الجزائر/ فتيحة زماموش 

خلال الـ90 دقيقة، يسمح هذا الفضاء للمناصر أن يغنّي ويهلّل ويُصفّق ويغضب، ثم يعود لواقعه. يخرج للشارع ويعود لبيته المكون من غرفتين أو ثلاث، بين فقر وبطالة وبحث عن أمل مفقود.

من رحم الأزقّة الضيّقة، من بيوت الصفيح، من المقاهي، من الشارع في وسط ركام أحلام الملايين من الشباب الجزائري، ولدت الأغاني الرياضية، مع بزوغ خيوط الأمل التي أفرزتها سنوات الـ” الحُقرة (الظّلم)” ومطالب الشّغل وتصوير الواقع خارج المدرجّات، كلمات ألهبت الملايين من المناصرين في حشود لا تعرِف للحُدود نقطة توقّف، ولا تُلقي للقانون بالًا، تهتمّ فقط ببساطة التعبير وبالفُرجة في فضاء حرّ.

https://www.youtube.com/watch?v=EA-pVOEVzoI

“أيونامار. أي كرهنا”، أغنية تعكِس معاني الحبّ، تنتقد السياسة بتوابل الاحتجاج العلنية على ظروف اجتماعية صعبة، وهي الأغنية التي اتفق على تأديتها مناصرون في كل ملاعب الكرة الجزائرية. 

هكذا تصدح الحناجر، وتنطِق الألسنة، من خلال أغاني بسيطة الكلمات حادّة اللّهجة، بمعاني مؤلِمة تعبّر عن وجعي أنا ووجعك أنت ووجعنا نحن، في بلد عرف تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية منذ الاستقلال في العام 1962. 

الألتراس.. الاحتجاج بطريقة أخرى

صنعت الملاعب الجزائرية خلال العشر سنوات الأخيرة، فضاءً بديلًا عمّا يجري خارج الأسوار وبعيدًا عن المدرجات، سواء في الشارع أو في دواليب السياسة، بل استطاع الملعب إنتاج خِطاب مختلف عمّا هو متداول في الفضاءات العمومية وخاصة منها السياسية، بدافع الحرية والاستقلالية عن خطابات السّلطة، 

كما ظلّت الملاعب مكانا للتّنفيس خلال التسعين دقيقة، حسب مناصر نادي “نصر حسين داي” العريق منير آيت حمودة، في حديثه لـ”مصر 360″، معتبرًا أن الملاعب هي المكان الوحيد الذي يصدح فيه المناصرون الشباب بعيدا عن مشاكلهم اليومية، قائلًا: “هناك نعبر عن القلق عن الحاجة للعمل، عن فراق، عن غبن، عن ظلم الحكومة، وعن البحث عن آفاق أخرى والهجرة أيضا”. 

من منافسة الكرة إلى منافسة أغاني “الألتراس”

خلال عقدين من الزمن سافرت أغاني الملاعب الجزائرية من محطّة لأخرى، عبّرت فيها مجموعات المناصرين للنوادي العريقة في الجزائر عن همومهم ومتاعبهم الاجتماعية والمادية والنفسية، ترجمتها الأهازيج في الملاعب تؤطرها فرق موسيقية أبدعت في الغناء في الملاعب، وتتنافس لتقديم الجديد والمفيد، على حد تعبير أحد المناصرين، وأهمها:” الماسة السوداء وآماريو” عن نادي اتحاد الحراش، و”فولكانا ليبيري” عن نادي “شباب بلوزداد”، و” أولاد البهجة” عن نادي “اتحاد العاصمة”، و” تورينو” عن نادي “مولودية الجزائر”.

