منذ زمن طال يقل دور نقابة المحامين المصرية في الاهتمام بشؤون رسالة أو مهنة المحاماة الأساسية، الذي هو صلب عملها. ذلك الذي بدأ مع انشغال المرشحون لمجلس النقابة ولمنصب النقيب من زمن غير قريب بكيفية الحصول على مقعد النقابة، سواء كان عضوية أو المقعد الرئيسي؛ منصب النقيب.
كان لابد وبشكل خاص للمرشح على مقعد النقيب أن ينجذب وبشدة إلى الكتلة الانتخابية الممثلة في المحامين بالقطاع العام. وهي كتلة تصويتية لا يستهان بقدرها في المعارك الانتخابية. ومن هنا يأتي الطرف الحكومي، أو بمعنى أكثر جرأة التدخل الحكومي في لعبة الانتخابات النقابية. وذلك باستقطاب من ترغب في التعاون معه. أو يرغب في التعاون معها من خلال الوعد بتصويت تلك الكتلة.
مشاهد في تهاوي دور النقابة
أرى أن هذا كان وما زال السبب الرئيس في تهاوي دور نقابة المحامين. فمنذ ما يزيد عن عشرين عامًا بدأ يقل أ يهفت ذلك الدور في القضايا السياسية والوطنية. ومنذ أن سعت السلطة إلى تقويض ذلك الدور لأهم نقابة شعبية مصرية. وبعد ذلك بدأ دورها حتى في حدود الدفاع عن مصالح المهنة يقل ويخفت رويدًا رويدًا.
أذكر أن النقيب السابق حين تم إبلاغه بواقعة القبض على أحد الزملاء فيما يسمى بالقضايا السياسية، كان رده: “ألف مبروك”. وهذا كمثال يؤكد على الإخفاق المتعمد لدور النقابة الرئيسي حتى في الدفاع عن ذويها. وكلنا يذكر كم عدد المحامين القابعين خلف أسوار السجون في اتهامات سياسية. وأذكر في هذا الصدد بأن سبعة منهم حصلوا هذا العام على جائزة دولية من أهم الجوائز التي تُمنح للمحامين العاملين على إرساء مبادئ القانون، والدفاع عن حقوق الإنسان.
ومع ذلك لم تحرك نقابة المحامين ساكنًا في محاولة الحصول على إخلاء سبيل لهؤلاء المحامين أو غيرهم. وهي النقابة التي من بين لجانها أو شعبها، لجنة مخصصة للدفاع، أو ما يعني حقوق الإنسان.
اقرأ أيضًا: بينهم ماهينور والعليمي وباقر .. “جائزة حقوق الإنسان تذهب لمحامين جلبوا الشرف للمحاماة”
في ذكرى الراحل أحمد الخواجة
أذكر على سبيل المثال، وفي عصر النقيب الراحل الأستاذ أحمد الخواجة -صاحب المواقف التي تؤكد قوة نقابة المحامين- وبرغم كونه عضوًا في التنظيم الطليعي التابع للاتحاد الاشتراكي العربي بمصر في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، إلا أنه عارض “مذبحة القضاء” التي وقعت في 31 أغسطس 1969. ونتج عنها إلغاء مجلس القضاء الأعلى وحل مجلس إدارة نادي القضاة.
كما أذكر وأنا حديث عهد بمهنة المحاماة، أن حدثت أزمة في مارس 1994 حين اقتحمت قوات أمن الدولة مكتب الأستاذ عبد الحارث مدني وقبضوا عليه وتم تعذيبه. حينها اعترض مجلس النقابة وقامت الدنيا كلها: كيف لقوت الشرطة أن تقتحم مكتب محامي دون إخطار عضو من النقابة. ودون أن يكون معها أحد أعضاء النقابة العامة. وهذا من الناحية التاريخية لمجد النقابة.
منذ ذلك الحين، بدأ التعامل مع النقابة على كونها كيان لابد من التعامل معه بشكل مغاير. ما أدى إلى أن صار الحال بها على النحو الذي نحن عليه.
