تبنَّى البرلمان الأوروبي، قرارات تطالب المؤسسات الأوروبية باتخاذ خطوات جادة لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وإطلاق سراح سجناء الرأي وإيقاف استهداف الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ووقف الإعدامات.

واعترض مجلسا النواب والشيوخ، في بيانات رسمية، على القرار، واعتبرا أن له دوافع مسيسة. فيما أوضح حقوقيون أن القرارات لن يكون لها تأثير قوي على مصر.

القرار ودوافعه

وافق البرلمان الأوربي في جلسته، أمس، على قرار عاجل بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، بأغلبية أعضائه بواقع 434 عضوا، في مقابل اعتراض 49 عضوا وامتناع 202.

وصدر القرار بعد مناقشة المشروع أمس الأول في الجلسة التي شهدت مداخلات من 21 عضوًا من أعضاء البرلمان،  انتقدوا فيها ما أسموه “تنامي القمع في مصر”، واستهداف الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، مطالبين بالإفراج عنهم.

وتضمن قرار البرلمان الأوروبي 19 بندًا، في مقدمته المطالبة بمراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، بدعوى أن “وضع حقوق الإنسان في مصر يتطلب مراجعة جادة”، حسب نص القرار.

وطالب القرار بإجراء تحقيق مستقل وشفاف في جميع انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسئولين؛ واتخاذ “تدابير تقييدية هادفة”، من جانب دول الاتحاد الأوربي ضد المسئولين المصريين رفيعي المستوى المسئولين عن أخطر الانتهاكات في البلاد، وفقا لقانون ماغنيتسكي.

وطالب البرلمان بأخذ زمام المبادرة في الدورة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لإنشاء آلية رصد وإبلاغ بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر.

ودعا القرار إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن  ما أسماهم المحتجزين تعسفياً والمحكوم عليهم بسبب قيامهم بعملهم المشروع والسلمي في مجال حقوق الإنسان، أبرزهم: “علاء عبد الفتاح، وماهينور المصري، وسناء سيف، وهيثم محمدين، وإسراء عبد الفتاح، وزياد العليمي”.

علاء عبد الفتاح- AFP
علاء عبد الفتاح- AFP

وشدد على ضرورة إنهاء عمليات التوقيف والاحتجاز المستمرة، ووقف القيود المتزايدة المفروضة على حرية التعبير، سواء على الإنترنت أو خارجها، وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي في مصر.

مصير السجناء المحتجزين والمدافعين عن حقوق الإنسان

وأعرب البرلمان عن قلقه إزاء مصير السجناء المحتجزين “في أماكن مزدحمة في ظروف مزرية أثناء تفشي جائحة كورونا”، داعياً السلطات إلى تخفيف الازدحام على وجه السرعة في أماكن الاحتجاز”.

وأبدى البرلمان الأوروبي أسفه لاستمرار مصر في استخدام تشريعات مكافحة الإرهاب، وما وصفه بـ “الإضافة التعسفية للمدافعين عن حقوق الإنسان على قوائم الإرهاب المصرية، والحبس الاحتياطي لاستهداف وتجريم عمل المدافعين عن حقوق الإنسان”.  ودعم القرار أسرة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي توفي في مصر في 2016.

وأدان القرار “عدم امتثال” دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي لدعوة “وقف جميع صادرات الأسلحة، تكنولوجيا المراقبة وغيرها من المعدات الأمنية لمصر التي يمكن أن تسهل الهجمات على المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني، بما في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا”.

وطالب السلطات بإغلاق القضية رقم 173/2011 “قضية التمويل الأجنبي“، ورفع جميع حالات حظر السفر وتجميد الأصول المفروضة على ما لا يقل عن 31 من المدافعين عن حقوق الإنسان وموظفي المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان في إطار القضية.

