استراتيجية جديدة للحوار والتعامل مع الحكومة في ملف حقوق الإنسان دعا إليها المحامي الحقوقي نجاد البرعي، قبل أيام قليلة. من خلال دعوة الأجيال الجديدة من الحقوقيين المصريين، إلى فتح باب الحوار  بخصوص ملف حقوق الإنسان.

وتهدف الاستراتيجية، بحسب ما كتبه البرعي، عبر صفحته الشخصية بـ”فيسبوك“، إلى التفاوض والتعاون والوصول إلى نقاط تفاهم بخصوص هذا الملف المعلق. مناشدًا المحامين الفاعلين في هذا الملف بالابتعاد عن لغة التشهير والمناطحة، و السماح بمناقشة الخلافات والتعامل معها في سبيل أن تجتاز مصر أزمة حقوق الإنسان التي تعيشها منذ عقود.

منشور البرعي جاء تعقيبا على الهجوم على حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان الراحل، على خلفية جدل دائر بين دوائر الحقوقيين عن فتحه قنوات اتصال مع الدولة خلال عمله الحقوقي. وهو أمر رأى فيه البرعي عدم احترام من الحقوقيين لبعضهم البعض وعدم تقدير للرؤى المختلفة داخل حركة حقوق الإنسان.

بل وصل الأمر إلى حد التلويح بـ”التوقف عن لعب دور الحقوقي النشط في هذا البلد”. إذ قال: “سأواجه مصيري وحدي وأتحمل مسؤولية ما فعلته بمفردي وبشرف. وفي اليوم الذي تقرر فيه السلطة وضعي خلف الأسوار سيكون طلبي الوحيد هو أن يبتعد عني الحقوقيون الشجعان إياهم. فقد أستطيع وأنا هناك أن أحسن من شروط العبودية تاركًا لهم وحدهم شرف العمل على إنهائها”.

لا تنفصل دعوة نجاد البرعي وخلافات الدوائر الحقوقية عن سياق أزمة حادة يعيشها العاملون في هذا الحقل، على خلفية الحملة الأخيرة التي طالت قيادات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، قبل الإفراج عنهم بسبب وساطات محلية وضغوط دولية، بحسب البرعي نفسه.

أزمة المبادرة، بالتأكيد، لم تكن ستمر دون فتح قنوات اتصال مع أجهزة بالدولة، بهدف تقنين الأوضاع، ووضع استراتيجية للعمل المشترك بين الحكومة والمجتمع المدني، فما موقف الشركاء في هذه الدعوة؟

التطرف يقتل الحوار

حسام الدين علي، المدافع عن حقوق الإنسان، أحد أبناء الجيل الجديد من الحقوقيين الذين خاطبهم البرعي، والذي رحب بتلك الدعوة. إذ يرى أن فتح قنوات الاتصال مع الدولة هو الحل للوصول لنقطة مشتركة بملف حقوق الإنسان. وهو الطريقة التي تتناسب مع نفسية المجتمع حاليًا، وتؤدي لحلول فعلية.

ويوضح علي أن الصدامات لم تصل لطريق الحل، أو إنهاء الأزمة التي يعيشها ملف حقوق الإنسان منذ عقود. وأن صدام منظمات حقوق الإنسان مع الدولة مرهق للموارد في ظل مجتمع لا يضع هو نفسه حقوق الإنسان كأولوية أولى بالنظر إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. وأيضًا جائحة كورونا.

ووفق هذه الرؤية فإن التفكير بشكل برجماتي وعملي يستوجب توجيه الجهود كلها على الهدف بدلاً من إهداره في صراعات تبعد الجميع عن الأهداف النبيلة المرجوة. كما يقول “علي” في تصريحاته لـ”مصر 360″.

المحامي مالك عدلي أيضًا واحد من الجيل الحالي، الذي يؤكد أنه لا يمكن تبني اتجاه واحد أو السير على خطى واحدة في الملف الحقوقي بمصر. ويضيف أن لكل واقعة أحداثها وظروفها المختلفة.

لا تحديث لحالة حقوق الإنسان دون حوار

ويرى “عدلي” أن التطرف من الجانبين يقتل الحوار، ولا يصل بالأزمة لحل جذري. ويوضح أن هناك فريق يؤمن أنه بداخل السلطة أطراف ترغب في الحوار، لكن التطرف من الجانب الآخر يقتل تلك الفرصة. كما أن التطرف من قبل الدولة في القمع، يفسد محاولات الإصلاح التي تسعى لها الأطراف المحايدة، على حد قوله.