تنظيم شؤون المحامين
بالحديث عن كل ذلك، كيف لا تتدخل نقابة المحامين في تنظيم شؤون المحامين الخاصة بالعمل داخل أروقة المحاكم من تسهيل دخول المحامين دون التعرض للمضايقات مثل تلك التي تحدث في نيابة أمن الدولة أو المحكمة العسكرية.
أوليس من دور النقابة أن تتواصل مع وزير العدل لتحقيق مرونة في التعامل الإداري حين الحصول على عمل من الأعمال المكملة لأعمال التقاضي، مثل الحصول على صور من أوراق القضايا أو التحقيقات، أو التعامل مع المحضرين، أو في أروقة النيابات، التي يقف أمامها المحامون بالساعات الطوال ليتسنى لأحدهم دخول مكتب أحد وكلاء النائب العام. وغير ذلك من الأعمال الإدارية التي من الأوجب أن يتم تيسرها للمحامين أو المواطنين كافة دونما صعوبة في الإجراءات أو مغالاة في الرسوم.
يجب أن يكون لنقابة المحامين دورًا أساسيًا في التعاون مع الجهات المختصة سواء من خلال نوادي القضاة أو من خلال وزارة العدل، بحسب كون الموظفون الإداريون يخضعون لتبعيتها.
كيف لنا والدولة تسعى إلى تطوير نظم التقاضي بأن تكون مثل هذه الإجراءات ما زالت تتم بصعوبة مبالغ فيها رغم سهولتها. وكل هذه الإجراءات أو الأعمال تعد من قبيل الأعمال الأساسية المرتبطة بتحقيق مبدأ الحق في الدفاع. الذي هو حق دستوري للمواطنين كافة.
حقوق الإنسان
من الناحية الحقوقية، كفلت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان العديد من الضمانات الخاصة بتيسير عمل المحامين. من بين ذلك أنه على السلطات المختصة أن تكفل إمكانية حصول المحامين على المعلومات والاطلاع على الملفات والوثائق المناسبة التي في حوزتها أو تحت تصرفها. وذلك لفترة تكفي لتمكين المحامين من تقديم مساعدة قانونية فعالة لموكليهم. وفي مهلة لا تتجاوز في المحاكمات الجنائية وقت انتهاء التحقيق أو قبل بدء مرحلة المحاكمة.
كما أن عليها أن تضمن قيام المحامين بكافة أعمالهم دون أدنى مضايقات أو أي تدخل غير لائق. وغير ذلك من الضمانات العديدة التي يكفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان للمحامين في وقت قيامهم بأعمالهم المهنية.
لكن الوضع الآني لنقابة المحامين لا يوحي بالقدرة على استعادة رونقها وبريقها أو قدرتها الحقيقية في تحسين دور المحامين والدفاع عن مصالحهم وحقوقهم. وهي لا تسعى في ذلك سعيًا لا يقف عند حدود معينة لاستعادة دورها القديم، على نحو يسهل إجراءات التقاضي من ناحية على المحامين، وييسر أو يُفعل مفهوم الحق في الدفاع على نحوه الحقيقي، بحسبه الدور الأساسي للمحامين.
في هذه الآونة التي تزايدت فيها التعقيدات الإدارية في القيام بأعمال المحاماة، يبرز ما اتخذ من قرار مؤخرًا بإلزام المحامي بالتقدم بصورة من بطاقته الشخصية حين قيام أحد الموكلين بعمل توكيل مهني له. على الرغم من جود الرقم القومي ببطاقة عضوية المحامي. و إن كان من الأيسر على الطرفين أن يتم ربط قاعدة بيانات نقابة المحامين بالشهر العقاري ومكاتب التوثيق، حتى تتأكد من صحة بيانات المحامي المرغوب في عقد توكيل له.
أرى في هذه التعقيدات التي تزداد حينًا بعد حين، أن الحق في الدفاع بوصفه الدور الأهم في عمل المحامين ونقابتهم لابد له من وقفة حقيقية. وموقف حقيقي لإزالة كافة العوائق التي لا أرى لها هدف سوى التعقيدات الروتينية. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال قيام نقابة المحامين بدورها الرئيس. وهو الحفاظ على قوام مهنة المحاماة، والدفاع عن مصالح أصحابها المشتركة ومصالح المهنة.