العابرون جنسيًا. عادة ما يثير ذلك المصطلح قلق كبير لدى من يسمعه، كما أن من يتعرض لمثل هذه العمليات لا يمر الأمر عليه بسلام، فيعاني من مشاكل وأزمات مجتمعية كبيرة وعادة لا يتم قبوله بسهولة أيا كان ذلك المجتمع، فمتى بدأت قصة العابرون جنسيًا؟
في منتصف ديسمبر من العام 1952، كانت وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية تصدح بأنباء نجاح أول عملية جراحية لتغيير جنس إنسان، للأمريكي من أصل دنماركي، جورج يورجنسن ، والذي نجح بعد عامين من العلاج والعمليات الجراحية المتتابعة، في التحول إلى كريستين يورجنسن.
صحيح أنها محاولة ناجحة، لكنها لم تكن الأولى، فقبلها بنحو 20 عامًا أُجريت جراحة تغيير للنوع الجنسي للرسام الدنماركي أينار ويجنر ليتحول إلى ليلي إلبي، والتي توفيت عام 1931 بسبب مضاعفات نتجت عن عملية زراعة الرحم. أوحت هذه القصة لصناع فيلم “الفتاة الدنماركية”، حيث أدى دور ليلي، الممثل الإنجليزي إيدي ريدماين.
بعد مرور أكثر من 90 عامًا على إجراء أول عملية جراحية للعبور الجنسي لليلي إلبي، و68 عامًا على نجاح الجراحة لكريستين يورجنسن؛ لا تزال حياة العابرين والعابرات جنسيًا تمتلئ بفصول من المعاناة.
العابرون جنسيًا والهوية الجندرية
ستكون مضطرًا عند التحدث عن قضية عابري النوع الجنسي، إلى طرح العديد من الشروحات حول الفرق بين “الميول الجنسية” و”الهوية الجندرية”، وما يشعر به أصحاب وصاحبات الهويات الجنسية، غير منسجمي النوع الجنسي، والمسجونة هوياتهم داخل أجساد متناقضة مع طبيعتهم.
وحتى مع مثابرة عابري النوع الجنسي، والناشطين في هذه القضايا، في الشرح والدفاع عن قضيتهم، فإن مثابرتهم وصلابتهم، تصطدم دائمًا بحوائط عديدة، تعلو متدرجة كسباق الحواجز: القانون والمجتمع والدين والأخلاق.
اقرأ أيضًا: الهوية الجنسية.. الأحكام الدينية قتل وتقويم وإنصاف
العابرون جنسيًا في مصر
خلال الأسبوعين الماضيين أوردت مواقع إخبارية وصحف مصرية، تصريحات لوزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقي، ردًا على شكوى تقدمت بها فريدة رمضان، عابرة جنسيًا، أجرت جراحة منذ سنوات.
طلبت فريدة في الشكوى العودة لعملها مدرسةً بمديرية التربية والتعليم في محافظة دمياط، أو الحصول على مستحقاتها المالية، حيث تعرضت للفصل من وظيفتها في عام 2006.
ورغم تصريحات الوزير التي أكد فيها أن فريدة المتضررة عُينت في الوزارة عام 1982، كمدرس ابتدائي باسم محمد رمضان، وأنها فُصلت في 2004 للتغيب، ثم عادت في 2006 بعد التحقيق معها. لكن تكرر غيابها مرة أخرى، فأنهيت خدماتها، مصرحًا بأنه لا يستطيع إعادتها للعمل؛ إلا أنه دعا في التصريحات إلى ضرورة تفهم العابرين جنسيًا، والبحث عن طرق تقبل المجتمع لهم عبر علماء النفس والدين، بهدف إنهاء التنمر ضدهم.
اعتبر البعض تصريحات وزير التربية والتعليم، خطوة مهمة للأمام، كأول تصريح من مسؤول حكومي، يتحدث فيه عن العابرين جنسيًا. لكن بالنسبة لفريدة فإن موقف الوزير ربما جانبه “مراعاة روح القانون”، كما قالت لـ”مصر360”.
