التطعيمات هي من أهم الأشياء التى يمكننا القيام به لحماية أنفسنا وأطفالنا من الأمراض المعدية. إنها تمنع ملايين حالات الوفاة فى جميع أنحاء العالم كل عام.
وفقًا لـمنظمة الصحة العالمية، عندما يتلقى شخص ما التطعيم، فإنه يتمتع بالحماية ضد المرض المستهدف. ولكن، لا يمكن تطعيم الجميع. مثلاً قد يتعذر تطعيم الذين يعانون من حساسية شديدة لبعض مكونات اللقاحات. ولا يزال من الممكن حماية هؤلاء الأشخاص إذا كانوا يعيشون بين أشخاص آخرين تلقوا التطعيم. وعندما يتلقى عدد كبير من أفراد المجتمع التطعيم، فإنه سيصعب على العامل الممرض الانتشار. لأن معظم الأفراد الذين يتعرضون له يتمتعون بالمناعة. وهكذا، فإنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يتلقون التطعيم، قل احتمال تعرض الأشخاص الذين تتعذر حمايتهم باللقاحات لخطر العوامل الممرضة الضارة. ويُطلق على ذلك المناعة المجتمعية.
ولا يوجد لقاح واحد يوفر حماية بنسبة 100%. كما أن المناعة المجتمعية لا توفر الحماية الكاملة للأشخاص الذين لا يمكن تطعيمهم بشكل مأمون. ولكن، من خلال المناعة الجماعية، سيتمتع هؤلاء الأشخاص بقدر كبير من الحماية بفضل تطعيم الأشخاص الذين حولهم. إن التطعيم لا يحمى الفرد وحده، وإنما يحمى أيضا أفراد المجتمع الذين يتعذر تطعيمهم. لذلك، يجب تشجيع المواطنين على الثقة فى التطعيمات.
تطور اللقاحات
ليس معروفًا بشكلٍ كامل لماذا تختلف مدة المناعة المكتسبة لمختلف اللقاحات. تقدم بعض أنواع اللقاحات مناعة مدى الحياة من خلال جرعة واحدة فقط، بينما تتطلب بعض التطعيمات الأخرى التعزيز من أجل الحفاظ على المناعة حيث تتطلب بعض اللقاحات جرعات متعددة، تُعطى بفترة زمنية فاصلة قدرها أسابيع أو أشهر. وفى بعض الأحيان، يعد ذلك ضروريا لإتاحة إنتاج أضداد طويلة العمر وتكوين خلايا الذاكرة المناعية.
يدرب الجسم على مكافحة الكائن الحى المحدد المسبب المرض من خلال تكوين ذاكرة خاصة بالعامل الممرض بهدف مكافحته بسرعة فى حال التعرض له مستقبلا. وعلى مر التاريخ، تمكن الإنسان من استحداث لقاحات ضد عدد من الأمراض المهددة الحياة. بما فيها التهاب السحايا والتيتانوس والحصبة وشلل الأطفال.
فى أوائل القرن العشرين، كان شلل الأطفال مرضا عالميا، حيث تسبب فى إصابة مئات الآلاف من الأشخاص بالشلل كل عام. وبحلول عام 1950، استُحدث لقاحان فعالان ضد هذا المرض. وفى ثمانينات القرن الماضى، بدأ بذل جهود عالمية موحدة من أجل استئصال شلل الأطفال من على وجه الأرض. وعلى مدى سنوات وعقود عديدة، انتشر التطعيم ضد شلل الأطفال فى جميع القارات، من خلال زيارات التمنيع الروتينى وحملات التطعيم الجماعى. وقد جرى تطعيم ملايين الأشخاص، معظمهم من الأطفال، وفى أغسطس 2020، تم الإعلان عن خلو القارة الأفريقية من شلل الأطفال. وأيضا فى عام 1980، بعد عقود من الجهود التى بذلتها منظمة الصحة العالمية، أقرت جمعية الصحة العالمية بيانا باستئصال مرض الجدري.