علاوة على الفرجة الكروية تحوّلت الملاعب نحو الفرجة الفنية، منافسة بين الفرق عن الأغاني وكلماتها الضاربة في عمق الجزائريين، كما قال المختص في التأهيل البدني وعلوم الرياض البدنية بجامعة دالي ابراهيم ممد حدو لـ” مصر 360″، فمن خلال متابعته لكرة القدم كمتفرج وكباحث، لفت إلى أن الربح والخسارة لم تعد الفاصل الوحيد الذي يستهوي المناصرين في الجزائر، بل تجاوزه إلى الأغاني التي يؤدونها في الملعب والتي تعبر عن معاناتهم وأحلامهم ورفضهم وخوفهم أيضا”، كما قال.

وحول هذا التفصيل بالتحديد أشار حدو إلى أن الأغاني بدورها تحولت من مجرد أهازيج تشجيع النوادي على اللّعب في الميدان وتوفير الفرجة بين أطراف المستطيل الأخضر إلى الحديث عن الواقع الاجتماعي والسياسي الراهن”. 

نحن والآخر: نسيان مؤقّت لـ90 دقيقة

وفي هذا الجوّ العام من المنافسة تحاول هذه المجموعات إلى تأليف وتأدية الأغاني التي تعبر بدورها عن حالة الشباب وتنتقد الوضع الاجتماعي والسياسي، كما تدعو للتغيير.

تُوجِّه أغاني الملاعب الجزائرية أصبع الاتهام للآخر، ذلك الذي جعل من الآلاف ينتظرون لسنوات الحصول على مفتاح شقّة لائقة، ورفض ملفّات العمل، فلجأ البعض للمخدرات لنسيان مؤقّت لهموم أو ركوب قوارب الموت في هجرة غير محمودة العواقب، أو امتهان حرفة الانتظار، يقول” محمد ميلانو” من الفريق الذي يؤدي أغاني نادي “مولودية الجزائر” لـ”مصر 360″، مضيفا “صوتنا في المدرجات مسموع ويخيف الجميع، من المسؤول الصغير إلى المسؤول الكبير، نحن نعبر عن واقع يومي، عن حادثة وعن أمل وحلم الملايين”. 

أغاني الهجرة غير الشرعية

“بابور اللوح” أي” القارب الخشبي”، أغنية أدتها فريق “اولاد البهجة” عن اتحاد العاصمة، ومعناها ( قارب الخشب) وتقول:”  خلِّيني نْروح .. قلبي مجروح … خَلِّيني نْروح في بابور اللوح “، وهي أغنية تحكي عن تعاطي الشباب للمخدرات، بعد اليأس بسبب البطالة والأفق المجهول، حسب ماقال وليد أحد أفراد المجموعة العاصمية، مشيرا إلى أن الحل الوحيد أمامهم هو” بابور اللوح أو الهجرة غير الشرعية”.

ويفيد عماد الدين، وهو أحد مناصري ” اتحاد العاصمة” بأن “اولاد البهجة” فرقة تؤدي أغاني من الواقع الجزائري المعاش، وتدغدغ مشاعر الملايين سواء في العاصمة أو في المدن الداخلية التي تسمى اليوم بمناطق الظل، على حد تعبيره.

أما أغنية، “ياناس ياناس”، “أنا في لالجيري عييت ياناس” التي تحكي عن “الشعب المطحون في مقابل عصابة الفساد التي ملأت الجيوب” و” القلب تعمر والشعب مغبون وعايش بالقدرة والكوراج” أي الشعب يعيش بقدرة الله والتشجيع”.

https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=G6WDAwWWPIY

وتشكل هذه الأغنية رابطًا بين هموم الجزائريين عموما ومطالبهم بالحصول على سكن لائق، وبين شباب يعاني من البطالة والتهميش في وقت تراكمت موارد عصابات المال والأعمال في الجزائر من المسؤولين الذي يقبعون اليوم في السجون. 

“شكون سْبابنا” أي” من هو السبب في مشاكلنا؟ “، أغنية يؤديها أنصار نادي “اتحاد الحراش” في المدرجات، هي الأخرى صنعت الحدث، تحكي عن هموم الفقراء الذين يفكّرون في الخبز والحليب وتأجير سكن في حين النظام ضيّع آمال الملايين، والحلّ هو الهجرة غير الشرعية”.

