تفتح البيانات التي أعلنتها السعودية حول معدل الاستثمارات المصرية داخلها الكثير من التساؤلات حول أسباب تفضيل المستثمرين المصريين بها عن مصر لضخ مشروعاتهم داخلها. كما تثير تساؤلات حول المزايا التي تقدمها الرياض والتي تجعلها تستقطب رؤوس أموال بقوة رغم أزمة كورونا وتداعياتها.

ووفقًا لبيانات أصدرتها وزارة الاستثمار السعودية، فإن مصر تصدرت عدد المشروعات الاستثمارية داخل المملكة خلال الربع الثالث من العام الجاري، بعدد 30 مشروعًا تمثل نحو 10% من جملة الاستثمارات الأجنبية التي سجلتها الفترة الزمنية المقصودة.

وقال أحد المستثمرين المصريين في السعودية ـ رفض ذكر اسمه ــ  إنه قرر ضخ أمواله في المملكة في ظل الحوافز الكبيرة التي تقدمها حاليًا ومن بينها تقديم تسهيلات ائتمانية للصادرات بضمانة مقدمة من برنامج الصادرات السعودية بتغطية تصل إلى 90 ٪ من قيمة الائتمان.، ودعم الطاقة  والمياه والغاز الطبيعي والديزل والكهرباء.

يشير المستثمر إلى نقطة دعم الطاقة تحديدًا فالكهرباء يتم توفيرها بقيمة 0.048 دولار  للكيلو وات في الساعة للقطاع الصناعي، والغاز الطبيعي بقيمة 1.25 دولار لكل وحدة حرارية، والإيثان بقيمة 1.75 دولارًا لكل وحدة حرارية، والديزل بقيمة 14 دولارًا لكل برميل.

يضيف: “يكفي أن تقارن بين سعر الغاز الطبيعي في المملكة الذي يبلغ 1.25 دولار وسعره في مصر الذي يبلغ 4.5 دولار، وسعر الكهرباء البالغ 0.06 دولار في مصر مقابل 0.04 في السعودية، لتعرف الفرق في تكلفة المنتج النهائي والقدرة على تصديره للخارج بتنافسية عالية.

توفر  المملكة أرضا للإيجار تبدأ بقيمة 0.26 دولار لكل متر مربع (تعادل 3.5 جنيه) بينما  يبلغ سعر المتر  في المتوسط بمصر مستوى 35 جنيًها.

1.3 ألف مشروع مصري في المملكة

تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى السعودية من 17577 مليون دولار خلال العام 2000، لتسجل نحو 176378 مليون دولار خلال العام 2010، بزيادة تبلغ نحو 158801 مليون دولار، مسجلة نسبة ارتفاع تبلغ نحو 903.45%، ثم 230786 مليون دولار في 2018 مرتفعة بنحو 54408 مليون دولار  ليبلغ إجمالي ارتفاعها 1213% خلال 18 عامًا.

ووفقا لأحمد الوكيل، رئيس اتحاد الغرف التجارية السابق، فإن عدد المشروعات المصرية بالمملكة يصل عددها إلى 1.3 ألف مشروع باستثمارات تتجاوز 2.5 مليار دولار، منها ألف  مشروع برأسمال خالص. والباقي بمساهمات مع مستثمرين آخرين.

النظام الجديد للاستثمار

يعزو الخبراء الطفرة في الاستثمارات المصرية بالسعودية إلى النظام الجديد للاستثمار الذي يتضمن سرعة البت في طلبات الاستثمار، بحيث يتم البت فيها خلال ثلاثين يوماً من تاريخ استيفاء المستندات المطلوبة، وجواز حصول المستثمر الأجنبي  على أكثر من ترخيص في أنشطة مختلفة والتمتع بجميع المزايا والحوافز والضمانات التي يتمتع بها المستثمر المحلي.

انعكست تلك التطورات إلى احتلال المملكة المركز الـ(49) على مستوى العالم في تقرير “ممارسة أنشطة الأعمال 2015م” الذي أصدرته مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي من بين (189) دولة،  والذي يقيم تأثير الأنظمة والإجراءات المتصلة بأنشطة الأعمال في أي دولة على التنمية الاقتصادية داخلها. 

يمنح الاستثمار في السعودية  لمستثمر الأجنبي كامل الحق في: “إعادة تحويل نصيبه من بيع حصَّته أو من فائض التصفية أو الأرباح التي حقَّقتها المنشأة للخارج أو التصرُّف فيها بأيَّة وسيلةٍ مشروعةٍ أخرى، كما يحقُّ له تحويل المبالغ الضروريَّة للوفاء بأيِّ التزامات تعاقديَّة خاصَّة بالمشروع. 

 تعمل السعودية حاليًا على تنويع اقتصادها بتوسعة  أنشطة القطاع الخاص، إضافة إلى تحسين القدرة التنافسية،  كما اتخذت العديد من التدابير جديدة تهدف إلى تسهيل القيام بالأعمال التجارية.

وتقدم السعودية إعفاء الرسوم الجمركية على الواردات المصرح بها للمنشآت الصناعية (مثل الآلات والمعدات وقطع الغيار  وقطع الغيار المستوردة للاستخدام الصناعي)، وتبلغ الضريبة على دخل الشركات، التي تنطبق على الملكية الأجنبية للشركات القائمة في السعودية، إذ تصل نسبة الشركات الإلزامية إلى 20 %، والتي تعد النسبة الأقل بين دول مجموعة العشرين

وكشفت وزارة الاستثمار السعودية عن تسجيل الاستثمارات في الصناعات غير النفطية بالمملكة مستوى قياسياً خلال الربع الثالث من عام 2020 لتبلغ 3.1 مليار دولار (11.63 مليار ريال) في الربع الثالث من العام الحالي، مقابل 624.2 مليون دولار (2.34 مليار ريال) في الربع السابق.

أشار التقرير، إلى أن شهر سبتمبر سجل أكبر عدد من الاستثمارات؛ بالتزامن مع إصدار وزارة الصناعة والثروة المعدنية العديد من تراخيص المصانع الجديدة، مما يبرز الاهتمام القوي بمنظومة التصنيع في المملكة، علماً بأن قيمة استثمارات المصانع غير النفطية بلغت 2.32 مليار دولار (8.7 مليار ريال) بالشهر الأخير من الربع الثالث.

البحث عن فرص واعدة

يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن المستثمرين يبحثون دائما عن الفرص الاستثمارية الواعدة والاستقرار الضريبي، والسعودية توفر تلك النقاط بجانب الحرية الاقتصادية الكاملة في النشاط دون منافسة ومزاحمة للدولة.

ويقول فهمي إن بعض الجهات الحكومية تضطر للتدخل في الاقتصاد لضبط الأسعار خاصة في أوقات الأزمات، لكن القطاع الخاص يترجم الأمور بالخطأ ويعتبرها مزاحمة من الدولة، ويتحدث عن معاملات تفضيلية لها، وضرب أستاذ الاقتصاد بالنافذة الموحدة التي تطبقها دول الخليج منذ عام مطلع الألفية الثانية ولا تزال غير مفعلة بمصر حتى الآن.