باتت وزارة التموين أمام خيارات صعبة بعد زيادة أسعار القمح الروسي على إثر قرار موسكو فرض ضريبة على صادراتها من القمح، تعادل 25 يورو لكل طن يصدر، وفق الحصص المقررة، ونحو 100 يورو للكميات التي تصدر خارج تلك الحصص.
وتعتمد مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، على روسيا، في استيراد قرابة 80% من احتياجاتها من القمح على اعتبار أنه جيد ورخيص السعر. وتكمل النسبة المتبقية (20%) من مقاصد مختلفة أهمها أوكرانيا وفرنسا.
القرار الروسي، رغم صعوبته على مصر، إلا أن توقيته خفف قليلًا من وطأته على الحكومة المصرية، إذ حل قبل شهور من فترة حصاد المحصول المصري في منتصف أبريل، وفي ظل وجود احتياطي يكفي خمسة أشهر، بحسب ما أكد وزير التموين، علي المصيلحي، في مؤتمر صحفي أخيرًا.
ويبلغ إجمالي ما تستورده مصر سنويًا نحو 12 مليون طن. وفي السبعة أشهر الأولى من العام الجاري، استوردت مصر ما قيمته 1.7 مليار دولار، بانخفاض 65.8 مليون دولار عن الفترة ذاتها من العام السابق، وفقًا لآخر إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ورغم أن قرار الحكومة الروسية جاء بهدف استقرار أسعار السوق المحلية، لكنه يعيد إلى الأذهان الإجراءات الحمائية التي اتبعتها الدول في خضم الموجة الأولى لكورونا، حينما أعلنت كازاخستان وقف تصدير القمح، ومنعت تايلاند تصدير الأرز.
مصر تعلمت الدرس قبل ارتفاع سعر القمح الروسي
حينما أعلنت كثير من الدول المنتجة وقف تصدير القمح لتوفير احتياطي جيد من أجل التجهز للموجة الثانية من وباء كورونا، “تعلمت مصر الدرس جيدًا”، كما قال مصدر بوزارة المالية.
وأوضح المصدر في حديثه لـ”مصر360″، أن هيئة السلع التموينية، استبقت القرار الروسي بالتعاقد على شراء 175 ألف طن من القمح الروسي، مقرر شحنها في الثلث الأخير من يناير المقبل، على ثلاثة دفعات: 55 ألف طن و60 ألف طن و60 ألف طن، وبأسعار تتراوح ما بين 274.80 و 275.40 دولار للطن.
من جهة أخرى، وبحسب المصدر، وفرت وزارة المالية 16 مليار جنيه لتمويل شراء لتمويل شراء 3.5 مليون طن من القمح المحلي خلال موسم التوريد المنقضي، خُلطت بالقمح المستورد، لإنتاج الخبز المدعم لحاملي بطاقات التموين، بواقع 270 مليون رغيف يوميًا.
وفي نهاية أغسطس الماضي، اشترت مصر كمية قياسية من القمح الروسي هي الأكبر في سبع سنوات، بإجمالي 530 ألف طن. وكان نفس الشهر أيضًا، الوحيد الذي اعتمدت فيه القاهرة على مصدر واحد فقط لشراء احتياجاتها من القمح، هو موسكو.
ثم في مطلع نوفمبر الماضي، أعلنت هيئة السلع التموينية شراء 175 ألف طن من القمح الروسي في مناقصة عالمية للشحن، في الفترة من 20 وحتى 31 يناير. كما أعلنت عن مناقصة أخرى لاستيراد قمح، سيشحن خلال الفترة ما بين 26 يناير وحتى مطلع فبراير 2012، منوعة طلبياتها بين الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا وألمانيا وبولندا والأرجنتين وروسيا وكازاخستان وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا والمجر وباراغواي وصربيا.
احتياطات روسيا
ولا يمكن عزل القرار الروسي أيضًا عن قراءة جيدة للسوق، فموسكو، أكبر منتج في العالم للقمح، تراقب إنتاج الدول المنافسة، لذا يبدو أنها كانت تعلم جيدًا أن موسم الحصاد في كل من أوكرانيا وفرنسا ورومانيا، ليس جيدًا كالمعتاد، ما سيزيد من الطلب على محصولها، بما قد يؤثر على الحاجة المحلية.
فأوكرانيا مثلًا صدّرت للخارج 12.17 مليون طن ، أي حوالي 69.5٪ من حصة الموسم البالغة 17.5 مليون طن. وبسبب زيادة أسعار القمح في ظل تقلص الكميات المتاحة للتصدير مع سوء ظروف الزرع في الأرجنتين، واستمرار الطقس الجاف المؤثر على زراعة القمح خلال موسم الشتاء في أوروبا وأمريكا الشمالية ومنطقة البحر الأسود؛ ارتفع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الحبوب، بنسبة 16.5% على أساس سنوي.
ويقول المصدر بوزارة المالية المصرية، إن القاهرة قد تلجأ لشراء القمح من أسواق أخرى غير روسيا، خاصة من كازاخستان التي تحتل المركز الخامس في تصدير القمح بنحو 15 مليون طن سنويًا من إجمالي إنتاجها المقدر بـ20 مليون طن سنويًا.
وقبل أشهر، أعلنت كازاخستان دراستها إنشاء منطقة لوجيستية للحبوب في مصر، حتى يمكنها الاستفادة من طلب القاهرة الكبير على الأقماح.
وخلال الموسم الماضي (2019) بلغ الإنتاج المحلي للقمح، نحو 9.5 مليون طن. لكن لدى الحكومة رهان على زيادة الإنتاج المحلي لعشرة ملايين طن خلال الموسم الحالي، بزيادة المساحة المزروعة وإضافة أصناف جديدة عالية الإنتاج.
وكانت روابط مستوردي الحبوب، قدمت للحكومة قبل شهور، مقترحات لإخراج مصر من بؤرة التقلبات العالمية للأسعار والتوريد، مثل استصلاح أراضٍ أو تأجيرها، في دول حوض النيل كتنزانيا وأوغندا وجنوب السودان، والسودان.
وفي حين لم تفعل تلك المقترحات حتى الآن، يبدو أنه على الحكومة النظر لها بعين الاعتبار، في ضوء التقارير الصادرة عن منظمة الفاو، والتي تحذر من ظاهرة الجفاف وتأثيرها على الإنتاج في كثير من دول العالم.
وقالت الفاو إن الطقس الجاف قد يعيق توسّع المساحات المزروعة، ويحدّ من الغلال، كما في الولايات المتحدة التي تأثرت فيها جهود زرع المحاصيل بوتيرة سريعة بسبب الأحوال الجوية الجافة، وكذا في أوروبا، حيث تسبب هطول الأمطار المحدود في أوكرانيا بانخفاض الكميات المزروعة إلى ما دون المتوسط.