ويتفق مع رأي عدلي، حقوقي آخر  هو خالد منصور، الذي يوضح أنه لا يوجد طريقين أو مدرستين. لكن الأمر يفرض نفسه، وفقًا للوقت والطريقة وغيرها من الظروف، التي تفرض طريقة التعاطي مع القضية أو الأمر المثار.

ومن جانبه، يرى رئيس ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، سعيد عبد الحافظ، أن أي دعوة للحوار هي دعوة جديرة بالاهتمام. حيث لا يمكن الحديث عن تحديث حالة حقوق الإنسان دون حوار، سواء بين المنظمات الحقوقية ومؤسسات الدولة أو الحوار فيما بين النشطاء أنفسهم. لكنه أعرب عن تخوف من أن يكون من الصعوبة بمكان إجراء حوار فيما بين النشطاء في مصر. لأن الحركة نشأت من رحم السياسة، وورثت أمراضها من “شللية” وتعصب وانحياز أعمى من قبل النشطاء الحقوقيين لتياراتهم السياسية. فضلاً عن إيمان قطاع كبير من الحقوقيين بأن الضغط الدولي هو السبيل لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر.

وهو أمر اعتبره ممارسة لقطعية متعمدة مع مؤسسات الدولة، مضيفًا أن الحوار ليس مستحيلاً، لكن صعوبته تكمن في مكاشفة يحتاجها كثير من النشطاء الحقوقيين. وتساءل: هل نحن مستعدون؟ هذا هو التحدي.

منظمات حقوق الإنسان ومصر “اللا مستبدة”

في أوائل ديسمبر الجاري، وأثناء مؤتمر صحفي جمعه بنظيره الفرنسي، تحدث الرئيس السيسي عن وضع حقوق الإنسان في مصر. ورفض بشدة الحديث عن “قمع” الدولة لمنظمات المجتمع المدني. وقال ردًا على أسئلة الصحافة: “تتحدثون معنا في هذا الأمر وكأننا حكام مستبدون”.

“هذا أمر لا يليق بالدولة المصرية، ولا يمكن التحدث فيه معنا لأنكم تتحدثون وكأننا لا نحترم الناس”، هكذا عقب السيسي أيضًا. كما أشار إلى 55 ألف منظمة مجتمع مدني تعمل في مصر دون قيود.

بالفعل، ارتفع عدد منظمات المجتمع المدني في مصر حتى وصل في العام 2019 إلى 50 ألفًا و572 جمعية، تعمل في القطاع الأهلي. وذلك وفق دراسة أعدتها الدكتورة هويدا عدلي خبير العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. لكن هذا القبول الحكومي لمنظمات المجتمع المدني لم يكن مماثلاً حال ارتبط الحديث بمسألة المنظمات الحقوقية.

لماذا توترت العلاقة بين الحكومة والمجتمع المدني؟

في ورقة بحثية قبل عامين، حول العلاقة بين الدولة في مصر ومنظمات المجتمع المدني، خاصة منظمات حقوق الإنسان. تحدث الباحث في معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” هاريس سيتزر،  عن الأسباب الرئيسية لنهج الدولة “القمعي” إزاء هذه المنظمات خلال السنوات الأخيرة. وقال إنه ينبع عن خوف من تجدد الانتفاضات المماثلة لتلك التي هزت مصر بين عامي 2011 و2013.

ويوضح سيتزر أن كل حكومة مرت على مصر ترى في ضرورة تنظيم المجتمع المدني “وسيلةً للتخفيف من هذا الاحتمال”. وفي حين قد يرى البعض أن ربط الحكومة بين المجتمع المدني والاضطرابات الشعبية غير منطقي. فإن الدور الهام الذي أدّته مجموعات مشجعي أندية كرة القدم “الأولتراس” في احتجاجات عام 2011، يُقدّم على الأقل بعض الأدلة على عدم صحة ذلك. وبالفعل، تهدف الأنظمة التي تفرضها الدولة على المجتمع المدني إلى منع أي تحرك جماعي من أي نوع. مثل هذا الذي يخلق اضطرابات تؤثر على استقرار سياسات الدولة.

