أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قرارا بإرسال طائرات حربية إلى أراضي أفريقيا الوسطى، بالتزامن مع استعداداتها لإجراء انتخابات رئاسية، مؤكدا على التزام فرنسا بدعم الحكومة الشرعية على خلفية التواجد الفرنسي في غرب افريقيا بعد إنهاء الاستعمار الفرنسي في عام 1960.
جاءت خطوة فرنسا تعقيبا على إعلان وزارة الخارجية الروسية إرسال موسكو عدد إضافي من خبرائها العسكريين إلى جمهورية أفريقيا الوسطى.
على الفور، اتهم ماكرون في مقابلة نشرتها مجلة “جون أفريك”، روسيا وتركيا بالعمل على تأجيج المشاعر الشعبية المعادية لفرنسا في افريقيا الوسطى معتمدين على الحقبة الاستعمارية التي ولت وما حدث خلالها من أخطاء وتجاوزات.
وحسب الخارجية الروسية، أنه في إطار مساعدة إفريقيا الوسطى على تعزيز قدراتها نظرا لما تمر به من ظروف طارئة ووجود صداقة متينة بين روسيا من جهة وافريقيا من جهة أخرى، استجابت الحكومة الروسية لطلب حكومة أفريقيا الوسطى، وعمدت إلى أرسال 300 خبير إضافي إلى هذا البلد لتدريب جنود الجيش الوطني.
ماذا يحدث في أفريقيا الوسطى؟
تعيش أفريقيا الوسطى حالة من عدم الاستقرار منذ عام 2013 عندما تمت الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيز من قبل جماعة “سيليكا” ذات الأغلبية المسلمة، إلا أنه سرعان ما دخلت هذه الجمهورية في صراع داخلي زاد من نفوذ التواجد الأجنبي داخل البلاد.
خلال الآونة الأخيرة قلت حدة المواجهات الدامية بين المجموعات المتصارع في الداخل، إلا أن حدثا ما أجج مشاعر الغضب بين الأطراف المتصارعة ليعود إلى السطح من جديد.
وقبل أيام، أعلن قادة لمجموعات المسلحة تتواجد في أفريقيا الوسطى، سيطرتها على أغلبية أراضي الجمهورية، فضلا عن شنها هجوما في شمال وغرب البلاد، وجاءت تحالف المجموعات المسلحة تحت راية “تحالف الوطنيين من أجل التغيير”.
وحسب مراقبين يأتي هذا التمرد بعد أيام من إعلان محكمة قرارها بمنع الرئيس السابق فرانسوا بوزيز من المشاركة في الماراثون الانتخابي، على خلفية صدور عقوبات بحقه تفرضها الأمم المتحدة، التي تتهمه بدعم مجموعات مسلحة مسؤولة عن “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”.
قوبل قرار المحكمة من بوزيز بمزيد من العناد، إذ عمد إلى دعم وحشد جماعات مسلحة في مسيرة باتجاه العاصمة بانجي.
واستطاعت المجموعات المسلحة الاستيلاء على 4 مدن فضلا عن تقدمها نحو العاصمة التي تبعد نحو 350 كيلومتر، وهو ما استدعى تدخل فرنسا وروسيا لحماية مصالحها وترجيح كفة النظام القائم.
أطماع روسية
لمعرفة أسباب تسارع روسيا وفرنسا إلى توطيد العلاقات مع أفريقيا الوسطى يجب إدراك أن الموارد الأساسية لأفريقيا الوسطى يتمثل في الألماس والذهب اللذان يعتبران أهم الموارد التي تحظى بها.
تلقفت روسيا الدعوة بسرعة كبيرة أملا في أن تستكمل مسيرة توطيد العلاقات وتخلق مساحة أكبر من شأنها المساهمة في عدد من المجالات ليست العسكرية والثقافية فقط، إنما في مجال التعدين وما يدره من مكاسب اقتصادية كبيرة.
