3 أشهر لم تتمكن خلالها من رؤية صغيرها، الذي لم يتعد عمره 7 أشهر. لا تستطيع النوم ولا الحياة، رغم أن القانون في صفها. تصارع للحصول على نجلها. لكن أسرة زوجها تقف أمام تلك المحاولات.
نعمة محمد، البالغة من العمر 28 عامًا من سوهاج، توفي زوجها قبل وضعها مولودها الأول بثلاثة أسابيع. وبعد ولادتها طفلها الأول “زين” حرمت منه بعد أربعة أشهر فقط بعدما أخذته أسرة زوجها.
بالرغم من حصول “نعمة” على حكم بحضانة الطفل. إلا أن تلك الأحكام تظل في النهاية دون تفعيل حقيقي. وخاصة في الصعيد، حيث العرف أن الأبناء تربيتهم في منزل الزوج وأهله فقط.
“مصر 360” تواصلت مع عدد من الأمهات اللائي تتشابه حالاتهن مع “نعمة”. واللاتي أجمعن على أن الأسر في الصعيد تعتبر أبناء الابن حق لهم، لا يسمحون بتربيتهم مع الأم عقب وفاة الأب أو انفصاله عن الأم. ويأخذون الأبناء بالقوة من الأمهات.
تروى “نعمة” تفاصيل ما حدث معها: “بعد الولادة مفيش حد من أهل زوجي الله يرحمه فكر يشوفني أو يزورني. وقلت يمكن لسه مش قادرين يفوقوا من الصدمة على وفاة ابنهم الكبير، وبعد 4 شهور زاروني للمرة الأولى”. وتضيف: “كنت فاكرة أنهم أتوا للاطمئنان علي وعلى ابنهم. لكني اكتشفت أنهم يريدون ابني. لم أكن أصدق الكلام. يعني ابني ياخدوه مني كده”.
تابعت: “لم أتمكن من منعهم، أخذوا ابني بالقوة وهو يصرخ ولا يعرف غيري والآن ولـ 3 أشهر أعاني للحصول عليه. أذهب إلى بيتهم وأترجاهم يرجعوا ابني لي لكنهم يرفضون. فقط يسمحون لي بزيارته”.
حرمت الأم من صغيرها، التي لا تعرف كيف يتلقى رضعته ومن يمنحها إياه، أو كيف ينام. وهي أسئلة لا تستطيع الإجابة عليها “أنا معايا حكم حضانة، ولما روحت القسم طلبت منهم يساعدوني رفضوا يعملوا محضر، وقالوا إنه أهل الزوج مش هينفع يتهموهم بخطف ابني. كمان أمين الشرطة بيقولي أنتوا أهل في بعض ومتدخليناش بينكم”.
أحكام الحضانة في القانون
القانون المصري يقر بحضانة الطفل للأم ثم الجدة للأم، ثم الجدة للأب. ويأتي الزوج في المرتبة الرابعة. إذ حسم مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الجدل الذي كان مثارًا خلال الشهور الماضية حول حضانة الطفل. وجعل أولوية حق الحضانة للسيدات أولاً، فتأتي الأم ثم الجدة من الأم والجدة من الأب، ثم الأب في المرتبة الرابعة بعد ذلك. كما وضع القانون إجراءات مشددة للحفاظ على حقوق الطرفين حال الحضانة، وصلت للغرامة إذا امتنع الحاضن عن تنفيذ حكم الرؤية.
ووفقًا للقانون يتم ثبوت حق حضانة الطفل للأم ثم الجدة من الأم، والجدة من الأب، والأب، ثم الأخوات بتقديم الشقيقة، ثم أخت الأم، ثم أخت الأب، ثم الخالات بالترتيب المتقدم في الأخوات، ثم بنات الأخت بالترتيب المتقدم في الأخوات، ثم بنات الأخ بالترتيب المتقدم في الأخوات، ثم العمات، ثم خالات الأم، ثم خالات الأب، ثم عمات الأم، ثم عمات الأب. وتنتهي الحضانة طبقًا للقانون بزواج البنت، وبلوغ الصغير 15 سنة ميلادية كاملة، يخير بعدها.
لم يستدل عليه
من سوهاج للمنيا، لم يختلف الوضع كثيرًا مع سمارة أحمد، التي منعت من رؤية ابنتها بعد إتمامها العامين وفطامها وانفصالها عن زوجها “أنا وزوجي انفصلنا بعد حملي تقريبًا بشهرين. تركني وتزوج علي ولم يكن يرسل لي أي مصاريف. ظللت في بيت أهلي ودبرت فلوس الولادة”.
عقب ولادة الأم طفلتها، ذهب الأب لرؤيتها، لكنه لم يساهم في مصاريفها الخاصة “هي مرة وحيدة رأى فيها ابنته منذ ولادتها ولم يسأل بعد ذلك وتحملت أنا وأبي وأمي كل المصاريف بينما لم يقدم هو أي فلوس لابنته للمساهمة في تربيتها”.
