عام 2020 هو عام الوباء والجائحة والخوف والموت، هو الخواء الكاسح المسبب للجدل والتراشق والمبارزة والاتهامات المتبادلة والابتزاز  والوصم، عام نفسى غائر فى السلطة الاجتماعية والفردية، غارق فى تراث مقموع يكاد أن يتصدع، يمثل عملية تفكيك للتنميط والتميز الذكورى، كأننا أمام صدى صوت قادم من أعماق الكهوف يتساءل فى حيرة ما الذي يريده النفاق والتفوق الذكورى؟ ما الذى تريده المرأة؟ ما الذى يريده الرجل؟

فى عالم ماضى المرأة مربوطة بسلسلة طويلة من الازدراء والتهميش والاحتقار الذى لا ينتج إلا تاريخا مزيفا لبطولات رجولية وهمية على أجساد النساء، هذا الخليط المشوه والمعقد للذات والمجتمع والتاريخ يحيل إلى سؤال كبير من النفود الاجتماعى والفردى الذى يشكل خطاب الهيمنة الاجتماعية الذى يتمثل فى قوانين وثقافة وممارسات، والتفاعل الظاهرى بين الرجل والمرأة، والنظرة الذكورية التى تنكر وجود وحيوات للنساء رغم أنها تحملق فيهن.

تلك النظرة التى تمتلك تميزها الثقافى والجنسى الذى يهدد مقدرات المرأة العقلية والجسدية، والسيطرة على السلطة المعرفية لها، إنها ثقافة السيطرة (المجتمع ، الدين، العائلة) التى تجعل النساء يعشن فى حالة من الذعر والابتزاز واللوم، والرجل يعيش الخوف من خسارة السلطة أو المكانة أو السمعة السياسية.

إن مطالبة النساء برفض القيود المفروضة عليهن وإعادة بناء جنسانيتهن لا يعنى انتهاك جسدهن واستغلالهن جنسيا، التحرش يعكس جريمة متكررة من العنف الجنسى ضد النساء ويسيطر على جنسانية المرأة وتصبح العلاقة هنا بين المرأة والرجل هى علاقة (الصياد-الفريسة)، لا مكان فيها للكرامة الإنسانية للأنثى ولا لاستقلالها الشخصى، لأن هذه العلاقة لاتسمح للنساء بامتلاك القدرة على التحكم والسيطرة فما يتعلق بأجسادهن، لكنها تسمح بإرضاء وهمى لفحولة الدكر وشهوانيته.

فى هذا العام على مواقع التواصل الاجتماعى انفجرت أمامنا قنبلة ضخمة تناثرت منها شهادات ضحايا/ ناجيات قررن البوح بما هو مسكوت عنه، البوح بما تعرضن له من انتهاكات و من عنف جنسى واستغلال جنسى من أشخاص يمثلون فئات مختلفة من المجتمع “مبدعون وفنانيون ومخرجي أفلام ونشطاء حقوقيين وغيرهم”، وكأن القيامة قامت ونيرانها طالت الجميع مابين مصدقا للشهادات أو طاعنا فى مصدقيتها، متعاطفا أو مشهرا بالفتيات والنساء أصحاب الشهادات، وهناك من التزم الصمت المعتم.

وأثيرت مدى نجاعة الآلية المستخدمة لمواجهة وفضح المتحرشين، وتساءل البعض هل آلية القانون والقائمين على تحقيق العادلة قادرة على إثبات وقائع  التحرش خاصة بعد تحويل بعض الضحايا من شاهدات لمتهمات عندما ذهبن للإبلاغ  وتم تهديد أسرهن وابتزازهن، والبعض الآخر تم تهدديهن من الجانى وأصحابه بإلقاء مواد حارقة على وجوهن لتشويها، مازالت الحماية القانونية غائبة، حماية المبلغين والشهود، الجدل يزداد بين أصدقاء ومعارف الطرفين(الرجل والمرأة) وينخرطون فى معركة تكسير عظام مابين متعاطف ورافض، دون أن تكون هناك وقفة حقيقية للتفكير فى آلية تتضمن للجميع الإنصاف والعدالة، بدلا من التشكيك فى مصداقية الشهادات التى جاءت من أكثر من ناجية على نفس الشخص.

إذا أردنا أن نبنى عالما جديدا مبنى على احترام كرامة الجسد خاليا من العلاقات القائمة على السيطرة والاستغلال، علاقات يكون للحب أولوية فيها، علاقات لا يدمرها الاستغلال والاستحواذ الجنسى وسوء المعاملة الجنسية، والسلوك البطريركى الدى يمارس انفصاما كاملا بين الحب والجنسانية، يجب أن نجتهد فى التفكير فى هده الآلية التى تبدو أنها صعبة المنال.