بالتأكيد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب له انعكاسات اقتصادية وسياسية إيجابية على المستوي الداخلي، ولكنها تظل مشروطة بطبيعة السياسات في المرحلة القادمة من جانب الحكومة الانتقالية، ومسارات انحيازاتها الاجتماعية.

أما على الصعيد السياسي، فإن هذا القرار سوف تكون له تداعيات مؤثرة على توازنات القوي بين أطراف المعادلة السياسية السودانية، كما سيكون مؤثرا ومن نفس الزاوية على توازنات القوى الإقليمية، وربما تكون هناك أطراف خاسرة على الصعيد الدولي.

الاحتفاء السوداني على المستويين الحكومي والشعبي بالقرار تحوطه تساؤلات عن توقيت الاستفادة منه، ومخاوف من عدم انعكاسه على الأحوال المعيشية للفئات الاجتماعية الأوسع من الشعب السوداني، وبطبيعة الحال التساؤلات والمخاوف مشروعة لعدد من الأسباب:

حسابات المكاسب والخسائر في طريق السودان

أولا: مازال تفعيل القرار على المستوي الاقتصادي مرتبطا باستعادة السودان كدولة لحقوقها السيادية، وهي مسألة مرتبطة بتسوية حقوق الضحايا الأمريكيين لعمليات إرهابية تورطت فيها حكومة المخلوع عمر البشير. ورغم دفع السودان ٣٥١ مليون دولار كتسوية جزئية لهذا الملف، ولكن التسوية النهائية لا تزال تنتظر الحصول على الحصانة القانونية في القضايا المرتبطة بهجمات سابقة، وهو ما يستلزم سن قانون يخضع حالياً لمفاوضات محتدمة في الكونجرس الأميركي.

يمنح السودان حصانة قانونية كدولة في قضايا على صلة بالإرهاب. ولكن المفاوضات بين إدارة ترامب والكونجرس عالقة في هذا الملف، خصوصا أن رابطة من ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 من النواب رفضت المقترح القانوني الحالي من وزارة الخارجية الأمريكية، الذي يحرمهم من “الحق في ملاحقة السودان لدورها كداعم للقاعدة” في الماضي.

ويقود هذه الرابطة السيناتور الديموقراطي تشاك شومر ومعه سيناتور آخر هو بوب مينينديز، وهما يمثلان ولايتي نيويورك ونيوجرسي اللتين ينحدر منهما غالبية ضحايا 11 سبتمبر، ويطالبان بتعويضات تصل لـ٤ مليار دولار، مقابل ٧٠٠ مليون دولار تقترحهم الإدارة الأمريكية. وتمارس لتحقيق ذلك ضغوطا كبيرة، حتى تستطيع إدارة ترامب تنظيم احتفالية بهذا الصدد في واشنطن قبل خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض باعتباره إنجازا لإدارته.

قروض ومساعدات معطلة.. ما الذي تحتاجه السودان؟

وإذا كانت هذه الخطوة مطلوبة على الصعيد الأمريكي، وقد تكون مؤثرة على البنك الدولي بحيث تعطل الطلب السوداني بقروض تصل إلى ١٠ مليارات دولار  فهي غير مطلوبة على لا على صعيد دول الاتحاد الأوروبي ولا إسرائيل.

من هنا، تستطيع السودان البدء في التفاوض على الحصول على قروض ومساعدات من الاتحاد الأوروبي، كما سوف تشرع الصناديق الاستثمارية الأوروبية في التوجه تجاه السودان خصوصا في قطاعي استكشاف الذهب والحصول على الصمغ العربي.

وفيما يخص إسرائيل فسوف تندفع بالتأكيد في الاستثمار الزراعي وذلك بفاعلية وسرعة قد لا يجاريها فيها آخرون وفضلا عن أسبابها في الإسراع الخاصة بعناصر أمنها الغذائي ووزنها الإقليمي فهي تريد دخول الملعب قبل ازدحامه بباقي الأطراف عالميا وإقليميا.

ومن المتوقع أن تهتم إسرائيل بالاستثمار في كافة المعادن، وخصوصا الذهب. وكعادتها لن تعتمد إسرائيل على أدواتها الرسمية ولكنها سوف تفعل أدواتها غير الرسمية من منظمات المجتمع المدني في المجالات الإنسانية بما يسهل عليها اختراق الذهنيات السودانية المناوئة لها، والمقاومة لاتزال رافضة للتطبيع السوداني- الإسرائيلي رغم دعم دولة الإمارات ذات التأثير في السودان لهذا الاتجاه.

اقرأ أيضًا: السودان.. حكاية 27 عامًا في قوائم العقوبات 

ديوان خارجية وأمل معلق على التمويلات الدولية

أما على صعيد الديون الخارجية فإن نسبها أعلى من الحدود الاسترشادية حيث بلغت 166% من إجمالي الناتج المحلي. من هنا ربما تكون الخطوة الفورية للحكومة السودانية إزاء أوروبا هي التفاوض لخفض ديونها خصوصا أن نادي باريس هو أهم الدائنين بنسبة 37% من نسبة الدين الكلية البالغة نحو 60مليار دولار، في حين أن 51% تمثلها مؤسسات متعددة الجنسيات، بجانب 14% نسبة ديون القطاع الخاص.

وما يدعم السودان في هذه العملية التفاوضية أن أصل الدين الحقيقي نحو 17 مليار دولار، بينما نحو 37 مليارا منها هي عبارة عن فوائد وجزاءات بسبب العجز عن دفع الديون في موعدها.

