مني حزب “المصريين الأحرار” بخسارة فادحة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. إذ فشل في الحصول على أي مقعد في انتخابات الفردي التي ترشح عليها. وذلك بعد رفضه المشاركة في الانتخابات البرلمانية ضمن “القائمة الوطنية من أجل مصر”. ليبقى التساؤل حول الأسباب التي أدت إلى وصول هرم رجل الأعمال نجيب ساويرس الليبرالي إلى الوضع الحالي.

إطاحة ساويرس

خسارة “المصريين الأحرار” الأخيرة جاءت عقب خلافات وانقسامات وانشقاقات كثيرة تعرض لها الحزب. مع بدء تولي الدكتور عصام خليل -صاحب شركة قطع غيار سيارات- رئاسة الحزب، في مطلع عام 2016. وذلك تحت راية رئيس مجلس أمناء الحزب رجل الأعمال نجيب ساويرس. الذي أطيح به في أواخر ديسمبر 2016، مع مجلس الأمناء، بعد دعوة خليل إلى مؤتمر عام لتعديل الحالي. وهو ما ترتب عليه حل مجلس الأمناء.

“المصريين الأحرار” في تلك الفترة كان يمتلك أكبر عدد من الأعضاء “الحزبيين” داخل أروقة مجلس النواب بإجمالي حوالي 65 نائبًا. الأمر الذي كان تتويجًا للدور البارز للحزب منذ تأسيسه في أبريل عام 2011. بعد أن ضم إلى أعضائه العديد من الكوادر التي وضعته سريعًا على الخريطة الحزبية في مصر.

وعقب إقصاء ساويرس، اشتعلت الأزمة بين أعضاء وقيادات الحزب. إذ خرج خليل معلنًا تجريد ساويرس سياسيًا. وقال إن الحزب ليس شركة يديريها من يملك حصة أعلى من الأسهم. ليتجه رجل الأعمال البارز إلى القضاء في محاولة للعودة من جديد إلى حزب الذي أسسه.

استمر الجدل دائرًا بين جبهتي ساويرس وخليل، مع دعوة الأخير إلى إجراء الانتخابات الداخلية للحزب، في مقابل انتخابات أخرى دعا إليها مجلس الأمناء. وفي 24 مارس 2017 أجريت انتخابات جبهة “خليل” الذي فاز برئاسة الحزب بالتزكية. وفي مايو أجرى مجلس الأمناء انتخاباته، وفاز بها محمود العلايلي رئيسًا للحزب، وأحمد سامر بمنصب الأمين العام.

أيضًا، دخلت لجنة شؤون الأحزاب على خط الأزمة. وطالبت جبهتي خليل ومجلس الأمناء بإرسال المستندات والأوراق التي تثبت أحقية كل منهما في إدارة الحزب. وفي 18 يونيو اعتمدت اللجنة برئاسة المستشار عادل الشوربجي، التعديلات الصادرة عن المؤتمر العام للحزب الذي عقد في 24 مارس. والذي انتخب فيه عصام خليل رئيسًا للحزب. وشمل تعديلات في اللائحة.

هروب الكوادر

رحيل ساويرس كان له الآثر الأكبر في دخول الحزب إلى معركة من التخبط والانقسام. فبخلاف أن رجل الأعمال كان الممول الرئيسي للحزب، رحلت العديد من الأسماء البارزة. وكانت موجودة على قائمة الحزب في البرلمان وخارج أسواره. هذا الأمر أفقد الحزب أهم المميزات التي اكتسبها منذ تأسيسه.

ساويرس سعى من خلال الحزب إلى إنشاء كيان ذي قيمة وتأثير كبير في الحياة السياسية. فعمل منذ تأسيس الحزب على جذب العديد من الكوادر إلى الحزب، سواء من حزب الجبهة الديمقراطية الذي كان يموله أيضًا أو خارجه، قبل أن يحدث الاندماج بينهما في ديسمبر 2013.

معركة ساويرس وخليل، والتي وقف فيها نواب الحزب في البرلمان بجانب الأخير، كانت بداية الهبوط. فلم يستمر تأييد النواب للرئيس الجديد كثيرًا. وبدأ الخروج من الحزب. وكانت البداية مع استقالة رئيس كتلة خليل البرلمانية علاء عابد، وإعلان انضمامه لحزب “مستقبل وطن”.

خروج عابد تبعه مغادرة الكثير من نواب الحزب أروقته إلى المنافس الأكثر تنظيمًا في “مستقبل وطن” الذي مثل لهم طوق نجاة. واتهم هؤلاء خليل بممارسة سياسة انفرادية كانت السبب الرئيسي في مغادرتهم. وبذلك خسر الحزب في دور الانعقاد الخامس بمجلس النواب كل مقاعده في الرئاسة والوكالة في انتخابات اللجان النوعية نهاية عام 2018.

يرى المحلل السياسي مجدي حمدان أن نواب “المصريين الأحرار” وجدوا بعد فترة من دعمهم لرئيس الحزب أنه لا يمثلهم كقيادة. وتوصلوا إلى أنه على غير دراية بسياسة عمل الأحزاب. ما نتج عنه مغادرتهم الحزب والانضمام إلى “مستقبل وطن”. وأشار إلى أن خليل تحول من رئيس الحزب إلى مالك.