تضيف الأم: “كنت متخيلة أن ابنتي ستعوضني عن كل الأسى الذي عشته في حياتي وارتضيت بقسمتي وبدأت العودة للعمل كي أتمكن من تربية ابنتي وبعدم فطامها زارني والدها وطلب أن يأخذها يومين تبقى معه، وقتها قولت لنفسي فرصة تتعرف البنت على والدها بشكل أفضل”.
وتتابع: “للأسف خدها ومرجعتش تاني قالوا إنه سافر ولا أعرف أين ابنتي، حاولنا تحرير محضر لكن لا أحد يحرر محاضر لأب أخذ ابنته”.
تحديد مكان الأب أمر شاق على الأم: “كل ما أعرف مكان أو حد يقولي إنه فيه أروح في القسم أقولهم وبعدين يرجعوا يقولوا لم يستدل عليه، أنا بقالي على الحال ده 9 شهور، ومش عارفة أعمل إيه، ولا عارفة بنتي نستني ولا لأ”.
اقرأ أيضًا: “الأرامل والمطلقات” مُعاناة يُضاعفها المجتمع
الانحياز للرجل.. الحضانة سطور على ورق
المحامية عزيزة الطويل، تقول إن أحكام الحضانة في مصر من الأمور الشائعة في عدم التنفيذ. ويأتي الرد الأول من قسم الشرطة حينما تشتكي الأم وترغب في تحرير محضر بموجب حكم الحضانة معها: “لم يستدل عليه”.
تضيف “الطويل”: “للأسف مفيش في القانون محضر بخطف الأب لأطفاله، والقانون مبيعترفش بدا”. كما تشير إلى “النظرة الذكورية في كل القضايا اللي تخص النساء وقضايا الأسرة والحضانة والنفقة وغيرها”، وتتابع: “ده اللي بيخلي أمهات كتير مبتعرفش تنفذ حكم الحضانة. خاصة في الصعيد اللي بيعتبر إن الطفل من حق أهل الأب برضه بسبب الثقافة الذكورية”.
وقت طويل تأخذه قضايا رد الأطفال للأمهات. ومن الممكن أن تصل قضية واحدة لسنوات من التداول القضائي في المحاكم. وفقًا للمحامية عزيزة الطويل، التي تقول: “للأسف النوع ده من القضايا بيوضح أوي انحياز القانون للرجل. أحكام الحضانة هي مجرد سطور على ورق بس”.
“لم يستدل عليه” هذه العبارة الشهيرة لتفسير عدم معرفة مكان الأب لاستعادة الأبناء، هي جملة مطاطة تلجأ إليها أقسام الشرطة، وتلقي بها الكرة في ملعب الأم فيما يخص تحديد مكان الأب، وفق “الطويل”.
الحل الأصعب.. تزوجي شقيقة
“سمارة” و”نعمة” مثلهما عايدة السيد، من قرية أبريم بمحافظة أسوان، التي تزوجت قبل 8 سنوات، وتوفي زوجها قبل سنتين، حُرمت من أولادها بسبب غياب تفعيل القانون.
تقول “عايدة”: “معايا ولد وبنت، عمرهم 5 و3 سنين. كانت علاقتي بأهل جوزي طيبة وكويسة لحد بعد وفاته. فجأة قرروا يأخذوا ولادي يربوهم. رفضت وقلت لهم إن البيت مفتوح يقدروا يجوا يشوفوهم في أي وقت. بس كان ردهم إن محدش ينفع يربي ولاد ابنهم غيرهم، وكأني مش أمهم أو واحدة غريبة”.
رفضت الأم ترك طفليها، لكن الرفض لم يغير في الأمر شيء حسبما تشير: “خدوا ولادي بالعافية، وكنت بصوت في الشارع بس الجيران خافوا يتدخلوا وهما كمان كانوا يؤيدون أهل زوجي يربوا العيال وإني مينفعش أربيهم لوحدي”.
لحل الأمر وتمكينها من استرداد طفليها، طرحت أم الزوج على “عايدة” الزواج بشقيق زوجها المتوفي “حاولت أوسط ناس تتكلم معاهم، وكان ردهم الأخير إني اتجوز أخو جوزي اللي هو متجوز أصلاً وأعيش معاهم في البيت علشان أقدر أربي عيالي”.
“عايدة” لا ترغب في الزواج، فقط كل ما تتمناه أن تربي الطفلين “ليه حماتي بتساعد حمايا في ده وكأنها مش ست زيي ولا حاسة باللي أنا فيه”.
المحامي رضا الدنبوقي، رئيس مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، يؤكد أن القانون حفظ للمرأة حق الحضانة. لكنه يلقي باللائمة على عدم تفعيل العقوبة على الممتنعين عن تنفيذ حكم الحضانة من الجانبين.
ويشير إلى ضرورة أخذ مصلحة الطفل في الاعتبار. كما يطالب بوضع شروط صارمة للاستضافة، لحفظ حق الطرفين الحاضن وغير الحاضن.