اقرأ أيضًا: رقم قياسي للصحفيين السجناء في العالم.. تركة ترامب التي تنتظر بايدن

محطات تصادم منظمات حقوق الإنسان مع الدولة

دور منظمات حقوق الإنسان في التحول الديمقراطي في مصر، كان محور دراسة صدرت في 2017، عن المركز الديمقراطي العربي. هذه الدراسة أشارت إلى حالات التصادم بين المجتمع المدني والدولة في مراحل عدة من تاريخهما المشترك في مصر. مثال ذلك ما حدث من صراع بين منظمات حقوق الإنسان ونظام الرئيس الراحل مبارك، عندما زادت الأقاويل عن نية التوريث وازدياد الانتهاكات. فظهر الطابع الدفاعي والهجومي للمنظمات على الحكومة. الأمر الذي أغضب السلطة الحاكمة، فدفعت وزارة التضامن لفرض قيودها على نشاط تلك المنظمات.

أيضًا خلال الفترة الانتقالية (2011\2012 ) زاد الصدام بين المنظمات والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكذلك في فترة حكم الرئيس عدلى منصور. ورغم تطمينات الرئيس الأسبق محمد مرسي. كان للمنظمات الرافضة للنظام دور في استمرار الصدام مع السلطة، إلى أن تم خلع الرئيس -المدعوم من الإخوان التي صُنفت لاحقًا إرهابية- من مقاليد الحكم.

التخوف من الدور السياسي

ومع خلع مرسي، بدأ فصل جديد من الصدام مع نظام الرئيس السيسي، الذي وإن كان منفتحًا على الجمعيات الأهلية، إلا أن تخوفه من منظات حقوق الإنسان ودورها السياسي لا يمكن إنكاره أو تجاهله.

ففي 2019، خلال استقباله رؤساء الوفود المشاركة بمؤتمر شبكة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الأفريقية، قال السيسي إن مفهوم حقوق الإنسان شامل. وإن هذا المفهوم يتضمن كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمعيشية والتعليمية وغيرها. وشدد على أنه لا يجب اختزال تلك الحقوق على الجوانب السياسية فقط دون غيرها.

أيضًا، في حديثه الأخير مع ماكرون، قال الرئيس إن مصر “ليس بها معتقلون”. نظرًا لأن المعتقلين هم من يتم احتجازهم بدون اتهامات واضحة وبدون معرفة أماكن احتجازهم. وأن كل من يتم القبض عليه يتم وفقًا للقانون. وأضاف: “معندناش حاجة نخاف منها أو نحرج منها”. وتابع: “نحن أمة تجاهد من أجل بناء مستقبل شعبها في ظروف في منتهى القسوة وشديدة الاضطراب”.

هنا، ترى المحامية عزة سليمان إلى أن قنوات الاتصال -التي دعا لها البرعي- ليست أصلاً حلاً مطروحًا لتدارك الأزمة. وتوضح أن بعض الإصلاحيين في الدولة أو العقلاء يتدخلون لفتح الحوار في هذا الملف، إلا أن المساعي تبدو ضئيلة. خاصة إذا ما تمت مقارنتها بما يتم الاستجابة له، أو ما يتم تحقيقه من مكاسب بهذا الملف.

وتضيف سليمان أن هناك ضغوطًا تمارس من الخارج، تعجل بالإفراج عن المحبوسين أو تسعى لكسر محدود للتضييق المتواصل على منظمات حقوق الإنسان. وتشدد على أنه لا يمكن إغفال أو تأجيل الحديث عن ملف حقوق الإنسان. لأنه لن يتم تغيير حقيقي أو جذري دون إنهاء تلك الأزمة المستمرة بقمع منظمات العمل المدني.

كي لا نتحول إلى ظاهرة صوتية

عن الصراع داخل الحركة الحقوقية نفسها، يقول نجاد البرعي إن منظمات حقوق الإنسان مثلها مثل باقي الحركات، لها طبيعة اجتماعية وقانونية. إذ يتفق نشطاء حقوق الإنسان على الهدف، لكنهم يختلفون على طريقة الوصول إليه. وهو أمر مفهوم لديه. لكن الأزمة تأتي عندما يتصور البعض أنهم أصحاب مبادئ تميزهم عن الآخرين، وتمنحهم ميزة التوفق الأخلاقي. ويضيف البرعي أن الحقوقيين يدخلون في مشاكل لا يحترمون خلالها بعضهم البعض، فلا مكان للروئ المختلفة، والحل لن يكون إلا بالروئ المختلفة.

