وافق مجلس الوزراء على إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات تجرم تصوير الجلسات بغير إذن. تنص على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه. ولا تزيد على مائتي ألف جنيه. أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض كلمات أو صورًا لوقائع جلسة مخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأي وسيلة كانت. وذلك إذا كان التصوير بدون تصريح من رئيس الجلسة، وبعد موافقة النيابة العامة والمتهم والمدعي بالحق المدني، أو ممثلي أي منهما. ويحكم بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، أو ما نتج عنها، أو محوه، أو إعدامه بحسب الأحوال”.

حفاظًا على حقوق الإنسان

في حديث منسوب للمستشار نادر سعد المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء، منشور في موقع جريدة الشروق الإلكتروني بتاريخ 16 ديسمبر، علق على هذا التعديل في شأن تجريم تصوير الجلسات دون إذن يتماشي مع مفهوم حقوق الإنسان. وبحسبه يحافظ على حقوق المتهمين، الذين قد يُحكم ببر أتهم. وأن التصوير قد يؤذيهم، وأن ذلك قد يتشابه مع العديد من قوانين دول العالم في هذا الشأن.

يعود حق مجلس الوزراء في اقتراح التشريعات إلى نص المادة 122 من الدستور المصري لسنة 2014. وتنص على أنه “لرئيس الجمهورية ولمجلس الوزراء، ولكل عضو في مجلس النواب اقتراح القوانين”.

لكن هذا الاقتراح بقانون يتعارض بشكل ما مع مبدأ علانية الجلسات، الذي يشكل ضمانة للمتهم في القضايا الجنائية. فيصبح الناس والصحفيون والمختصون رقباء على القاضي نفسه.

هل نحتاج لإخفاء المحاكمات؟

وإذا كنا نعمل بالقانون في وضح النهار فلا حاجة لإخفاء المحاكمات ولا داعي لتجريم تصوير الجلسات. ما لم تكن هناك ضرورة ملحة تقتضي فيها مصلحة الأطراف السرية. وإذا كان الهدف من تقرير مبدأ علانية الجلسات هو تحقيق مصلحة عامة في بث الطمأنينة في النفوس بتحقيق العدالة. ذلك أن محاكمة المشتكي عليه بصورة علنية يحضرها من يشاء من الناس يبث في نفسه الطمأنينة بأن إجراءات المحاكمة تباشر وفقًا للقانون وتحقيقًا للعدالة. كما أن في علانية الجلسات حماية للقاضي نفسه من أن يظن فيه خضوعه لمؤثرات خارجية في قضائه. هذا بالإضافة إلى أن مبدأ علانية الجلسات تتحقق معه سياسة الردع العام.

أيضًا يعطي تطبيق مبدأ العلانية الحق بتصوير ما يجري داخل قاعة المحكمة بصورة لا تؤدي إلى الإخلال بوقار المحكمة وهيبتها. كما أنه لا يجوز أن يستغل تصوير جلسات المحاكمة للتشهير بالناس أو الإساءة إليهم. والسماح بنشر جلسات المحاكمة في الإذاعة والتلفزيون ونقل الوقائع التي تجري والمرافعات الأخرى قد يؤدي من زاوية ثانية إلى زيادة الوعي بين الناس سواءً من ناحية تجنب الجريمة أو الابتعاد عن السلوك المشين. ويؤدي كذلك إلى زيادة الوعي بالقانون ونشر الثقافة والمعرفة القانونية بين الجمهور.