“عانيت كثيرًا منذ بدأت الرحلة”
مع ذلك تؤكد فريدة أن تغيرًا كبيرًا طرأ في طريقة التعامل مع العابرين جنسيًا من قبل مؤسسات الدولة ومسؤوليها. معاناة فريدة للبدء في رحلة العبور الجنسي قبل 18 عامًا، وحتى إجراء عملية التصحيح منذ خمس سنوات، وتعرضها لإساءات متكررة بشأن هذا الأمر، من الأسرة والشارع؛ قابله، بعد طرح قصتها مؤخرًا؛ “تجاوبًا وتعاطفًا كبيرًا، شعرت به من المسؤولين”، على حد تعبيرها.
وفي دمياط، تلقت المحافظة منال العوضي، فريدة بالترحاب. كما أنها وجهت بتوفير معاش لها لحين الحصول على وظيفة بعقد مؤقت في مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة، التي تقطن بها فريدة.
وفي محافظة البحيرة، أبدى المحافظ هشام آمنة، دعمًا لفريدة، بعد مشاركة حالتها مع محافظة دمياط. كما، والحديث لفريدة، تلقت دعمًا من مسؤولي مديريتي التضامن في كل من دمياط والبحيرة. وتواصلت معها كذلك مسؤولون أمنيون، تقول فريدة إنهم أعربوا عن استعدادهم تقديم الدعم اللازم.
أسرة بدل الأسرة.. هل فريدة استثناء؟
بعد رحلة طويلة، قررت فريدة ترك أسرتها بدمياط نحو البحيرة. “أرادوا أن أسجن طوال حياتي في جسد لا أنتمي له”، تقول فريدة التي عبرت لفترة على القاهرة، قبل الانتقال لعزبة صغيرة تابعة لمدينة كفر الدوار.
“في البداية لم يكن أهل العزبة يعلمون شيئًا عني، لكن بعد تعرضي لحادث ودخولي للمستشفى وإجرائي لعملية جراحية في إحدى قدمي عُرف الأمر”. تفاجأت فريدة بطريقة تعامل أهالي العزبة معها. قالوا لها إنهم سيتعاملون معها كما هي، امرأة. “قالوا لي: لا يهمنا سوى الإنسان الذي أمامنا”، تقول فريدة. لذلك تؤكد فريدة أن أهل العزبة كانوا لها أسرة بدل أسرتها.
يؤكد المحامي الحقوقي مصطفى محمود، أن التعامل مع حالة فريدة رمضان “كان مختلفًا بالفعل”. مستطردًا: “المرحلة العمرية لفريدة كسيدة في الأربعينات، ووضعها الاجتماعي كامرأة دون وظيفة أو معيل؛ ساهم كثيرًا في التعاطف معها إنسانيًا، أكثر من كونه قبولًا لعبور النوع الجنسي”. مع ذلك، يرى محمود أن هذا التعاطف “خطوة مهمة لتفهم المجتمع لمعانات العابرين جنسيًا”.
يشير محمود أيضًا إلى نمط معيشة فريدة، وملابسها (محجبة)، باعتبارها عوامل ساهمت في التعاطف معها، تعاطفًا يعتقد المحامي الحقوقي أنه “لا ينم بالضرورة عن تغيرًا في نظرة المجتمع للعابرين جنسيًا”.
على مستوى آخر، لا يزال العابرون جنسيًا يواجهون صعوبات مع المؤسسات الحكومية، لا سيما في ما يخص بطاقة الرقم القومي. وبحسب مصطفى محمود فإن مسأة تغيير نوع الجنس في البطاقة القومية، أمر متروك لتصرف كل إدارة سجل مدني.