 

يقول إسلام أومدور من حي الأبيار بقلب العاصمة الجزائرية وهو أحد مناصري اتحاد الحراش لـ”مصر 360″ أن هذه الأغاني تلخص نظرة الشباب للمنظومة الاجتماعية والسياسية في البلاد، لافتا إلى أنها خرجت من رحم المعاناة، فالشباب اليوم هو جيل من نوع خاص ودليل على أننا أبعد مما تفكر فيه السلطة”.

في بداية العام 2018، عرفت الجزائر ملامح البدء في التحضير لترتيبات العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتداولت في تلك الفترة أسم شقيقه ” السعيد” والذي كان مستشار شقيقه في قصر الرئاسة، أخرجت فرقة” تورينو” المحسوبة على عميد الأندية الجزائرية “مولودية الجزائر” أغنية ” عام سعيد” ” التي تنتقل كلمات الأغنية من الاجتماعي إلى السياسي في تحول سلس بين المعاني، مما جاء فيها

وين را اللي عندو الحق في الهجرة يدوه بعشرة ” أي من له الحق في الكلام سيسجن”  ثم “الخلوة بالمخدرات، أو الهجرة”، ثم “الكراسي راهم يقسموا فيه في غرف مغلقة” أي المناصب يتقاسمها المناوئون للرئيس”ثم تتحدى الأغنية النظام مثلما تحدى” مايدي” وهو شاب كان يتحدى في فيديوهات عبر التواصل الاجتماعي، معرجة إلى الحديث عن فساد القضاء، وحظ الآلاف من الشباب التعيس في الجزائر التي تشبه قصة ” العياشي الذي سقط في البئر بإحدى ولايات الجزائر ولم يتمكن احد من إنقاذه، ما يفسر حسب الفرقة أن قيمة الإنسان لدى المسؤول لا شيء”.    

يعتبر نادي “مولودية الجزائر” من أكثر النوادي من حيث عدد الأنصار بما يربو عن خمسة ملايين مناصر من مختلف ولايات الجزائر وهو ما أدى إلى تسميتهم بـــ”الشّناوة” تعبير عن شعب “الصين” لكثرة تعداد مناصري هذا النادي العريق. 

الكرة هي متنفس الملايين في الجزائر، كما قال محمد بلخير، مناصر “مولودية العاصمة”، معتبرا النادي ملجأ كل الشباب الجزائري لأنه فريق جميع الجزائريين، لافتا في تصريح لـ”مصر 360″ إلى أن هذه الأغاني تعبر بصدق عن الواقع الاجتماعي للشعب الجزائري، متأسّفا عن مشاكل الشباب الضائع بين البطالة وتعاطي المخدرات”.

كما أفاد أن عميد الأندية الجزائرية له قاعدة عبية كبيرة من مختلف فئات المجتمع من طلبة جامعيين وأطباء محامين وكوادر من شتى التخصصات. 

اللافت أن تركيبة الأغاني وغيرها بسيطة جدا ولغة مشفرة على حسب الباحثة في اللغة نورية بودراس من جامعة تلمسان غرب الجزائر، حيث اعتبرت أن مضامين هذه الأغاني قائمة على الإيحاء والكناية، تحمل سياق معين، موضحة أنها تجد صدى لمن يعرف السياق الجزائري وتحاول إقناع المستمتع من مختلف الشرائح.  

ويشير وحيد إلى أن موسيقى أغاني “الالتراس” مستوحاة من الغناء الشعبي الذي ترعرع في منطقة “باب الوادي” بأعالي مدينة القصبة العتيقة”، الحي النابض لفريقي (مولودية واتحاد الجزائر)، كما استلهمت تلك الموسيقى والكلمات من أغاني ” الراي” الذي اشتهر في الغرب الجزائري.