وتدين السودان بملياري دولار أمريكي لصندوق النقد الدولي وهو ما يجعل القروض وليس الديون هو الملف الأساسي في علاقة السودان بكل من صندوق النقد والبنك الدولي في هذه المرحلة، حيث من المنتظر أن تساهم  القروض المطلوبة  من جانب الحكومة السودانية، في حال الحصول علىها في تحجيم الانخفاض الجنوني للعملة المحلية حيث وصل الدولار إلى ٢٥٠ جنيه سوداني وذلك بتضاعف قيمته ثلاث مرات خلال عام واحد =.

وبطبيعة الحال، من شأن هذه الخطوة أن تقلل من معدلات التضخم وتدعم مستويات المعيشة للسودانيين خصوصًا في قطاعي الخبز والوقود، كما سوف تنعكس على قطاعات البنية التحتية المنهارة في السودان خصوصا في مجالات النقل التي سوف تكون أحد القطاعات الأساسية المستفيدة من القروض والتمويلات العالمية.

خطط اقتصادية متنوعة

وتمتلك الحكومة خططًا لإقامة مشروعات ربط حديدي مع كل من إثيوبيا وتشاد لتسهيل عملية نقل البضائع والسلع إليهما من الموانئ السودانية، إضافة إلى الربط الحديدي بين مدينتي حلفا السودانية وأسوان المصرية، وهو مشروع يتوقع له أن يسهم في زيادة معدلات حركة البضائع والركاب، ويفتح بالتالي فرص عمل كبيرة  على الصعيدين المصري والسوداني.

ورغم التوقعات الإيجابية على الصعيد الاقتصادي، والمترتبة على رفع اسم السودان من على قائمة الدول الراعية للإرهاب فإن المخاوف الرئيسية التي تم التعبير عنها في الجدل العام السوداني، هو طبيعة اتجاه السياسات الحكومية ومدي التزامها بمسألة العدالة الاجتماعية، وخصوصا أن النخب السياسية السودانية لا تتفق على نموذج محدد من نماذج التنمية العالمية وتنتمي بعض النخب الحكومية لمدراس النيوليبرالية كونها قد كونت خبراتها في المنظمات الغربية.

اقرأ أيضًا: من قائمة الإرهاب إلى المواجهة …”الآن يمكنكم دعم السودان”

أما على الصعيد السياسي، فإن الانعكاس المباشر للخطوة الأمريكية هي دعم المكون المدني في المعادلة السياسية السودانية، وهو ما استغله فورا  رئيس الوزراء السوداني د. عبدلله حمدوك في أعقاب القرار بخطاب معلن قال فيه إن الحكومة لا تسيطر إلا على ١٨٪ فقط من حجم الشركات السودانية، بينما تعود النسبة الباقية للمؤسسة العسكرية، وهو ما يعوق قدرته على الاستفادة من رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

ويحاول حمدوك بهذه الخطوة أن يستفيد أيضا من توجهات الكونجرس الأمريكي الراهنة والتي تصيغ قانون بشأن السودان يحظر على الجيش امتلاك شركات اقتصادية، كما أنه يستبق جهود الإدارة الأمريكية القادمة لبايدن والتي سوف تدعم تحولا ديمقراطيا في السودان معتمدا على المكونات المدنية فقط.

تنويع عسكري حٌرمت السودان منه

وعلى الصعيد العسكري، فإنه سوف يكون متاحا للسودان من الآن وصاعدًا تحديث عتادها العسكري ودعمه من مصادر متنوعة، خصوصا وأن منظومة التجهيزات العسكرية، قد تضررت كثيرا بسبب فقدانها جيلا كاملا من التكنولوجيا العسكرية خلال فترة العقوبات التي استمرت أكثر من 25 عاما.

وهناك دبابات مختلفة خرجت من الخدمة بسبب عدم وجود قطع غيار، كما حرمت العقوبات السودان الاستفادة من الكثير من أوجه التعاون العسكري، خصوصا تلك التي تتعلق بالتدريب ونقل التكنولوجيا، وهو أمر له تأثير بالغ  بطبيعة الحال مؤشرات القوات المسلحة السودانية على المستويين الإقليمي والعالمي

في السياق الدولي ربما تعتري المخاوف الصين في هذه المرحلة حيث كان الملعب السوداني مفتوحا لها على مصراعيه لما يزيد عن عقدين، بعد أن اتجهت السودان شرقا في أعقاب فرض العقوبات الاقتصادية علىها، وإعلانها دولة راعية للإرهاب في تسعينيات القرن الماضي، وهو الأمر الذي عزز فرص الصين خصوصا في الاستثمارات البترولية والتعدينية بينما ستعاني حاليا من منافسة يهمها منها الجانب الأمريكي الذي تتصادم مصالح بكين معه.

اقرأ أيضًا: عقوبات اقتصادية أم فخ سياسي.. لماذا تظل السودان في قائمة الإرهاب الأمريكية؟

ولعل ذلك الوضع هو ما جعل الصين تستبق التدافع الاستثماري المتوقع تجاه السودان بعقد اتفاقيات جديدة مع السودان مطلع هذا الشهر وذلك في عدد من مربعات التعدين لاستكشاف المعادن مع شركة “وان باو“ فضلا عن مشروع توسعة مصفاة الخرطوم، والذي تشارك الصين ملكيته مع الحكومة السودانية.

وفي هذا السياق، حرص  السفير الصيني بالخرطوم على بلاده على تطوير العلاقات وزيادة حجم الاستثمارات خاصة في مجالي الطاقة والتعدين، لافتا إلى توجه بلاده لدعم الاستثمارات الصينية لقطاع الأعمال الخاص للدخول في العديد من مشروعات النفط والكهرباء والتعدين طالبا قائمة بالمشروعات المقترحة من الجانب السوداني.