توسم أغلب مشجعي برشلونة خيرًا في رحيل كيكي سيتين مدربهم السابق. وهو صاحب الفضيحة المدوية من بايرن ميونيخ في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، بثمانية مقابل هدفين. بينما كان قدوم رونالد كومان على رأس الجهاز الفني للفريق مبشرًا. وذلك كونه أحد نجوم العصر الذهبي للبلوجرانا، ويعلم كل تفاصيل الفريق والنادي. فضلاً عن أن سجله كمدرب وصاحب شخصية قوية كان ينظر إليه باعتباره سيعيد المتعة والانضباط للفريق بعد فترة فوضى كبيرة.

لكن أتت الرياح بما لا يشتهي عاشقي الكاتلوني تمامًا. وظهر البارسا تائهًا مع المدرب الهولندي، فمني بعديد من الخسائر وفقد كثير من النقاط. الأمر الذي وصل به للمركز السابع بجدول ترتيب الليجا. وتزامن ذلك مع مشاكل إدارية عاصفة وغضب جماهيري كبير من أوضاع النادي إداريًا وفنيًا. نتيجة لذلك سُحبت الثقة من الرئيس جوسيب بارتوميو، الذي اضطر لتقديم استقالته مع مجلسه حتى موعد الانتخابات الجديدة.

اقرأ أيضًا: بعد أنباء رغبته في ترك النادي.. ماذا لو رحل ميسي عن برشلونة؟

يلخص ما سبق في نقاط ثلاثة آتية، تمثل أهم الأزمات التي وقع فيها كومان فنيًا، ووصلت بالفريق لهذا “التوهان”، والشكل والنتائج السيئة بالفترة الأخيرة. وذلك بعيدًا عن الفوضى الإدارية التي لها دور كذلك في هذا الظهور الباهت للفريق الكتالوني الكبير.

https://www.youtube.com/watch?v=yopVUaD5QZw

الملك ميسي وأزمة سواريز

أول أزمة وأكبر مشكلة وقع بها كومان هو تعامله الجاف مع النجم الأول ميسي. ولهجة المناكفة التي بدت مع جملة أن “سيطرة ميسي على اللاعبين وغرفة خلع الملابس انتهت بوجود كومان”، وأن النجم الأول لن تكون لديه أي صلاحيات خارج الملعب مثلما كان الحال من قبل.

محاولة كومان السيطرة وفرض الانضباط على الفريق بالصدام مع ميسي لم تكن موفقة تمامًا. كما أن تبعاتها لم تأت في صف المدي الفني. الأمر الذي جعل الملك ميسي يلعب بلا أي روح ولا رغبة، كان كمن يؤدي وظيفة لا أكثر. فظهر بعيد كل البعد عن فنياته وأدائه الخارق الذي لطالما قدمه. وهو ما عزاه كثيرون إلى غضبه من الإدارة، ثم تعامل كومان الجاف والقاسي معه.

ثاني الأزمات تمثلت في تعامل كومان -المعروف بصرامته- مع لويس سواريز مهاجم البارسا السابق، والتي وصفتها بعض الصحف الإسبانية بـ”الوقاحة”، بعدما إبلغه بأنه معروض للبيع وليس لديه دور مع الفريق. قبل أن يرحل سواريز إلى أتلتيكو مدريد ويتألق، فيثبت خطأ المدرب الذي وجد فجوة من دون سواريز.

رحيل سواريز وهو صديق مقرب لميسي جعل ملك البارسا ينتقد كومان والإدارة على العلن. فوصف هذا القرار بـ”غير المحترم” في حق لاعب قدم الكثير للنادي الأزرق والأحمر. كما ساهم هذا الخروج للمهاجم المخضرم في زيادة توهان ميسي وضعف هجوم الفريق من بعده. لأنهما كانا ثنائيًا متجانسًا وقويًا للغاية في مواجهة شباك الخصوم. ووصل الأمر لطلب ميسي الرحيل في أعقاب صديقه. ثم تراجع بعد ضغط الجماهير مؤجلاً قراره للصيف المقبل.

اختيارات فنية غريبة

زلزال أزمات ميسي وسواريز والشرخ الذي حدث في غرفة خلع الملابس وظهر على أداء الفريق فيما بعد، كانت له تبعات كثيرة عززتها الاختيارات الفنية الغريبة. الأمر الذي أوصل برشلونة لأسوأ بداية له في الليجا منذ سنوات طويلة. فاحتل المركز السابع في جدول ترتيب المسابقة، عقب الجولة الـ12 برصيد 18 نقطة فقط من 12 مباراة.

أضاع الفريق 18 نقطة كاملة من 36. ما يمثل 50% من النقاط، وهي نسبة مروعة لفريق بحجم البلوجرانا ينافس دائمًا على صدارة الترتيب. ويحتل هذا العملاق الآن المركز الخامس برصيد 24 نقطة، وهو مرشح لخسارة مركزه والعودة لسادس الترتيب في حال فوز إشبيلية بمباراته. بالإضافة لخسارته المذلة من يوفنتوس على ملعبه بثلاثية نظيفة بدوري الأبطال.