جانب من تحقيقات قضية التمويل الأجنبي.. صورة من المبادرة المصرية
جانب من تحقيقات قضية التمويل الأجنبي.. المبادرة المصرية

واستنكر البرلمان الأوربي زيادة أحكام الإعدام في مصر، ودعا السلطات المصرية إلى إعلان وقف تنفيذ العقوبة بهدف إلغائها واتخاذ جميع الخطوات لضمان التقيد الصارم بضمانات الإجراءات القانونية الواجبة للمحاكمة العادلة، مع الإفراج الفوري عن جميع الأحداث الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام، وتعديل المادة 122 من قانون الطفل.

ودعا القرار إلى اعتماد قانون شامل بشأن العنف ضد المرأة واستراتيجية وطنية لإنفاذ القوانين المعتمدة لمكافحة العنف الجنسي؛ ووقف أي نوع من الاضطهاد ضد المرأة على أساس “الإخلال بالآداب العامة”، ووضع حد فوري لاعتقال ومقاضاة الأفراد فقط على أساس ميولهم الجنسية الحقيقية أو المتصورة.

رفض البرلمان المصري

ظهر رد فعل البرلمان المصري عقب ساعات قليلة من انتهاء جلسة البرلمان الأوربي. وأكد مجلس النواب المصري استيائه ورفضه القرار الأوروبي، بشأن حالة حقوق ‏الإنسان في مصر، معتبرًا أنه تضمن العديد من المغالطات المغايرة للواقع والداخل المصري، ‏ ولا يلائم الشراكة الاستراتيجية “‏المصرية – الاوروبية”.

واعتبر مجلس النواب في بيان أصدره مساء أمس، أن القرارت تعبر عن أهداف مسيسة، ونهج غير متوازن. وطالب  البرلمان الأوروبي بعدم تنصيب نفسه ‏وصيًا على مصر، وعدم تسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة ‏أغراض سياسية أو انتخابية، والنظر بموضوعية لواقع الأمور في مصر، ‏والابتعاد عن ازدواجية المعايير.

وأبدى المجلس اندهاشه من هجوم البرلمان الأوروبي على ‏الإجراءات القضائية المصرية، والحكم عليها في حين أن الفصل بين السلطات، ‏وعدم التدخل في أعمال السلطة القضائية، من صميم دولة القانون، بحسب نص البيان.

فيما أصدر مجلس الشيوخ المصري بيانًا صباح اليوم أكد فيه رفضه قرار البرلمان الأوربي، واعتبر أن البرلمان الأوربي استقى أحكامه من مصادر شيطانية تعمل ضد مصر.

كما شدد مجلس الشيوخ على أن البرلمان الأوربي “تغافل عن عمد الإشارة إلى أن مصر بذلت على مدار السنوات الماضية جهودا مشهودة في ملف حقوق الإنسان وحرصت على الالتزام بكافة المعايير الدولية للتعامل مع الملف بما يضمن في النهاية احترام الكرامة الإنسانية وتعزيز مبادىء الاحترام وصون الكرامة وإعلاء مبادىء الديموقراطية”، بحسب نص البيان.

تهديد غير فعال ومطالب بفتح المجال العام

عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق، قال في تصريحات لـ”مصر 360″، إن القرار الأوروبي “خطير جدا”. واستدرك “مصر تقوم بأفعال خطيرة، ثم تشتكي من ردود فعل العالم، ملف حقوق الإنسان قضية عالمية وليست محلية”.

وأضاف إسحاق: “طالبنا بأن تحاول مصر قدر الإمكان فتح المجال العام، والاهتمام بالحريات، والإفراج عن السجناء السياسيين الذين لم يقترفوا جرمًا، أو استخدموا العنف، لكن لم يستمع لنا أحدًا بل حدث العكس”.

في الوقت نفسه، يرى عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أن القرارات الصادرة مؤخرًا بمثابة “تهديد غير فعال”، ولن تسفر عنها أية نتائج، مشيرًا إلى أن المصالح الاقتصادية ستتفوق على أي مصالح أخرى.

