تعاني الحكومة المصرية من ازدواجية كبيرة في التعاطي مع المشكلة السكانية. من ناحية تعتبرها الحكومة التحدي الأول للنمو الاقتصادي الذي يأكل عوائد التنمية، بينما تعتبرها في تارة أخرى ظهيرًا للنمو في ظل تركيبة سكانية قوامها الرئيسي الشباب.
من ناحية أخرى تضع الحكومة حاليًا الاستراتيجية القومية لضبط النمو السكاني (2021 – 2023). كما تستهدف خفض معدل الإنجاب ليصل إلى (2.4) طفل لكل سيدة، بحلول عام 2030 مع تحسين الخصائص السكانية.
اقرأ أيضًا.. بين ناري الفقر والوباء.. التداعيات الاقتصادية لكورونا على القارة السمراء
خطة الحكومة المصرية للحد من الزيادة السكانية
تتضمن الخطة الحكومية تمكين السيدات في الفئة العمرية ما بين 18 و45 عامًا من العمل والاستقلالية المالية، كما توفر حاجة السيدات من وسائل تنظيم الأسرة بالمجان وللجميع.
تشي الخطة الحكومية بفكر يرى أن بقاء المرأة في المنزل أحد العوامل الأساسية للنمو السكاني. كما ترى أن خروجها للعمل يجعلها لا تمتلك رفاهية إنجاب الأطفال وتربيتهم فتكتفي باثنين فقط.
تقول هالة السعيد وزيرة التخطيط، إن الخطة الشاملة لضبط معدلات النمو السكاني تتضمن محفزات إيجابية وأخرى سلبية لضبط النمو السكاني. كما أوضحت أنها تتضمن برنامجًا لتشغيل السيدات بالمحافظات ذات الكثافة السكانية، وإعداد التشريعات المطلوبة لذلك.
اقرأ أيضًا.. “روشتة اقتصادية”.. كيف تحمي مصر اضطراب الاحتياطي النقدي؟
الحكومة المصرية: تنظيم النسل وليس تحديد النسل
وتفتح عبارة التشريعات المطلوبة التساؤلات حول إمكانية لجوء مصر لتحديد النسل وليس تنظيمه، كما فعلت دول أخرى بتحديد سياسة الطفل الواحد. القضية ستفتح جدلاً كبيًرا مع مؤسسات دينية مثل الأزهر الذي يجيز التنظيم وليس التحديد.
ووفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تبلغ نسبة خصوبة المرأة في مصر 3.4 طفل، وهو رقم لا يتوازن مع الموارد الطبيعية الاقتصادية للبلاد. بينما تشهد مصر نسبة وفيات منخفضة بفضل الرعاية الصحية، ما يؤدي لانخفاض مستوى المعيشة وعدم الشعور بنتاج النمو الاقتصادي.
الحكومة: الزيادة السكانية أحد عناصر الفقر
“نزيد 2.5 مليون في العام.. وأفضل وزير مالية في العالم لن يستطيع التعامل مع بلد تزداد بذلك الرقم”.. بتلك العبارة لخص محمد معيط وزير المالية التصور الحكومي حول المشكلة السكانية. الوزير أوضح أن الزيادة السكانية أحد عناصر الفقر، فمصر عليها أن تنمو بـ8% أي افتتاح مشروعات كل عام بالنسبة ذاتها حتى نوفر فرص عمل.
ووضعت وزاه للأسر التي تنجب طفلين فقط. على سبيل المثال لن تتمتع الأسر أصحاب الثلاثة أطفال بأي دعم تمويني أو مصروفات للتعليم. لكن تلك السياسة لم تؤت ثمارها حتى الآن وقد تنقلب لمشكلة أخطر برفع نسب التسرب من التعليم.
تصطدم التحركات الحكومية بالعادات الراسخة في قري الصعيد، الذي يعد الأكثر ارتفاعًا في معدلات الإنجاب. كما أن الصعيد لديه موروثات اجتماعية قديمة تتحمور حول العلاقة بين قوة العائلة وزيادة عدد الأطفال فيها. بالإضافة لزيادة معدلات الطلاق الذي يفتح باب الزيجة الثانية والإنجاب مجددًا في النهاية.
النموذج الياباني
تسعى الحكومة المصرية لتبني النموذج الياباني في الحد من الزيادة السكانية عبر “شغل المواطنين” بالعمل. النموذج ساهم في انخفاض مطرد في عدد السكان خاصة بالريف إلى 30%. لكن الخطوة محفوفة بالمخاطر على المدى البعيد. في النهاية قد يعاني المجتمع من الشيخوخة بعد انخفاض عدد المواليد الجدد إلى أقل من 865 ألف نسمة.
بالرجوع للنموذج الياباني الذي تسعى الحكومة لتطبقيه يتبين أن المشكلة ليست في السكان ولكن في كيفية استغلالهم كثروة بشرية. على سبيل المثال يصل عدد سكان اليابان إلى 128 مليون نسمة يعيشون على مساحة لا تتجاوز377,873 ألف كم متر، وتضع برامج لمساعدة الراغبين في الزواج من أجل الزيادة السكانية. بينما يبلغ عدد سكان مصر 100 مليون نسمة ومساحتها مليون كيلو متر مربع.