ويوضح نجاد أن الانقسام السائد حاليًا داخل مجتمع الحقوقيين يصل بهم إلى أن يصبحوا “ظواهر صوتية فقط”، تتلاعب بها التيارات السياسية المختلفة، وتحاول اختراق صفوفها من أجل استخدام لافتة حقوق الإنسان. وذلك بغرض تحقيق مكاسب سياسية فوق ظهور المجتمع الحقوقي وعلى حسابه.

ووفق البرعي، فإن الصراع فيما يخص ملف حقوق الإنسان، ليس وليد اللحظة. لكنه بدأ في مصر منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، بعلاقة ملتبسة مع الحكومة. ترفض الحكومة خلالها إعطاء الشرعية القانونية للحقوقيين، وفي الوقت ذاته تسمح لهم بالعمل التطوعي والخدمي الداعم لحل أزمات الفقر مثلاً. وأن الوقت حان أخيرًا إلى إيجاد جسور يمكن العمل من خلالها.

تضييق بأمر القانون

في أغسطس 2014، حددت الحكومة موعدًا نهائيًا لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية، يوافق 10 نوفمبر 2014 للتسجيل بموجب قانون الجمعيات، الذي يخول الحكومة سلطة رفض طلب التسجيل دون إبداء أسباب، وإغلاق أية منظمة، وحجب التمويل عنها، ورفض طلبات الانتساب إلى منظمات دولية.

وكان المعهد المصري الديمقراطي، على عكس أغلبية المنظمات غير الحكومية المستقلة، نجح في التسجيل بموجب قانون الجمعيات لسنة 2002 وذلك في سبتمبر 2014. ومع ذلك فقد كان أول الخاضعين للتحقيق.

في 15 نوفمبر 2016، وقع البرلمان المصري على مشروع قانون جمعيات مكون من 89 مادة. وهو ينص على عقوبة الحبس لمدة تصل إلى 5 سنوات. إضافة إلى غرامة تصل إلى مليون جنيه، لكل من شارك منظمة أجنبية في ممارسة نشاط أهلي في مصر دون الحصول على تصريح. ويلزم القانون جميع الكيانات التي تمارس العمل الأهلي بتعديل نظمها وتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكامه. وذلك خلال 6 أشهر من تاريخ العمل به أو يتم حلها. وقد عمل على تقييد عمل المجموعات المستقلة وتمويلها ووضعها تحت إشراف لجنة تضم ممثلين عن وزارات الداخلية والعدل والدفاع، وجهاز المخابرات العامة.

في سبتمبر من نفس العام، وافقت محكمة الجنايات بالقاهرة على طلب تقدمت به مجموعة من قضاة التحقيق لتجميد حسابات 3 مجموعات حقوقية. ومنعت السلطات على الأقل 15 مديرًا ومؤسسًا وموظفًا في هذه المنظمات من السفر خارج مصر، أغلبهم في 2016. منذ بدأ القضاة تحقيقهم في التمويل الأجنبي. وقد تعرض مقر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للاقتحام في ديسمبر. وتكرر الأمر مع مقر المركز في الإسكندرية، عندما تم اقتحامه في مايو.

قانون الجمعيات الأهلية

في أواخر عام 2016، قدمت لجنة التضامن الاجتماعي في مجلس النواب مشروع قانون لعرضه على المجلس، معني بتنظيم عمل الجمعيات الأهلية في مصر. تم عرض القانون للمناقشة على أعضاء المجلس، والموافقة عليه في جلسة 29 نوفمبر 2016 بعد الأخذ بملاحظات مجلس الدولة.

وفي 24 مايو عام 2017، أي بعد حوالي ستة أشهر من موافقة مجلس النواب، نشرت الجريدة الرسمية القانون الجديد رقم (70) لسنة 2017، بشأن تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي، بعد موافقة رئيس الجمهورية.

تضمن القانون بعض الإشكاليات التي أعاقت عمله. ومنها أنه تم التقدم به دون طرحه للنقاش أو الحوار مع أي من ممثلي منظمات العمل الأهلي. وكذلك عدم قيام مجلس النواب بانتظار مشروع الحكومة المعد من خلال وزارة التضامن الاجتماعي.