“لاكازا دي المرادية”: من الملعب إلى حراك الشارع حكاية حلم طويلة

“لاكاز دي المرادية” أو “دار المرادية” أو قصر المرادية” والمقصود منها “قصر الرئاسة الجزائرية” الواقع في الضاحية الشمالية لمنطقة “المرادية” بأعالي العاصمة، مستلهِمة عنوانها من مسلسل تلفزيوني اسباني” قصر الورق” يحكي عن عصابة لصوص احترفوا السرقة، حسب تصريحات محمد ندير أحد مشجّعي ” اولاد البهجة”، إذ تتحدث عن ” اليأس الذي تسلّل لقلوب الجزائريين خلال السنوات الأخيرة، واستوطن عقولهم خلال عشريتين من الزمن، أي سنوات حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، 

تقول الكلمات:” إن الصباح لكن جفاني النوم، لهذا استهلك المخدرات بكميات بسيطة، لأننا سئمنا العيش”، كما توجه انتقادا مباشرا لحكم الرئيس بوتفليقة خلال الأربع عهدات متتالية:” فالعهدة الأولى مرت، لكنها بعدها ضحكوا علينا، لكن في العهدة الرابعة، ماتت الدمية أي الرئيس الذي غاب عن الواجهة لسنوات بسبب المرض، ولازالت القضية متواصلة”.  

 

الملفت أن نشيد” لاكاز دي المورادية” انتقل من مدرجات ملعب كرة القدم لمشجعي نادي اتحاد العاصمة، إلى نشيد وكلمات رددتها جموع الجماهير التي تجمّعت أمام مقر البريد المركزي بقلب العاصمة مساء يوم استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة يوم الثاني من أب19، فرحا بعد تنحّي الرئيس عن الحكم، بعد أكثر من شهر من الاحتجاجات الرافضة لترشحه لعهدة رئاسية خامسة، كما بات نشيدا مفضّلا للمحتجين خلال مسيرات يوم الجمعة لـ54 أسبوعا من العام 2019.

 

الملفت أن نشيد” لاكاز دي المورادية” انتقل من مدرجات ملعب كرة القدم لمشجعي نادي اتحاد العاصمة، إلى نشيد وكلمات رددتها جموع الجماهير التي تجمّعت أمام مقر البريد المركزي بقلب العاصمة مساء يوم استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة يوم الثاني من أب19، فرحا بعد تنحّي الرئيس عن الحكم، بعد أكثر من شهر من الاحتجاجات الرافضة لترشحه لعهدة رئاسية خامسة، كما بات نشيدا مفضّلا للمحتجين خلال مسيرات يوم الجمعة لـ54 أسبوعا من العام 2019.

الظروف الصعبة تغذّي الأغاني

الظاهر أن المشاكل الاجتماعية هي من تُغذّي كلمات الأغاني الكروية، فتعاطي المخدرات والهجرة غير الشرعية والبحث عن عمل وعن سكن وانعدام العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروة، شكلت جميعها أحد هموم الشباب في الجزائر، والتعبير عن طبقة ” الزاوالية (الفقراء والمهمشين)، تترجمه هذه الأغاني التي تأخذ من الواقع لغة كلماتها، ومن معاناة الآلاف موسيقاها المأخوذة هي الأخرى من اللون الغنائي القريب للجزائريين، إما الأندلسي الشعبي أو الراي الذي اشتهر في مناطق الغرب الجزائري. 

تشير الباحثة في علوم الإعلام والاتصال ليندة تازير لـ” مصر 360″ أن ما يحدث في الملاعب هو رجع صدى لما نعيشه في الأحياء الفقيرة وفي الشارع وفي المناطق المهمشة، لافتة إلى أن الملاعب باتت منذ ربع قرن مكان لممارسة المسكوت عنه في قنوات وفضاءات أخرى، فالملعب لا يعترف بـ” الرقابة كما هو في التلفزيون الحكومي والخاص” ولا حتى في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، الملاعب هي فضاء المباح والأغاني التي يرددها الجمهور-الحشود من الشباب ما هي إلا انعكاس لخلفيتهم الاجتماعية، وكيف يرون الواقع خارج أسوار الملعب”. 