وأوصى إسحاق السلطات المصرية بفتح المجال العام، والسماح للجميع بالتعبير عن رأيه، ورفع القيود المفروضة على جميع المجالات المتعلقة بحقوق الإنسان، والإفراج عن المساجين السياسين، لعدم التعرض لإدانات مستقبلية.

 جبر خواطر

المحامي الحقوقي، نجاد البرعي، قلل من تأثير قرارات البرلمان الأوربي على مصر، قائلا: “الاهتمام بقرار البرلمان الأوروبي إفلاس، والتساؤل المفروض طرحه، يكون عن مدى اهتمامنا كمصريين (حكومة وشعب) بملف حقوق الإنسان، وهل نعتبره قضية أمن قومي أو لا؟”

وأضاف البرعي في حديثه لـ”مصر 360″: “الواجب علينا مناقشة أوضاع حقوق الإنسان الموجودة، وهل تساعد في بناء مصر، أم ستتسبب في مشكلات لن ينقعنا بها العالم الخارجي؟”، مشددًا على أن انتهاكات حقوق الإنسان لن تساعد على بناء مصر، وأن المصالح الاقتصادية هي المتحكمة في الأوضاع، وأن القرارات الصادرة “جبر خواطر” من البرلمان الأوروبي.

في السياق نفسه،  لفت البرعي إلى ما تعرض له الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، ومطالبته للإعلام الغربي بعدم وصف القيادة المصرية بـ”المستبدين”، مستطردا: “المسؤولون الموجودن في مصر، الذين يقومون بحبس المواطنين بشكل غير قانوني هم من يقدموا الرئيس بهذا الشكل”.

قرارات البرلمان الأوروبي غير مسبوقة

أوضح المحامي الحقوقي، ناصر أمين، أن قرارات البرلمان الأوربي تعد انعكاسًا لتردي أوضاع حقوق الإنسان في مصر بشكل غير مسبوق، وطريقة التعامل المصرية مع الملف.

كما أشار إلى أن صدور القرار بأغلبية كبيرة، يكشف عن تردي العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، وما وصفه بـ “فشل الإدارة المصرية في التعامل مع ملفها الداخلي في حقوق الإنسان، وعلاقاتها الدولية بشكل جيد”.

ناصر أمين مدافعا ومتهما في القضية 173

وبشأن تأثير القرار وإلزامه لدول الاتحاد الأوربي، قال أمين في تصريحات خاصة لـ “مصر 360” إن قرار البرلمان الأوروبي عبارة عن ضغط “معنوي”، مضيفًا “وحتى يترجم إلى إجراءات وقرارات ملموسة يجب أن يصدر من الاتحاد الأوروبي، ثم تترجم قرارات الاتحاد إلى قرارات حكومية متعلقة بكل دولة”.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن العلاقات الثنائية بين مصر والاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية ستتأثر مستقبلا، وستُجبر مصر على الاستجابة لبعض الطلبات وتعديل بعض المواقف الحالية.

رأي غير ملزم للحكومة المصرية

علق النائب طارق الخولي، أمين سر لجنة الشؤون الخارجية على قرار البرلمان الأوربي، قائلا “عندما تقتصر مهمة برلمان طويل عريض، بأن كل ما يصدر عنه مجرد رأي غير ملزم للدول الأعضاء، يتضح أنه يبحث عن عمل يلقي عليه الأضواء ويحاول من خلاله التأكيد على أن لديه ما يفعله”

الخولي الذي لم يغرد منفردًا ضد القرار، أضاف في تعليقه عبر حسابه على موقع “تويتر” :”ونصيحة لهم ابحثوا عن حقوق الإنسان في الدول الأعضاء في برلمانكم.. فلديكم كوارث يدنى لها جبين الإنسانية”.

أما النائب محمود بدر، فربط بين القرار ونتائج الانتخابات الأمريكية، ووصف جو بايدن بـ “المرشد الجديد”.