أثارت موافقة مجلس الوزراء على إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات، تٌجيز حبس و تغريم من يصور جلسات الدعوى الجنائية بدون تصريح، ردود أفعال متابنية في أوساط المتخصصين، بين مدافعين عن ضرورة حماية خصوصية المتهم، ومعارضين لانتهاك مبدأ علانية الجلسات.

وبينما يرى نقابيون حاليون وسابقون وقانونيون أن المادة الجديدة تشكل انتهاكا صارخا للدستور ولحق مبدأ علانية الجلسات، يتمسك آخرون بأن المادة الجديدة في القانون لا تعد أكثر من إجراء تنظيمي يستند على مبدأ “المتهم برئ حتى تثبت إدانته”. 

مادة جديدة في قانون العقوبات تخص الصحافة

ووافق مجلس الوزراء، أمس، على إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات، تنص على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض، كلمات أو صورا لوقائع جلسة مُخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأي وسيلة كانت؛ بدون تصريح من رئيسها، وذلك بعد موافقة النيابة العامة، والمتهم، والمدعي بالحق المدني، أو ممثلي أي منهما”.

ويحكم بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، أو ما نتج عنها، أو محوه، أو إعدامه بحسب الأحوال.

بررت الحكومة قرارها بأن الأصل فى الإنسان البراءة، وهذا الأصل يتمتع به كل متهم حتى يصدر ضده حكم بات على نحو يجعل له الحق فى ألا تلتقط له أيه صورة فى وضع يجعله محل ازدراء الآخرين أو شكوكهم. وذلك بعد أيام قلية من تداول صورة للقيادي بجماعة الإخوان المسلمين، داخل قفص المحاكمة، في أول ظهور له في القضايا المتهم به منذ أحداث ثورة 30 يونيو.
وهذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل بخصوص علانية الجلسات، إذ سبق أن قرر المجلس القضاء الأعلى في عام 2017 منع بث جلسات المحاكمات تليفزيونيا، ما أثار اعتراضات مشابهة للقرار الجديد، وجاء التفسير مشابها أيضا بأن ذلك لاينال من علانية الجلسات لأنها متوفرة ومحققة بحضور المتقاضين والمحامين.

إهدار مبدأ العلانية

“مشروع القانون الحكومي المقيد للنشر بأي صورة من الصور يصطدم بالدستور والمبادئ العامة التي أقرتها نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة المصرية”، يعلق محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين.

ويستند عبد الحفيظ إلى نص المادة 71 من الدستور المصري والتي تنص على “يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد فيحدد عقوبتها القانون”.

ويوضح عبد الحفيظ: “حسب الدساتير المتعاقبة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، المحاكمات علانية، وهناك استثناءات تجيز للمحكمة جعل الجلسات سرية مراعاة للنظام العام، لكن في جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علانية”.

برأي النقابي، فإن توفير مبدأ العلانية للجمهور على هذا النحو يجعل الرأي العام رقيباً على إجراءات المحاكمة فيدعم الثقة في القضاء والاطمئنان إلى عدالته ويدفع القضاة أكثر إلى الحياد والتطبيق السليم للقانون.

وكذلك فيما يخص النشر، فهو هو إجراء مكمل لمبدأ العلانية، فالأصل أن يتابع الرأي العام ما يجرى في الجلسات لزيادة الثقة والاطمئنان في عدالة المحاكمة، ويجوز أيضا من باب الاستثناء أن تفرض هيئة المحكمة قيود على هذا الأصل مراعاة للنظام العام أو لحماية الشهود أو المتهمين.  

يحيى قلاش: مادة غير مسبوقة

يتفق يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، مع رأي سعد، إذ يعتقد أن المادة الجديدة تهدر مبدأ علانية الجلسات وتقلل من حق كل مواطن في حق المعرفة وهو حقه الدستوري.

“إطلاع الرأي العام هو جزء من مصداقية الأحكام الصادرة، وتعتيمها يقلل من مصداقية الحكم أو القاضي، وهو مبدأ خطير، فتاريخيا الاحتلال الإنجليزي لم يستطع حجب المحاكمات وأن يمنع المواطن المصري من متابعة قضايا مهمة و”دنشواي” مثالا. بحسب قلاش.

وعن إتاحة النشر أو البث أو التصوير للمدعي العام أو رئيس المحكمة هو منع لمبدأ المنع، وأتمنى البرلمان والذي سيعرض عليه المادة أن يعيد النظر في ذلك الأمر فهو أمام أول اختبار حقيقي. مضيفا:” تلك المادة غريبة وغير مسبوقة ولا تنظم حق، فهي تمنع وتقيد حقوق مشروعة”.

يمس حرية تداول المعلومات

“هذا القانون مخل بقاعدة المحاكمات العادلة والمنصفة ” يتفق ناصر أمين مع نقيب الصحفيين الأسبق، مستنكرا اعتداء المادة على حق المجتمع في المعرفة.

 

ناصر أمين مدافعا ومتهما في القضية 173

وأوضح أمين أن القانون يمس بدرجة كبيرة لحرية تداول المعلومات، ومن ناحية أخرى يمس حق المجتمع في الرقابة على أعمال القضاء والمنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والموقعة عليها مصر، باعتبار أن المحاكم يجب أن تخضع للقرابة المجتمعية. 