مع مرور الزمن، اقتحمت أغاني المدرجات، و”الالتراس” في الجزائر الفضاءات الأخرى بفضل التكنولوجيا، التي أصبحت ممارسة اجتماعية، كما أضافت تازير معتبرة أن الملاعب الجزائرية اكتسبت قوّتها في التعبئة السياسية بفضل وسائل التواصل الإجتماعي. 

من بومدين إلى بوتفليقة: ما الذي تغيّر؟ 

ظلت ملاعب الكرة لسنوات طويلة” فضاء لإفراغ الشحنات الرافضة للواقع، فالتعبير عن سخط الجزائريين عبر عد مراحل على حدّ تعبيره، ففي فترة الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، حسب  الباحث في التاريخ محمد السعيد سعيدي في تصريح لـ”مصر 360″، قائلا أن المناصرون من عميد الأندية الجزائرية ” مولودية الجزائر” كانوا يرددون أغاني تعبيرا منهم عن هيتهم العربي الاسلامية، رفضا لفرنسة الشعب الجزائري على حدّ تعبيره. 

بعد الاستقلال واجه مناصرون شبيبة القبائل الرئيس الراحل هواري بومدين بأغاني “ايمازيغن” أي “نحن جميعًا أمازيغ”، في نهائي كأس الجزائر  1977، وهي الشعارات التي أقلقت الراحل بومدين الذي كان حاضرا في الملعب، وما حملته أهازيج أنصار الشبيبة من غضب وحنق على نظامه وغضبهم منه وقتذاك، ونقلت هاجس منطقة القبائل إلى الملعب ليبدأ فصل من فصول منبر الحشود السياسي من بوابة الملاعب الجزائرية، واقتناص دسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية. 

في فترة حكم الرئيس الشاذلي بن جديد، تعرّض الأخير إلى انتقادات الأنصار في الملاعب، وردّدت الحناجر في ملعب 5 يوليو بقلب العاصمة “باب الواد الشهداء” التي تعبر عن الضحايا الذين سقطوا في انتفاضة الخامس من أكتوبر 1988، لتعود رحلة السياسية إلى معقل المستطيل الأخضر في بداية التسعينيات.

اقرأ أيضًا: حقوق الإنسان في الجزائر.. الحراك كأنه لم يكن

بعيدًا عن الخوف

عقب 30 سنة من الانفتاح وإقرار حرية التنظيم السياسي والتعبير، مع دستور 1989، تشكّلت لدى الجزائريين “عقلية التعبير بلا خوف”، وهي الفترة التي عرفت أيضا مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلى سدة الحكم في العام 1999، وتنظمت مجموعات الأنصار تحت مسمى “الألتراس” من المتعصّبين لفِرقهم ونواديهم:” الالتراس هو المحبّ لناديه في الدمّو المتعصّب له حتى النخاع، يتابعه في كل ذهاب وإياب ويدافع عنه في الربح والخسارة”، هكذا يقول مناصر اتحاد الحراش عمار بولالوة لـ”مصر 360″، مضيفا ” هنا في ملعب “لافيجري” (التسمية  القديمة لمنطقة” المحمّدية” حاليا،  أي في ملعب أول نوفمبر، الاتحاد الحراش عليها نحيا وعليها نموت”.

المثير للانتباه، أن ما يخرج من أفواه فِئات الشباب المختلفة في الملاعب اليوم، ماهي إلا شكل من أشكال الاحتجاج على السطلة الحاكمة.