كما شابت بعض مواد القانون (89 مادة) شبهة عدم الدستورية، لتعارضها مع مواد دستور 2014. وتم النظر إلى بعض المواد الأخرى على أنها تضيق العمل على المنظمات العاملة في المجال العام. بينما جاءت مواد أخرى تنص على عقوبات سالبة للحرية وغرامات باهظة. بالإضافة إلى المواد التي بالغت في الشروط الإدارية والمالية لإنشاء الجمعيات الجديدة.

وجاءت صياغة العديد من المواد بشكل يعطي صلاحيات وسلطات واسعة للجهة الإدارية والجهات والكيانات الحكومية والأمنية للتدخل في عمل الجمعيات الأهلية. فضلاً عن استحداث كيان يضمّ في عضويته ممثلين عن وزارات الدفاع والخارجية والمخابرات العامة. وذلك لتنظيم عمل المنظّمات الأجنبية والتمويل الأجنبي للجمعيات المصرية.

أزمة التمويل الأجنبي

وبعد موجة من الاعتراضات الحقوقية، تدخل الرئيس السيسي بقرار تشكيل لجنة لإجراء حوار مجتمعي حول القانون. وإعادة الجهات المعنية في الدولة تقديم القانون مرة أخرى إلى مجلس النواب.

وكان من أهم مخرجات الحوار المجتمعي حول القانون: إعادة النظر في الإجراءات الإدارية والمالية الخاصة بتأسيس الجمعيات. بحيث لا تكون عائقًا عند ممارسة الحق في التأسيس. والاكتفاء بالإخطار لمد النشاط وفتح مقرات أو مكاتب في محافظة أخرى. وكذا عدم حصر مجالات عمل الجمعيات الأهلية في نطاق خطط الدولة. على أن تكون الجمعيات أحد داعمي تلك الخطط ولها الحق في رصد الاحتياجات المجتمعية والتعامل معها. وفيما يخص التمويلات الأجنبية أن تكون الموافقة بحد أقصى 30 يومًا. وفي حالة عدم الرد تعتبر موافقة على أن تكون الرقابة لاحقة على التمويل من الجهة الإدارية. أما في حالة الرفض فيكون هناك قرار مسبب بالمبررات. على أن يسمح لصاحب المصلحة بالطعن على القرار.

وقضية التمويل الأجنبي المعادة إلى الحياة، والتي بدأت في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 2011، هي أحد أدوات السلطة لمحاولة منع المنظمات من العمل. فوفقًا لتعديل قانون العقوبات الذي أصدره الرئيس السيسي في سبتمبر 2014، يمكن الحكم بالمؤبد في تلقي تمويل أجنبي.

اقرأ أيضًا: بعد حفظ التحقيق مع 20 منظمة أهلية في القضية 173 | نرصد مبادرات عودة الحياة إلى المجتمع المدني

نقطة التلاقي الضرورية

أخيرًا، تشير الدراسة التي أنتجها المركز الديمقراطي العربي، ضرورة إيجاد نقطة تلاقي تجمع بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني. وذلك لإنهاء العلاقة الصراعية بينهما، واستبدالها بعلاقة تعاون وشراكة.

ولا يقتصر ذلك على المنظمات الخيرية والرعائية، وإنما يجب أن يمتد ليشمل الحقوقية والسياسية أيضًا. خاصةً وأن هذه المنظمات لا تهدف إلى الوصول إلى السلطة من الأساس. التي يظهر بها أغلب الحالات الصراعية مع الدولة. بالإضافة إلى معالجة الوضع مع المنظمات الأجنبية، وحل قضايا التمويل بتشريعات عادلة.

وتلاحظ الدراسة أن قانون المجتمع المدني مثّل بوابة للتصادم مع النظام. كما لم تتغير أسباب الرفض لمشروع القانون الذي قدمته حكومة أحمد نظيف في عهد مبارك 2010 عن الذي تم طرحه في عهد المجلس العسكري. أو الرئيس المعزول محمد مرسي. أو القانون الصادر في عهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي. والتي ترى فيها جميعًا سيطرة الأجهزة الأمنية على مقاليد العمل الأهلي في مصر.

ليبقى الأمر كما دعا إليه نجاد البرعي، يسلتزم جسور اتصال بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني. على أن تكون هذه العلاقة الجديدة بها من تقديم الضمانات بين الطرفين ما هو كفيل بإنهاء الصراع الحالي، وحالة القمع المتواصلة.