من جهة أخرى، تضرب حالة العابرة جنسيًا والناشطة الجندرية ملك الكاشف، وما قالت إنها تعرضت له من انتهاكات خلال فترة سجنها على ذمة اتهامات تتعلق بـ”مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، والتحريض على التظاهر”؛ نموذجًا للتعاطي مع حالات العابرين جنسيًا، في بعض الأحيان، من قبل بعض المؤسسات الحكومية.
تمييز وبعض “الحرام”
يعزز التمييز ضد العابرين جنسيًا في المجتمع المصري، بعض الفتاوى التي تحرم العبور الجنسي مطلقًا أو التي تستثني بعض الحالات مثل فتوى مفتي الديار المصرية السابق، الدكتور علي جمعة، والذي أفتى بحرمانية العبور الجنسي إلا في حالتين: “الأولى عند العجز عن علامات ظاهرة، والثانية إذا كان ليس له ذكر رجل ولا فرج أنثى، وفيما عدا هاتين الحالتين لا يجوز إلحاقه بأي الجنسين بناء على ميوله القلبية أو ما يمكن أن يعبر عنه اليوم بالإحساس الداخلي بأن روحه تنتمي إلى الجنس الآخر”.
اقرأ أيضًا: اكتشاف الجسد.. اللغز الذي يتواطأ الجميع على عدم حله
لكن لدى المحامي الحقوقي مصطفى محمود رأي بأن هناك “قدر من التساهل في حال كان التحول من أنثى لذكر”، مشيرًا إلى حالة نور هشام سليم، الذي صرح والده، الفنان هشام سليم، صراحة: “لا أعرف كيف كنت سأتقبل الأمر إذا كان تحول نور من ذكر لأنثى وليس العكس”.
يرجع محمود الأمر إلى “النظرة الدونية للمرأة”. يقول: “قد يتقبل المجتمع رغم الموانع الاجتماعية والدينية التي يدعيها، أن تتحول أنثى إلى ذكر، لكنه لا يقبل العكس، فلسان حال المجتمع سيخاطب المتحول حينها: كيف ترضى أن تقبل بأن تدنى في المستوى الجنسي، فتتحول من رجل إلى امرأة”.
إصلاح تشريعي لحماية العبور الجنسي
قانونيًا، تتأزم أوضاع العابرين جنسيًا، من جهة أن القانون المصري لا يتعاطى مع مصطلح العبور الجنسي. وبالنسبة لمصطفى محمود، يرجع السبب إلى أن “المشرعين لديهم إشكالية فلسفية نابعة من عدم تقبلهم اضطرابات الهوية الجنسية”، لافتًا إلى أن ذلك سبب استخدامهم مصطلح “التصحيح الجنسي” بدلًا من العبور الجنسي. ويفترض مصطلح “التصحيح الجنسي”، أن لدى العابر جنسيًا خلل بيولوجي ستصححه الجراحات.
ومن بين العقبات التي يواجهها العابرون جنسيًا، ترك الموافقة من عدمها، على إجراء عمليات العبور الجنسي، للجنة “تصحيح الجنس” التابعة لنقابة الأطباء، دون ضوابط قانونية، لذا فالأمر معلق بلجنة شكلت بقرار وزاري، ويمكن أن تًلغى في أي وقت. كما لا يعرف على وجه الدقة، طريقة وآليات إصدار قرارات اللجنة، ولا فترة زمنية محددة للنظر في الطلبات.
إضافة لذلك، يعتبر محمود أن عقبة مضافة في طريق العابرين جنسيًا، تتمثل في أنه بعد ما كانت لجنة “تصحيح الجنس” تضم عضوًا من دار الإفتاء، وبعد خلاف بين الإفتاء واللجنة، تقرر عدم حضور عضو الإفتاء، على أن ترسل ملفات الطلبات لدار الإفتاء للموافقة عليها. يعني ذلك، وفقًا لمحمود، أن الإفتاء تحولت بدورها للجنة أخرى إضافة للجنة “تصحيح الجنس”.