يقول الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي، إن المشكلة الأساسية للسكان تتعلق بالتوظيف، موضحًا أن الهند والصين تعدادهما بالمليارات لكن استطاعتا تحويل تلك الطاقة البشرية لدافع للنمو.
تظهر جولة سريعة بوسط القاهرة المفارقات الكبيرة للنمو السكاني بمصر وعدم استغلاله. على سبيل المثال تتضمن محال منطقة التوفيقية التجارية قدًرا كبيرًا من العمالة الأفريقية، في أنشطة لا تحتاج لخبرات أو مؤهلات. بينما كل ما تقوم به هو بيع مستلزمات صحية أو قطع غيار لمحركات المياه.
ينطبق الأمر ذاته على ورش المعادن في منطقة الشرابية بوسط القاهرة. الورش تتضمن عمالة إفريقية من تشاد ونيجريا وإثيوبيا تعمل في تقطيع المواسير وتحويلها لسقالات تستخدم في أنشطة المعمار والبناء والتشطيبات.
يضيف عبده لـ “مصر 360″، أن المشكلة في مصر هي تحول الزيادة السكانية إلى عبء بسبب عدم التوظيف الجيد لها. في النهاية أصبحت تلك الزيادة ضغطًا على سوق التعليم والعمل، بجانب الطبيعة الخاصة بالمصريين في الاستهلاك، خاصة في ظل غياب التدريب الجيد.
اقرأ أيضًا.. بلا مناهج ومأدبة إجبارية.. أغرب طرق التعليم في العالم
استراتيجية لإدارة الموارد البشرية
وتعكس دراسة للدكتور حسين بدر الشرقاوي، الحاصل على زمالة كلية الدفاع الوطني من أكاديمية ناصر العسكرية حول “الاستراتيجية المقترحة لإدارة الموارد البشرية في مصر” أن العنصر البشري يعتبر الركيزة الأساسية للنهوض والتقدم والنمو الاقتصادي.
كما تشير الدراسة إلى تأثير العنصر البشري القوي والمتعاظم نحو كافة المجالات الأخرى، وبالتالي على القدرة الشاملة للدولة. علاوة على أنها تنعكس على كافة قطاعات المجتمع، وعلى ذلك ترتبط عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ارتباطًا وثيقًا بنوعية المورد البشري ومستوى تأهيله العلمي والفني أو المهاري.
ووفقًا للدراسة فإن ذلك مرهون بناء مورد بشري مبدع لديه القدرة على الابتكار في مجتمع الصناعة والأعمال. علاوة على القدرات والمهارات التي تؤهلها للتعامل مع التطورات التقنية والتكنولوجية العالمية بما يحقق طفرة في الأداء والكفاءة الإنتاجية، وزيادة الاستثمار في رأس المال البشري في تحقيق التوظيف عن طريق التدريب.
النموذج الصيني
وعرفت الصين تلك الحقيقة جيدًا فبعدما طبقت سياسة الطفل الواحد التي هدفت للحد من النمو السكاني عام 1979، وفرضت عقوبات على المخالفين شملت دفع غرامات والطرد من الوظيفة أو مواجهة الإجهاض الإجباري أو الإخصاء، لكنها عادت بعد أربعين عامًا لتطالب المواطنين بإنجاب طفل ثانٍ تحاشيًا للتحول على نحو متسارع إلى مجتمع مسن.
بينما لجأت ألمانيا، التي تعتبر أقوى اقتصاد أوروبي، إلى فتح الباب أمام استقبال نحو مليون لاجئ لمواجهة تناقص معدلات الإنجاب التي بلغت 1.2 طفل لكل أمرأة. بينما يبلغ الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عامًا 12% من السكان بفضل المهاجرين صغار السن، بحسب تحليل لمعهد الاقتصاد الألماني.
لكن النائبة سولاف درويش، وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، قالت إن الزيادة السكانية تتسبب في العديد من المشكلات المجتمعية مثل انتشار نسب الفقر والجهل وزواج القاصرات وأطفال الشوارع وزيادة الجرائم الأسرية، مضيفة أنه يجب أن يكون هناك دور أكبر للتوعية وخاصة في القرى والمناطق الشعبية. كما أن تلك المناطق تشهد ارتفاعًا في الإنجاب، لقناعتهم بتقاليد مجتمعية ومفاهيم دينية خاطئة.
اقرأ أيضًا.. أمريكا والصين.. المنافسة لن تنتهي قريبًا
إطار تشريعي لضبط النمو السكاني
وأكدت درويش في بيان لها، أن الزيادة السكانية أحد عناصر الفقر والجهل، فيجب أن يكون هناك دور لرجال الدين لحل مثل هذه المشكلات، مطالبة بوضع إطار تشريعي وتنظيمي حاكم لضبط النمو السكاني.
ووفقًا للبيانات الحكومية فإن جزء كبير من مشكلة الفقر هو الزيادة المطردة في عدد السكان. وتظهر الأرقام أنه في عام 1999 / 2000 كانت نسبة الفقر بمصر 16.7%، وبفضل الجهود الحكومية انخفضت من 32% إلى 29.7%، ما يبين أثر الزيادة السكانية في النهاية.