هل الحكومة على حق؟

في بيانها الصادر، أمس، قالت الحكومة إن المادة الجديدة تهدف منع تصوير المتهمين إعلاميا لحين صدور حكم بات في القضايا التي يحاكمون بها حماية لهم. وهو ما يؤيده عضو مجلس الشيوخ المعين، إبراهيم أبو كيلة، في حديثه معنا.

أبو كيلة، الذي يشغل منصب رئيس تحرير كتاب الجمهورية، رأى أن المادة التي تم إضافتها لقانون العقوبات مجرد إجراء تنظيمي، يهدف إلى منع تصوير المتهمين لحين صدور حكم نهائي بات في القضايا التي يحاكمون بها حماية لهم لأن “المتهم برئ الى أن تثبت إدانته”، وهذا الأصل يتمتع به كل متهم حتى يصدر ضده حكم بات سواء بالبراءة أو الإدانة، ومن حقه ألا تلتقط له أي صورة في وضع يجعله محل ازدراء الآخرين.

وأشار أبو كيلة إلى أنه قد تأذى كثيرا من الذين اتهموا في قضايا وحصلوا بعد ذلك على البراءة، لافتا إلى أن عدم تصوير جلسات المحاكمة إجراء معمول به في العديد من الدول، حماية لأشخاص المتهمين لحين صدور حكم، ولعدم التأثير على سير التحقيق والدعاوي.

أسرة مبارك تواصل معركتها مع المحاكم
أسرة مبارك تواصل معركتها مع المحاكم

قواعد تصوير المحاكمات

يشرح مصدر نقابي أن القاضي لن يمنع الحصول على الأذن إلا في قضايا الإرهاب، بالإضافة إلى أنه لن يمنع حضور المواطنين أو المحامين الجلسة وهو ما لن يضر بمبدأ علانية الجلسات.

حديث المصدر معناه أن القضايا الكبرى المتهم فيها أعضاء الإخوان المسلمين وكذلك بعض النشطاء الليبرالين على ذمة قانون مكافحة الإرهاب لن يسمح بتصويرها إطلاقا في الفترة المقبلة، ولن يتمكن المصورون من نشر أي لقطات استثنائية قد تحدث خلال وقائع المحاكمات.

 

وتعج المحاكم بالعديد من القضايا المهمة لنشطاء إسلاميين وليبراليين، يواجهون اتهامات بتمويل أنشطة إرهابية وإدارة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تروج أخبارا كاذبة.

اقرأ أيضا:

فاتورة 5 سنوات من الحياة في ظل “مكافحة الإرهاب”

ضيوف جدد في قوائم الإرهاب.. وجمال عيد: قانون غير دستوري

عودة للخلف.. مجلس النواب يمنع الحبس الاحتياطي في جرائم النشر

في الدورة السابقة من مجلس النواب، استجاب البرلمان لمطالب نقابة الصحفيين في إلغاء الحبس الاحتياطي للصحفيين والموافقة على نص المادة 29 من مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام على أنه: “لا يجوز الحبس الاحتياطي في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن فى أعراض الأفراد”.

ولكن عادت المادة المضافة حديثا إلى تقنين الحبس فحددت:” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض، كلمات أو صورا لوقائع جلسة مُخصصة لنظر دعوى جنائية”.

” لا يجوز تشريع مادة جديدة تعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن سنة، على الرغم من تجريم الدستور للحبس في قضايا النشر، حتى إن لم يتم تفعليها، بالإضافة إلى انتهاك الدستور والمعاهدات الدولية” يعود قلاش للحديث.

يضيف النقيب الأسبق: “الصحافة لا تتحمل قيود أكثر فلدينا سلسلة من القوانين بها تراكم ومواد معيبة كنا ننتظر من دستور 2014 تحقيق بعض الخطوات المتقدمة التي حلم بها الصحفيين والمواطن المصري في الحقوق الدستورية في حرية تداول المعلومات والمعرفة”. 

وسجلت لجنة حماية الصحفيين وجود ما لا يقل عن 274 صحفياً في السجون بحلول يوم 1 ديسمبر، وهو أكبر عدد تم تسجيله منذ بدأت بجمع بيانات حول الصحفيين السجناء في بدايات عقد التسعينات من القرن الماضي، كما أن هذه السنة هي السنة الخامسة على التوالي التي يتجاوز فيها عدد الصحفيين السجناء 250 صحفياً.

وبحسب الإحصائية، تصدرت كل من الصين وتركيا ومصر والمملكة العربية السعودية قائمة الدول التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين، حيث تحتل مصر المركز 166 بحسب مؤشر مراسلون بلا حدود.

نص مماثل في مكافحة الإرهاب

تنص المادة 36 من القانون 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب على “يحظر تصوير أو تسجيل أو بث أو عرض أية وقائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية إلا بإذن من رئيس المحكمة المختصة، ويُعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل من خالف هذا الحظر”. 

يوضح ناصر أمين أن النص الذى وافق عليه مجلس الوزراء مشابها ويكاد يكون متطابقا مع المادة 36، مشيرا إلى أن هذ النصوص ليس لها سند دستوري، فالقصد منها بث الرعب فقط.