ومع ذلك، إذا توقف الناس عن تناول اللقاحات، فمن الممكن أن تنتشر الأمراض المعدية بسرعة مرة أخرى. وأدرجت منظمة الصحة العالمية أخيرا التشكيك فى اللقاحات والحركات الرافضة لها كأحد أكبر 10 تهديدات للصحة العالمية.
الخوف من اللقاحات
فمن المؤسف أن تكون هناك معلومات مضللة تقول أن اللقاحات مرتبطة بالمشكلات الصحية أو تدفع الناس لعدم استخدام اللقاحات بشكل عام (وتنشط الآن هذه المعلومات المضللة مع لقاح كورونا). طبعا هذه معلومات ليس لها أى أساس من الصحة ولا يجب أن تجد منفذا لها، فالتطعيمات لها دور مهم فى القضاء على الأمراض، ويجب الالتزام بتعليمات السلطات الصحية طالما أقرت لقاحا لأن ذلك خطوة أولى للقضاء على الوباء.
فى سياق الحديث عن لقاحات كورونا، من المهم الإشارة إلى أن الخوف من اللقاحات والتردد فى أخذها قد يكون نتيجة لعدم الثقة فى النظام الرأسمالى العالمى. فنحن نرى شركات دواء عالمية كبرى همها الأول الربح، والاحتفاظ بحقوق الملكية الفكرية، وعقد اتفاقات ثنائية مع الدول الغنية من أول شهور الوباء، ولا وجود حقيقى لمفهوم التضامن العالمى، والتوزيع ليس على حسب الحاجة وإنما على حسب القدرة على الشراء، رغم وجود وباء عالمى ضرب جميع البلدان، ورغم وجود اتفاقات دولية تسمح بتعليق الملكية الفكرية خلال الكوارث الصحية والأوبئة.
وحتى منظمة الصحة العالمية، رغم حديثها الدائم عن التضامن، إلا أن دورها لم يكن على حجم التحدى فى مسألة عدالة توزيع اللقاحات، مما يدفع إلى إعادة التفكير فى طبيعة دورها وكيف يمكن تحسينه بحيث تكون أكثر فعالية من ذلك.
اللقاح الصيني.. خيار أكثر قابلية
قد يكون الأقرب لمصر، والتصور الأكثر قابلية للتنفيذ، الاعتماد على اللقاح الصينى. أولا لأن مصر تمتلك إمكانيات إنتاج اللقاحات الصينية، وثانيًا لأن الصين أعلنت أنها ستجعل تكنولوجيا اللقاح منفعة عامة عالمية. ولأن اللقاحين الأخيرين (لقاح فايزر/بيونتيك ولقاح موديرنا) يحتاجان إلى ظروف معقدة وصعبة فى النقل والتخزين تتطلب درجة شديدة من البرودة، تحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة ومتطورة، من الصعوبة توفيرها فى مصر، فضلاً عن أن الشهور القادمة ستشهد ظهور لقاحات أخرى مما قد يعطى أملا فى الاعتماد على لقاحات أخرى، ويعطى صانع القرار مساحة أوسع للتحرك.
وفي الخلاصة، اللقاحات التي تقي من كوفيد ــ 19 (فيروس كورونا) هى أفضل أمل لإنهاء هذه الجائحة، والسماح بالترخيص الإجبارى من السلطات الصحية يعنى توافر الدرجة المطلوبة واللازمة من الفاعلية والأمان والجودة، مما يجعل استخدام اللقاحات حاليا الخيار الأمثل، من الضرورى الإشارة إلى أنه يجب أيضًا دحض المعلومات المضللة عن اللقاحات وألا تجد طريقًا لها فى الإعلام لأن ــ كما تم التوضيح سابقا ــ الموافقة على اللقاحات من السلطات الصحية تعنى أنه يحتوى على درجة جيدة من الأمان.
نشر هذا المقال على موقع الشروق بتاريخ ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٠