الأطفال عزوة، سعى الزوجان للاحتماء بها سندًا، فُرزقا “هنا” و”حمزة”. عُززت فرحة الأسرة بثالث “يونس” الصغير. لكن الفرحة المتحققة أفسدها خطأ طبي جسيم عاشا الوالدان به مأساة مع استقبال مولودهما الجديد، انتهت ببتر ذراعه، ورحلة عذاب استمرت ما يقرب من 45 يومًا بسبب حضانة.

وضعت الزوجة مولودها الثالث في منتصف الشهر الثامن، فتخيل الأب أحمد أشرف أن نجله ربما يحتاج لحضانة حتى اكتمال نموه. “الدكتورة اللي مراتي كانت متابعة معاها عملت السونار مرتين. وقالت إن الولد كويس وممكن ميحتجش حضانة”.

انتظار المولود والخطأ الطبي

بدأ الأب في البحث عن المستشفى التي ستضع فيه زوجته المولود الثالث، ليستعدا لاستقباله مع أخويه، وتحضير السبوع والاحتفال. “مراتي ولدت وقالوا إن الطفل هيحتاج حضانة علشان الرئة تكتمل، وعنده صعوبة في التنفس من الدرجة التالتة، فاتحط في الحضانة. بعد 3 أيام قالوا إن الطفل بيتحسن. في اليوم الخامس كانت تقريبًا المشكلة كانت بتنتهي وأجهزة التنفس بتقل وبيتغذى بالرضاعة”.

بدأت نسبة هيموجلوبين الدم تنخفض لدى الطفل، فطلب الأب آشعة على المخ ليتأكد من وجود نزيف في المخ. لكن لم يستجب الأطباء لطلبه. “كنت بتحايل على الدكاترة يعملوا الإشاعات وفعلًا لما اتعملت الحمد لله مطلعش في نزيف في المخ، بعدين قالوا إنه بينزل مادة خضرا ولازم نوقف رضاعة، وأنا ومراتي كنا بنفذ التعليمات واللي يقولوا عليه”.

اقرأ أيضًا.. ازي الحال؟.. حقيقة وفاة مريضة بسبب الإهمال الطبي .. ومد ساعات العمل لتقديم طلبات التصالح في البناء

بداية رحلة الآلام

حرمان الأم من رضاعو طفلها أمر ليس بالهين، ولكن مصلحة الطفل كانت الأهم، هكذا كان يتعامل الأبوين “وقفنا الرضاعة وبعدين قالوا ترجع جزء بجزء، ولسه بيقولوا إن المادة الخضرا بتنزل منه من خلال الترجيع، فطلبت منهم بعد محايلة يتعمل سونار على البطن والمخ، وأنا اللي بتحمل التكاليف، ولما اتعمل السونار ظهر فيه نزيف في المخ وتجمع دموي، ومفيش حاجة في البطن”.

بدأت حالة الطفل في الاستقرار، ولا يحتاج لجهاز التنفس مع انتظام رضاعة الأم. “الولد كان بيتحسن فعلًا وممكن يطلع يرضع من والدته وميحتجش يدخل تاني. كنت بسأل أمتى هيخرج من الحضانة لكن محدش شرحلي. كانوا بيوصلوني لمرحلة من الخوف والرعب إنه يطلع بس على ضمانتي وأمضي على مسؤوليتي. لكني كنت بخاف يحصله مضاعفات”.

ذهب الأب لطبيب مخ وأعصاب لاستشارته في حالة الطفل. الطبيب نصحه بإجراء آشعة مقطعية ويمكن خروجه من الحضانة دون خوف عقب استقرار حالته الصحية. عاد الأب للمستشفى وتم الاتفاق على نقل الطفل في سيارة إسعاف ووضعه على جهاز التنفس وإجراء آشعة مقطعية.

بعد إجراء الأشعة المقطعية وبعد مرور ما يقرب من أسبوعين من وضع الطفل في الحضانة تبين أنه يعاني من تجمعيين دمويين على المخ وعاد للحضانة مجددًا: “كل ده وأنا مش عارف إيه خطوات علاج ابني هو بس بيتحط على الحضانة ورجع تاني يرجع أخضر”.

“في النهاية سألت الدكتورة اللي متابعه حالته في المستشفى قالت بالنص إن الترجيع لو موقفش هنفتح بطنه ونشوف فيها إيه. أنا اتصدمت ولا كأنها بتتكلم عن طفل لسه مولود”.

عاد الطفل في التحسن مجددًا ليعود الأمل للأبوين. “آخر مرحلة المفروض بتحصل في الحضانات إن الأم ترضع الطفل وده اللي عرفته من البداية. ووقتها فعلًا بيتم السماح للطفل الخروج من الحضانة لكن مع تحسن الطفل والرضاعة كانوا بيرفضوا إنه يخرج من الحضانة وكأنها تجارة علشان ندفع أيام زيادة”.