اقرأ أيضًا: انتخابات مجلس الشيوخ والأحزاب المدنية.. مشاركة “قسرية” وغياب اضطراري

رجل الأعمال نجيب ساويرس

الانتخابات الجديدة

توالت الخسائر إلى الفترة قبل إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة. فبعد قرار الحزب عدم المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ، ورفضه الانضمام إلى القائمة الوطنية، أعلن رئيس الكتلة البرلمانية للحزب أيمن أبو العلا، استقالته من الحزب احتجاجًا على سياسة خليل.

“أبو العلا” أعلن في بيان الاستقالة، أن قراره يأتي اعتراضًا على ما وصفه بسوء إدارة “خليل” خلال الفترة الأخيرة. ما تسبب في إضعاف وإغراق حزب كان له شأن سياسي كبير نتيجة جهد سنوات من أعضاء الحزب في جميع المحافظات، على حد قوله.

وعدد “أبو العلا” الأخطاء التي ارتكبها “خليل” أثناء إدارته الحزب: التخلص من الأعضاء الداعمين للحزب للاستئثار بالسلطة – تقليص أعداد الهيئة البرلمانية من 64 نائبًا لـ9 نواب فقط – غلق كثير من المقرات في الشارع، ما أثر على نشاط الحزب.

فصل تعسفي

أيضًا أشار في البيان نفسه إلى “أن عصام خليل رفض دخول القائمة الوطنية في انتخابات مجلس الشيوخ، زعمًا منه باعتراضات تخص عدد المقاعد”. وهو أمر غير حقيقي -حسب قوله- إذ جرى فصل الأعضاء الذين دخلوا انتخابات مجلس الشيوخ تعسفيًا، بعدما رفض تشكيل لجنة للتنسيق مع القوى السياسية الأخرى بشأن انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب. وكذلك رفض الاستماع لأعضاء الهيئة البرلمانية والمكتب السياسي، حسب البيان.

تلك الاتهامات قابلها عصام خليل بهدوء شديد. ورفض التعليق على الاستقالة واتهامه بإدارة الحزب بشكل منفرد. وقال: “اعتدنا ألا نرد على الإساءة أو التجاوزات، ونشكر رئيس الهيئة البرلمانية للحزب. ونسأله لماذا لم يستقل قبل عام أو أكثر طالما يرى أننا لسنا نظامًا مؤسسيًا على خلاف الواقع؟”.

نتيجة ذلك كانت واقعية ومفسرة لخروج الحزب بصفر مقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. فضلاً عن نجاح عدد كبير من نوابه السابقين على قائمة “مستقبل وطن”، ليستمر نواب الحزب بالبرلمان في مغادرة “المصريين الأحرار”. وآخرهم النائبة سيلفيا نبيل التي أعلنت مؤخرًا استقالتها لأسباب خاصة.

ورأى أبو العلا، في تصريحات لـ”مصر 360″، أنه على الأحزاب التي وصلت إلى البرلمان بعدد مقاعد قليلة أو لم تحصل، التفكير في وضعها السياسي. سواء من خلال الاندماج مع بعضها أو العمل على الوصول إلى الشارع بصورة أكبر. وأشار إلى أن الوصول إلى 10 أو 12 حزبًا، تؤدي دورها بالشكل الجيد، سيكون أفضل من 100 حزب بالشكل الحالي.

اقرأ أيضًا: انتخابات البرلمان 2020 | كثير من المال قليل من المنافسة العادلة

على مدار أكثر من أسبوع، حاول “مصر 360” التواصل مع عدد من قيادات الحزب، للحديث حول المشهد الحالي، والأسباب التي أدت إلى ذلك. إلا أن رئيس الحزب عصام خليل، رفض الاستجابة لأي من الاتصالات أو الرد على الرسائل، رغم إطلاعه على محتواها، بينما اعتذر المتحدث الرسمي للحزب هاني لبيب عن التعليق، قائلًا: “أنا بعتذر أنا مبقولش أي تصريحات”، مشيرًا إلى أن رئيس الحزب هو المسؤول عن ذلك.

وذكرت مصادر بـ”الحزب”، أن مشاهد الانتخابات البرلمانية الأخيرة كانت “غير مريحة”. وذلك بالنظر إلى انتشار ظاهرة المال السياسي في الانتخابات. فضلاً عن مغادرة العديد من النواب الحزب خلال الأعوام الثلاثة الماضية. والتي كانت السبب الرئيسي في خسارة كبيرة مُني بها الحزب.

عضو مجلس النواب الحالي، والقائم بأعمال الأمين العام للحزب اللواء حاتم باشات، قال في تصريح مقتضب لـ”مصر 360″، إن الحزب يجهز خطة لتنفيذها خلال المرحلة المقبلة. وتستهدف الخطة الجديدة العودة إلى المشهد من جديد، بعد الخسارة في الانتخابات البرلمانية، وعدم المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ.

وأوضح القائم بأعمال الأمين العام للحزب أن الفترة المقبلة ستشهد وجود العديد من القامات والكوادر والكفاءات السياسية في الحزب.

الأمل الوحيد

أخيرًا، أوضح مجدي حمدان أن “المصريين الأحرار” كان تجربة قيمة وثرية جدًا قبل وصول عصام خليل إلى منصبه، وخلق حالة سياسية ناجحة تكللت جهودها في انتخابات البرلمان 2015. لكنه مع تواجد رئيسه الحالي أصبح في طريقه إلى النهاية بعد غلق مقراته في المحافظات. وعدم وجود كوادر سوى الدائرة المقربة من خليل فقط، على حد قوله. وأكد المحلل السياسي أن عودة “المصريين الأحرار” للحياة السياسية بقوة من جديد مرهونة حاليًا بعودة ساويرس إلى الحزب مرة أخرى.