الحضور الروسي جاء على حساب التواجد الفرنسي الذي بدا دوره باهتا خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد إعلان وزير الدفاع الفرنسي انتهاء العمليات العسكرية الفرنسية في أفريقيا الوسطى عام 2016 وهو ما فتح المجال للتواجد الروسي في البلاد.
وخلال فترة زمنية ليست بالطويلة استطاعت روسيا التواجد بقوة وحضور واضح داخل أفريقيا الوسطى ومالي أو ما يعرف بـ”مربع النفوذ الفرنسي في أفريقيا”، وتمكنت من مد جسور تواصل وتفاهم مع السلطات في أفريقيا الوسطى والتمركز بصورة دائمة على الرغم من وجود نحو 12 ألفا من القوات التابعة للأمم المتحدة وكذا قاعدة عسكرية فرنسية.
كما أن روسيا خلال فترة تواجدها منذ عام 2018 أسست العديد من الشركات المتعددة المجالات على رأسها شركة “لوباي انفست” التي تعمل في مجال التنقيب عن المعادن (في ياوا، غرب)، وكذا شركة المجموعة المالية الدولية التي تتشعب في مجالات عدة ويشير البعض إلى أنها واجهة لغسيل الاموال في افريقيا الوسطى.
اقرأ أيضا:
من جديد الدب الروسي في أفريقيا
إرث فرنسا
على الجانب الآخر، مثلت أفريقيا الوسطى منطقة نفوذ تاريخية تقليدية لفرنسا، نتيجة استعمارها لعقود بدأت من 1910 وانتهت في 1960، عمدت خلالها إلى استنزاف مواردها حتى وقع الاستقلال عام 1960. وظلت فرنسا على علاقة متواصلة مع السلطات هناك، فضلا عن قيامها بعملية عسكرية استمرت على مدار 3 سنوات لكنها باءت بالفشل إذ شهدت القوات الفرنسية خلال فترة تواجدها أعمال عنف ومواجهات دامية في مختلف مناطق أفريقيا الوسطى وهو ما استدعى انسحاب فرنسا وإنهاء عملياتها العسكرية التي لم تؤت ثمارها.
بالرغم من الانسحاب الفرنسي، ما زال هناك تواجد عسكري ممثل في 350 جندي وقاعدة عسكرية في العاصمة بانغي. وحسب وزير الدفاع في ذلك الوقت، فإن وجود الجيش الفرنسي سيكون أقل إلا أن ذلك لن يمنع من التواصل الملموس بين فرنسا وهذه الدولة.
فيسبوك يدخل على خط المواجهة
وفي وقت سابق، أعلن موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنه عمد إلى حذف حسابات مزيفة على موقع فيسبوك وانستجرام، تم استخدامهم لشن حملة تضليل قبيل بدء انتخابات الرئاسيات بجمهورية أفريقيا الوسطى.
وحسب “فيسبوك”، أغلق مئات الحسابات والمجموعات المرتبطة بكلا من “فرنسا وروسيا”، لافتا إلى أن محققيه وجدوا أن الحسابات المزيفة تعود إلى فرنسا وبالتحديد لأفراد ومجموعات مرتبطة بصلة وثيقة بالجيش الفرنسي، مؤكدا في الوقت ذاته أن الأمر مجرد تخمين لا يوجد دليل قاطع على تورط الفرنسيين في تلك الحملة المضللة.
ومن جانبه، أعرب الجيش الفرنسي عن استيائه من محاولة فيسبوك الزج باسمه في الأزمة القائمة داخل أفريقيا الوسطى، مؤكدا عمله جنبا إلى جنب مع قوات الأمم المتحدة وشركائه الدوليين لإحلال السلام في أفريقيا الوسطى.
كذا لم تغب روسيا عن تكوين مجموعات عبر حسابات مزيفة عبر فيسبوك ترتبط بشكل واضح بوكالة أبحاث الأنترنت الروسية، فيما لم يصدر رد عن تلك التساؤلات حول مدى ارتباط روسيا بإدارة حسابات مزيفة لنشر الشائعات والمعلومات المغلوطة فيما يخص انتخابات أفريقيا الوسطى.