وعلى هذا الأساس، تحمِل أغاني الملاعب الجزائرية، بُعدًا سياسيًّا، يُشخِّص الأوضاع السيئة والبؤس الذي يعيشه الملايين، بسبب السياسات الفاشلة، كما قال أستاذ علم الاجتماع زين الدين نويصر لـ” مصر 360″، مشيرا إلى أن “الهِجرة غير الشرعية ظلّت ملاذ الشّباب، وبذلك تحمل هذه الأغاني رسائل للمسؤولين من أفواه المطحونين في هذا الفضاء المغلق والبعيد عن الرقابة والزجر و الخوف من المتابعات القضائية”، على حدّ تعبيره.

في الجانب الآخر، ظلت علاقة “الالتراس” من مختلف النوادي الجزائرية “أخوية كأبناء الحي الواحد خارج الملعب وخارج إطار لعبة كرة القدم، كما قال بلخير، مضيفًا:”أمّا داخل الملعب وفي إطار كرة القدم فهي علاقة منافسة غير عادية، مشحونة بالأغاني التي تمجّد فريقا وتقصِف المنافس”. 

ولفت المتحدث إلى أن العروض الفرجوية الضخمة أو ما يطلق عليه بـ”التيفو” فهي ما تضفي على الفرجة متعة المتابعة وقضاء وقت للتّسلية وخلق أجواء بعيدة عن مستوى اللاعبين في الميدان، مشيرا إلى أنه عند نهاية المباراة تبقى هذه المنافسة المشحونة بنوعي الأغاني والعروض هي المنافسة الوحيدة بين أبناء الشعب الواحد أبناء الحي الواحد بل حتى أبناء العائلة الواحدة. 

اقرأ أيضًا: الجزائر.. دستور جديد يقلص صلاحيات رئيس الجمهورية وانتخابات تشريعية مبكرة

الكرة: بيت الجميع ومثلّث الحرية

من هو الشّاب الذي يذهب لمشاهدة مقابلة كرة القدم؟ ما هو مستواه؟ من أين جاء؟ وماذا يفعل في الأيام الأخرى بعيدا عن الفُرجة؟ أسئلة يطرحها العديد من المتابعين للشأن الكروي في الجزائر، تجارب كثيرة يعيشها هؤلاء الـ” المهووسون بكرة القدم، وبألوان نواديهم، بل صارت بيتهم الذي يجمعهم، حالات نجدها إلا في الأحياء الشعبية التي أنجبت مجموعات لها رابط واحد هو ألوان النادي المفضل.

من هذه الزاوية، يُلخِّصُ سيد أحمد، ، في حديثه لـ”مصر 360″:” الملعب يضمّ الكثيرين ممن ضاع عمرهم بين خيارين لا ثالث لهما: المخدرات أو مقابلات الكرة، بينما القليل منهم نجا من هذا العنفوان وهذه الذّاكرة الجريحة”.

يعتقد سيد أحمد، أحد المناصرين الأوفياء لنادي “شبيبة قسنطينة”، أحد النوادي العريقة في الشرق الجزائري أن “ما عاشته الجزائر سنوات التسعينيات أفرزت الكثير من الظواهر التي لا يمكننا أن نتغافل عنها اليوم”، موضحا أنه “من ولد في عام 1990، وعاش يومياته بهاجس الموت والرعب بسبب سنوات الدم والدموع، ذاكرته مخدوشة، ويبحث عن متنفّس”.

في الملعب بين أهازيج الأنصار يوجد هرمون السعادة، فضاء يضمن الفرجة والمتعة والفرحة وحرية التعبير التي لا تضمنها الكيانات السياسية والاجتماعية خارجها.

خلال التسعين دقيقة، يسمحُ هذا الفضاء للمناصر أن يغنّي ويهلّل ويُصفّق ويغضب، ثم يعود لواقعه، يخرج للشارع ويعود لبيته من غرفتين أو ثلاث غرف، بين فقر وبطالة وبحث عن أمل مفقود.