السبب الأكبر في هذه الخسائر الكبيرة للنقاط والمستوى السيء للبارسا في أغلب مباريات الليجا والخسارة أو التعادل أمام فرق ضعيفة وصاعدة ومتوسطة في الدوري الإسباني مثل قادش وألافيس وخيتافي، يعود لاعتماد كومان على لاعبين ضعاف المستوى. أغلب هؤلاء من الشباب بلا أي خبرات أو مردود إيجابي، رغم حصولهم على فرص كثيرة ودائمة. وهو أمر يثير دهشة واستغراب أغلب جماهير البارسا.

لاعبون مثل ترينكاو وبيدري وأروخو حمل مستواهم علامات استفهام عديدة. كما أن مردود نجوم كبار مثل جريزمان وبيانيتش ولينجليه وبوسكيتس، الذين يظهرون كالأشباح رغم لعبهم باستمرار من المدرب كومان، كان من بين العوامل التي أظهرت بوضوح إخفاق كومان في إيجاد توليفة جيدة لبرشلونة من اللاعبين.

فريق برشلونة - أرشيفية
فريق برشلونة – أرشيفية

هوية بعيدة عن روح برشلونة

أخيرًا، توسم الجميع في كومان خيرًا، ونظروا إليه كمن سيستعيد لبرشلونة هويته الكروية الممتعة وأسلوب “التيكي تاكا” الشهير للملهم يوهان كرويف. ذلك النجم الكبير الذي لعب تحت قيادته كومان، وحقق نجاحًا كبيرًا يـ”تيكي تيكا” طورها بعده بيب جوارديولا في حقبة تاريخية من 2007 حتى 2013، والذي كوّن نسخة مرعبة من البلوجرانا. إلا أن كومان لم يقدم نسخة شبيهة لا بكرويف أو حتى بيب. وقدم نسخة باهتة ضعيفة وهشة وبعيدة من الجانب التكتيكي والخططي عن طريقة 4-3-3 المعروفة بأسلوب الاستحواذ والتمرير الكثيف للكرات وتقديم كرة قدم جميلة وممتعة على أرضية الميدان.

من الشكل الظاهري يلعب كومان بالفعل بطريقة 4-3-3. لكن مع وظائف مختلفة وتكليفات بعيدة تمامًا عن الشكل المحبب والمعروف لتلك الطريقة. حيث يعتمد على ثنائي ارتكاز في وسط الميدان بدلاً من واحد فقط على الدائرة في حقبة جوارديولا. وذلك لتقوية الشق الدفاعي أكثر. ما أدى لتراجع مستوى بوسكيتس وعدم توافر لاعبين جيدين يقدمون الطريقة المثلى لبرشلونة والأكثر نجاعة هجومية في الوسط والأمام.

اقرأ أيضًا: حديث العالم.. تداعيات رحيل ميسي تُفجر غضب الكتالونيين

إلى خارج أسوار الكامب نو

كومان يدفع بدي يونج إلى جانب بوسكيتس وأمامه كوتينيو كصانع ألعاب وفي الأمام ميسي على اليمين وجريزمان مهاجم صريح ومعهم لاعب ثالث يختلف دائمًا من فاتي لديمبلي أو ترينكاو وبيدري وبرايثويت. وهذا التكتيك لم يؤت بثماره مطلقًا مع برشلونة نسخة كومان. وذلك رغم تغييره كل اللاعبين في كل المراكز، ولعبه بأكثر من لاعب وتجريبه ومنحه الفرصة لأغلب القائمة.

يبقى الشكل العام مع كومان بعيد كل البعد حتى عن نسخة فالفيردي ومن قبله إنريكي الأقل قوة من نسخة بيب المدمرة. صحيح أن هناك اختلاف كبير في نوعية اللاعبين لرحيل معظمهم وكبر سن المتبقي منهم. لكن المدرب لم يستطع تقديم الإضافة أو أي شيئ جديد مع هذه القائمة من اللاعبين، تجعل الجماهير تتعاطف أو تدعمه ولو بنسبة بسيطة.

فشل كومان في إدارة غرفة خلع الملابس، وأزمته مع ميسي. ثم اختياراته الغريبة للاعبين وعزوفه عن نجوم مهمين مثل سواريز وراكيتيتش. وأيضًأ عدم ضم بديل على نفس قدراتهما. ثم تغيير التكتيك والإصرار على أسلوب خططي غير ناجح ويعرقل الفريق كثيرًا. مع عدم تقديم أي بصمة ناجحة على الشكل الفني للبارسا. هذا فضلاً عن النتائج السيئة والمركز المتراجع بالدوري. كلها أمور تجعل مصير المدرب الهولندي على المحك. لاسيما مع شبح الإقالة الذي يطارده بالفترة الأخيرة مع تراجع النتائج، وربما يستمر يلاحقه حتى يطيح به خارج أسوار الكامب نو في القريب العاجل.