ومن ناحية ناحية أخرى فإن الأصل العام المقرر هو علانية الجلسات. لكن إذا تطرقنا إلى التعديل أو النص المقترح من حيث جوهره، فإننا نجد المادة الجديدة كعادة التشريعات الجزائية المصرية في الأونة الأخيرة بها من التوسع في استخدام الألفاظ الفضفاضة ما يجعلها متعارضة مع القواعد العمومية في هذا الشأن. وهي المرتبطة بضمان انضباط لغة التشريع، وبصفة خاصة في الأمور الجنائية. مثلاً هل يستقيم هذا النص أو هذه الصياغة اللغوية الواردة في النص المقترح (أو نشر أو عرض كلمات)؟ وماذا تعني جملة عرض كلمات؟ وهل من الناحية اللغوية نستطيع الوقوف عند حدود كلمات، أو أن نجعل لها حدًا فاصلاً بين التجريم والإباحة؟

اقرأ أيضًا: عقوبات منع تصوير المحاكمات.. بين حماية لخصوصية المتهم وإهدار لمبدأ العلانية

استقرت المحكمة الدستورية المصرية، والتي تشكل أعلى سلطة رقابية مصرية تعمل على مراقبة التشريعات، في العديد من أحكامها المرتبطة بهذا السياق، منها الحكم رقم 105 لسنة 12 قضائية على الآتي: الأصل في النصوص العقابية هو أن تصاغ في حدود ضيقة لضمان أن يكون تطبيقها محكمًا. فقد صار من المحتم أن يكون تمييعها محظورًا. ذلك أن عموم عباراتها واتساع قوالبها قد يصرفها إلى غير المقصود منها. فيتعين أن يكون النص العقابي حادًا قاطعًا لا يؤذن بتداخل معانيه كي لا تنداح دائرة التجريم. وتظل دومًا في إطار الدائرة التي يكفل الدستور في نطاقها قواعد الحرية المنظمة.

تبدو أهمية استخدام القوالب اللغوية التشريعية حين صياغة النصوص العقابية، لما تحتويه أو تتضمنه هذه النصوص من أمور ذات حساسية عالية. ولكونها تحتوي على ما يعني حرمان الأفراد من إتيان فعل محدد، واستخدام العقوبات المختلفة لمقترف نواهي هذه النصوص. ومن ثم وجب اتخاذ أبسط المعاني، وليس أعقدها، والبعد عن الصياغات المحتملة التأويل.

كما أن المقترح التشريعي المطروح من مجلس الوزراء بتجريم تصوير الجلسات غاب عنه بعد التناسب. وذلك في حالة افتراض أو جواز فرض هذا النص المقترح.

التريث المطلوب

هنا، التناسب المقصود أن يكون هناك تناسب ما بين الفعل المُجرم. وأيضًا بين العقوبة المنصوص عليها بشأنه؛ فلا يجوز الشطط بالعقوبة إلى حد أبعد مما تقتضيه الضرورة المجتمعية من عقاب يجب توقيعه على المتهم. وأن الشطط بالعقوبة إلى أبعد ما تفرضه الضرورة المجتمعية، يجعل من القانون أمرًا مبغوضًا مجتمعيًا.

هذا يتفق أيضًا وحالة النص المقترح، من كونه قد فرض عقابًا قاسيًا. وأجاز الحكم بالحبس في حدود سنتين. كما أنه قد غالى كثيرًا في تقدير الغرامة، إذ أنه قد وصل بحدها الأقصى إلى مائتي ألف جنيه. فهل هذه العقوبة المقترحة تتناسب مع الجريمة المقترحة أو مع ضررها على الهيئة المجتمعية؟ خاصة إذا نظرنا إلى الأمر باعتباره بشكل إجمالي يتعارض مع يقتضيه مبدأ قانونية الجريمة والعقاب. وهو ما يتمحور حول فكرة أساسية مفادها الموازنة بين المصلحة العامة والحريات العامة. والتي تهدف في آن واحد إلى حماية المصلحة العامة وحماية الحريات الفردية.

من هنا، فإنه من الأوجب أن ينتظر مجلس الوزراء إلى حين انعقاد مجلس النواب، بحسبه السلطة التشريعية الأصيلة. وهو قاب قوسين أو أدنى من الانعقاد في ثوبه الجديد. وذلك حتى تتم مناقشة ذلك أمام كتلة تشريعية أكبر. ومن حيث الأصل العام، يجب الاتساق مع مبدأ علانية الجلسات، أو على أقل التقديرات الواجبة مراعاة القواعد اللازمة من حيث نطاق التشريع والعقاب، وكذلك احترام ما استقرت عليه المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن.