رغم محاولة دول الاحتلال تصدير صورة توحي بالاستقرار، فإن الصراع بين الأحزاب السياسية فضح الإدعاءات الإسرائيلية. إذ يعيش المجتمع العبري صراعًا داخليًا قد يطيح برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على خلفية اتهامه بالفساد. علاوة على إزاحة حزبه من المشهد السياسي وظهور أحزاب يمينية جديدة تتولى دفة الحكم.
يوم 22 الشهر الجاري، أعلن رئيس الكنيست الإسرائيلي ياريف ليفين، حلّ الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة. بينما فشلت حكومة الائتلاف في التوصل إلى حل أزمات وتحديات تواجّه الحكومة والبرلمان.
من ناحية أخرى من المقرر أن تجرى الانتخابات في مارس 2021. وهكذا تصبح هي الرابعة خلال عامين فقط، ما يشير إلى حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها دولة الاحتلال.
اقرأ أيضًا.. توجه سياسي.. “جوجل” تحذف فلسطين من الخريطة الدولية برؤية أمريكية
ماذا جرى لتندلع الأزمة؟
يقول نيري زيلبار الصحفي والباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن نتنياهو زعيم الليكود هو من سعى لإشعال فتيل الأزمة. إذ رفض الالتزام بتعهداته حسب الاتفاق المبرم مع حزب “أزرق أبيض” فيما عرف بحكومة التناوب.
ويضيف زيلبار في مقال له عبر “فورين بوليسي”، أن الاتفاق بين الحزبين كان واضحًا منذ البداية، إلا أن نتنياهو عمد إلى تغيير موقفه. على سبيل المثال نص الاتفاق على تبني ميزانية تشمل عام 2021 أي لمدة عامين، إلا أن نتنياهو قال إنه من الصعب تمرير موازنة تمتد لأكثر من عام في ظل تفشي كورونا.
من ناحية أخرى يخشى وزير دفاع دولة الاحتلال بيني جانتس، المقرر أن يتولى منصب رئيس الوزراء بعد قضاء فترة نتنياهو، من أن مساعي الأخير ليست في صالح إسرائيل. كما اعتبر الأمر محاولة للالتفاف حول تناوب السلطة بينهما. علاوة على تخوفه من تحمله وحده فاتورة كورونا ما يضع حزبه في مواجهة مع الناخبين.
كما أن أكثر ما يخشاه “جانتس” أن يقع في “حسبة برمة” عقب تسلمه السلطة. علاوة على أن يحمل وحده مسئولية فشل الإدارة الحالية في مواجهة أزمة كورونا، بحسب زيلبار.
وحسب جانتس، فأن جلسة مطولة جمعت بين أعضاء الكنيست لمناقشة أزمة ميزانية 2020 -2021، أصر خلالها على ضرورة المصادقة على الميزانية كاملة، وألا يتحمل هو فاتورة حزب الليكود. كما شدد جانتس على ضرورة العمل لسد ثغرات قد تعطل تسليم السلطة ضمن اتفاق التناوب.
اقرأ أيضًا.. العرب الأفارقة.. قطار التطبيع يطرق أبواب 5 دول
“حكومة التناوب”
في مايو الماضي، صادق الكنيست على قانون “التناوب” في السلطة الحالية. حيث يتيح القانون تشكيل حكومة يتناوب فيها نتنياهو، على رئاستها مع زعيم حزب “أزرق أبيض” بيني جانتس.
وبموجب اتفاق الحزبين، يترأس نتنياهو الحكومة 18 شهرًا، على أن يتولى خلالها جانتس منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، قبل أن يترأس الأخير بدوره الحكومة 18 شهرًا أخرى.
إلا أنه خلال الفترة الماضية وجهت اتهامات لنتنياهو على خلفية قضايا فساد. كما اعتبر فاشلًا في مواجهة جائحة كورونا. علاوة على إلقاء الأزمة الاقتصادية على عاتق جانتس، ما أجج الخلاف بين الحزبين وساهم في تسريع فض الائتلاف.
فساد نتنياهو
من ناحية أخرى يواجه نتنياهو تهم فساد متنوعة ما بين اتهامات بتلقي رشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ما يهدد مستقبل زعيم الليكود رغم محاولته التلويح بحالة من الفوضى التشريعية. الصحيفة الجنائية لرئيس الوزراء، تضم 3 قضايا رئيسية يجري حاليًا التحقيق فيها حاليًا.
أولها القضية “4000” التي تسبب أرقًا لنتنياهو. إذ وجهت إليه اتهامات بتقديم مجاملات تصل إلى 500 مليون دولار إلى شركة بيزيك الإسرائيلية للاتصالات. وبحسب الإدعاء فإن رئيس الوزراء طلب ما وصفوه بالتغطية الإيجابية لنفسه وزوجته على أحد المواقع الإخبارية التي يمتلكها شاؤول إلوفيتش الرئيس السابق للشركة.
كما شملت الصحيفة الجنائية، ما عرف إعلاميًا بقضية الهداية والتي تحمل رقم “1000” وتتضمن اتهامات تفيد بأن نتنياهو حصل هو وزوجته على هدايا بقيمة 400 ألف دولار.
أما الثالثة برقم “2000” فتتهمه بالتفاوض على صفقة مع أرنون موزيس صاحب جريدة يديعوت أحرونوت لتحسين صورته، على أن يعمل هو على تعطيل مشروع قانون من شأنه أن يمنح جريدة منافسة لها تصريحًا بالعمل.
اقرأ أيضًا.. التطبيع مع العرب ومكافحة إيران.. نتنياهو يستحضر القضية الفلسطينية بعد السلام الإماراتي
مجازفة وتحدي
وبحسب قانون دولة الاحتلال، فإن اتهامات الرشوة تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات. علاوة على غرامة حسبما يرى القاضي، أو أي منهما. أما عقوبة الاحتيال وخيانة الأمانة فتصل عقوبتها إلى السجن 3 سنوات دون غرامة.
ويرى محللون أنه من المستبعد أن يسجن نتنياهو، إذ أن هذا النوع من المحاكمات يستمر لسنوات. كما أن العادة جرت على إبرام صفقات مع الإدعاء من شأنها أن تقف عائقًا أمام استكمال المحاكمة.
في النهاية يواجه نتنياهو غضبًا شعبيًا على خلفية فشله في التعامل مع جائحة كورونا، فضلًا عن سياسته الخارجية التي واجهت اعتراضًا من حزب الليكود نفسه. إذ أعلن جدعون ساعر استعداده للإطاحة بنتنياهو على خلفية عدد من الملفات التي أخفق في إدارتها.
من هو المنافس الجديد؟
ساعر من مواليد تل أبيب 9 ديسمبر الأول 1966، وهو من أصول أرجنتينية. إنخرط في الخدمة بجيش الاحتلال منذ عام 1984 حيث كان مقاتلًا في لواء النخبة للمشاة “جولاني”، ثم ضابطًا بالاستخبارات العسكرية. علاوة على أن مسيرته في العمل السياسي جعلت منه تهديدًا واضحًا لـ”نتنياهو” صاحب الـ70 عامًا.
عمل ساعر في الصحافة والإعلام، فضلًا عن منصب مساعد المدعية العامة للدولة، فضلًا عن عمله مساعدًا للمستشار القانوني للحكومة، وتولى حقبة الداخلية والتربية والتعليم.
وفجأة وفي خضم بزوغ نجمه أعلن اعتزاله الحياة السياسية مؤقتا عام 2014 للتفرغ لحياته الخاصة، ومنح نفسه راحة من العمل العام.
لكن في عام 2019 أعلن عودته إلى الحياة الحزبية مجددًا واعتزامه الانشقاق عن الليكود وتدشين حزب جديد يحمل اسم “أمل جديد” – تيكفا حدشا – لخوض الانتخابات المقبلة والإطاحة بنتنياهو من سدة الحكم على أن يتم الإبقاء على معسكر اليمين.
ونجح ساعر خلال الفترة الماضية في جذب المزيد من المقاعد من حزب الليكود إلى حزبه الوليد. على سبيل المثال انضم إليه الوزير زئيف إيليكن، وشيران هسكل، وميخال شير، ويفعات بيطون، اللاتي انشققن عن الليكود وتمردن على نتنياهو.
ويطرح المراقبون سؤالًا عن ما يحدث في الداخل الإسرائيلي، فهل يستطيع نتنياهو مواجهة حزبي “أمل جديد” من جهة و”أزرق أبيض” من جهة أخرى.