اقرأ أيضًا.. ”الجيوش البيضاء” تستغيث.. الإهمال يقتلنا والعدوى تطاردنا

جلطة تؤدي لبتر الذراع

بعد مرور شهر، بدأت حالة الطفل تتحسن، وفقًا للأطباء. الأب عاد للمنزل لأخذ قسط من الراحة والعودة مجددًا للمستشفى للاطمئنان على ابنه. أجرى الأب اتصالًا بالطبيبة: “قالت لي هو تمام بس جت له جلطة في دراعه. هنا أنا حسيت أن الزمن وقف الولد كان كويس وبيرضع إيه اللي حصل. الدكتورة بعتت لي صورة لدراع الطفل ولونه أسود إزاي طيب وإزاي ده يحصل وفجأة”.

دخل الأب والأم في مرحلة جديدة من الصدمة. “لما جرينا على المستشفى أنا ووالدته عرفنا إنه كان فيه محاولة لتركيب كانيولا غلط وقالوا إنهم هيعملوا تحقيق للأسف علشان الطفل صغير فمفيش تدخل جراحي والبتر الحل”.

نزل الخبر على الأب والأم كالصاعقة. “بعد أسبوع بالضبط كان لازم بتر للذراع من قبل الكوع وبعد 3 أيام طلبت أخرج الطفل من الحضانة بناء على كلام الجراح اللي عمل العملية. لاقيت الدكاترة بيقولوا خايفين يكون في جلطة تانية، بقيت حاسس إن حتت لحمة حمرا بقت حقل تجارب”.

بعد البتر استقرت حالة الطفل. بعد مرور أسبوع من العملية وفي اليوم المحدد لأخذ الطفل من الحضانة أبلغ الطبيب الأب أن الطفل ربما ينتظر ليأخذ بعض الأدوية. “أنا كنت سألت دكتورة تانية وقالت لي خرجه ونوديه مستشفى تانية. روحنا أنا ووالدته المستشفى وطلبنا ناخد الطفل والدكتورة رفضت، أنا بقيت خايف على الولد منهم”.

أخذ الأب طفله من المستشفى. “ابني وأنا واخده كان هيكل عظمي رجليه الاتنين متعورين من لسعات معرفش من أيه. إهمال فوق ما حد يتخيل دراعه السليم كله كدمات غامقة الطفل حالته صعبة جدًا”.

اقرأ أيضًا.. لتخفيف الأعباء.. “سلامتك” أول تطبيق للتمويل الطبي في مصر

“فلوس الحضّانة”

من ناحية أخرى يقول الأب: “الدكاترة كانوا بيسيبوا التمرجية مع الطفل في الحضّانة. وأنا بعد خروج الطفل دهنت له مرهم الأزرق اللي في دراعة والكدمات راحت. يعني لو كل ده حصل في المستشفى كان خف. لكن هما اللي كان فارق معاهم فلوس الحضانة”.

هكذا بعد الكشف على الطفل في مستشفى آخر تبين أنه يعاني من نزيف في شبكية العين وتجمعين دمويين على المخ. “بعد كل الوقت ده ابني خرج بنفس الحاجات اللي عنده واللي حصل أن إيده اتقطعت مع تضخم في القلب”.

بعد خروج الطفل تحسنت حالته الطبية دون مضاعفات مع متابعة مع الأطباء والرضاعة. كما بدأ النزيف يبعد عن مركز الإبصار مع تراجع التجمعيين الدموين في المخ. “الولد حالته بتتحسن لما خرج من المستشفى أنا مش متخيل إزاي كل ده حصل له جوه مستشفى”.

دعوى قضائية

يقول المحامي الحقوقي مالك عدلي إن والد الطفل حرر المحضر رقم 9811 لسنة 2020 إداري العجوزة ضد الطبيبة المسؤولة عن الحضانة الخاصة والطبيب المناوب. كما حرر محضر آخر ضد طبيبين بصفتهما استشاريي جراحة أوعية دموية والقائمين على عملية بتر ساعد الطفل.

مالك عدلي

واتهم المحضر الأطباء بالإهمال في حق رضيع لم يتجاوز عمره أيام. ما ترتب عليه إصابته بجلطة دموية في الذراع الأيسر أدت إلى بتر الساعد الأيسر وتجمعين دمويين بالمخ ونزيف في قاع العين.

وأوضح عدلي أن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي حرر المحضر وكيلًا عن الأب قرر يسلك طريقه في عرض التسلسل الزمني لحالة الطفل يونس. كما قرر الاعتماد على التقارير الطبية الصادرة بمعرفة المشكو في حقهم.

كما تقدم المركز بالشكوى رقم 326 لسنة 2020 إلى نقابة الأطباء وحرر المركز محضر بالواقعة يتهم المشكو في حقهم بالإهمال الطبي الجسيم. التهمة يعاقب عليها القانون طبقًا للمادة 244 من قانون العقوبات. علاوة على الإيهام واستعمال طريق احتيالية التي يعاقب عليهم طبقًا للمادة 336 من قاون العقوبات.

نقيب الأطباء

في النهاية ذكر المركز في شكواه أن خطأ جسيم ارتكبه الأطباء المذكورين تسبب في بتر الساعد الأيسر للرضيع. كما أنهم لم يكتفوا بهذا فقد بل استغلوا والد الطفل وتاجروا بآلامه ومعاناته وحصلوا مبلغًا ماديًا 130 ألف جنيه.