذج المغربي بمؤسساته وشعبه بما فيه المكون اليهودي سواء داخل إسرائيل أو خارجها، يحتكم إلى نظام إمارة المؤمنين القائم في المغرب. وذلك إطار سياسي وعقدي وقانوني يمكننا من فهم العلاقة بين المغرب وإسرائيل، حسب الصحفي المغربي. 

تهرب من الأزمات الداخلية

التوتر بين الجزائر والمغرب، يعكس مشكلة قائمة في بنية السلطة الجزائرية، التي تتجه تقوم بتقديم كافة أنواع الدعم إلى عناصر البوليساريو الانفصاليين، وتأويهم فوق أراضيها، حسبما يرى خالد اشبيان، نائب رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث. 

ويضيف اشبيان، لمصر “360” أن “تتعدد التوصيفات المسيئة من جانب المسؤولين الجزائريين تجاه المغرب في ظل هذا الصراع المفتعل، تعكس رغبة النظام الجزائري، الذي يعيش في مأزق سياسي مؤخرًا، في إبقاء الصراع والنزاع في المنطقة، وخلق أعداء وهميين لتصدير أزماته المحلية وعدم استجابته لمطالب الجزائريين المشروعة في الديمقراطية”.

ويؤكد نائب رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث أن الاعتراف الأمريكي بـ”مغربية الصحراء” يمثل صفعة قوية للاتجاهات الداعمة للانفصالين. حيث لم تستطع تلك الأطراف المضادة الرد. ويوضح أن “أي دعم لمرتزقة البوليساريو” أصبح فاقدًا لمشروعيته. لاسيما بعد الإنجازات الدبلوماسية الأخيرة للمغرب بعيدًا عن خيار السلاح، على حد قوله. ويشير بذلك إلى نجاح الرباط في استقطاب عدد من الدول لفتح قنصلياتها في مدينتي العيون والداخلة المغربيتين. وما يعزز من نجاحات تلك التحركات، باعتماد سياسة تنموية في المنطقة بتطوير في البنية التحتية ووضع مرافق عمومية مهمة.

خيارات الجزائر المتاحة

في تقرير لها حول الخيارات الجزائرية بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، نقلت قناة “الحرة” الأمريكية، عن مصطفى آيت موهوب، رئيس شبكة الصحفيين الجزائريين المساندين لكفاح الشعب الصحراوي، قوله إن اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء “لن يغير من موقف الجزائر تجاه الصحراء الغربية”. وأضاف: “موقف الجزائر مبدأي، وهو دعم حركات التحرر”.

أيضًا أوضح موهوب أن “الولايات المتحدة ليست اللاعب الوحيد”. وأن هناك لاعبون آخرون موجودون في المنطقة يقفون خلف موقف الجزائر، مثل الصين، وروسيا. وكانت موسكو تطالب دائمًا في مجلس الأمن بإجراء استفتاء تقرير مصير في الصحراء الغربية. هذه هي الطريقة التي تم بها تسجيل ملف الصحراء في الأمم المتحدة، حسبما أشار موهوب.

إلى ذلك، لفت موهوب أن التطور الذي سيغير المعادلة في منطقة المغرب الكبير، هو توجه المغرب نحو تطبيع العلاقات كاملة مع إسرائيل. وأضاف: “نعتبر هذا الأمر خطيرًا، وقد يدفع المنطقة لعدم الاستقرار”. بينما أشار فيما يتعلق بالصحراء إلى أن موقف ترامب المنتهية ولايته في يناير، لا يغير شيئًا.

وذكّر بموقف محكمة لاهاي من هذا الملف. حيث أقرت محكمة العدل الدولية وجود روابط بين الصحراء الغربية أثناء خضوعها للاستعمار والمغرب وموريتانيا. لكنها اعتبرت هذه الروابط غير وثيقة. ما أدى في 16 أكتوبر 1975 إلى منح سكان المنطقة حق تقرير المصير.