أثار قرار البابا تواضروس الثاني الأخير حول حضور قداس عيد الميلاد المجيد غضبًا كبيرًا بين جموع الأقباط. وذلك بعد أن حدد عدد الحضور بـ 20 شخصًا في كل كنيسة. الأمر الذي وصفه كثيرون بـ”غير العادل”، ويفتح بابًا للمحسوبية في اختيار هؤلاء الذين وصفهم منتقدو القرار ساخرين بـ”العشرون المبشرون بقداس العيد”.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي شهدت مجموعات المسيحيين سجالات مختلفة حول جدوى القرار في ظل أزمة فيروس كورونا الأخذة في الصعود. إذ التمس البعض للقيادة الكنسية عذر محاولة الحفاظ على المواطنين من تفشي المرض، بينما رأى آخرون في هذا الإجراء ضررًا نفسيًا على هؤلاء الذين سيلتزمون بالبقاء في منازلهم يشاهدون القداس من موقع المتفرج. وهو أمر يخلق حالة من الحقد والضغينة تجاه من تمت دعوتهم للمشاركة، وفق فريق ثالث.
حيرة لكهنة الكنائس في تحديد الآلية
ردود الفعل السلبية كان من بين أسبابها غياب معالم آلية الاختيار. إذ قال القمص بولس حليم المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إن على “كل كنيسة أن تحدد هذه الآلية حسب رؤيتها”. وهو رد وضع كهنة كل كنيسة في مواجهة أبناء كنيستهم. ويتجلى المأزق هنا في أنه على الرغم من صدور القرار قبل يومين. وهو وقت كاف إلى حد ما لوضع الآلية، لم تحدد الآلية بعد، وفق ما صرح به القمص إبرام إميل، وكيل بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالإسكندرية، لـ”مصر 360″.
ما أكده وكيل بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالإسكندرية يعكس حال أغلب الكنائس في الإسكندرية والقاهرة.
ورغم ما كشفه لنا أكثر من كاهن حول استقرارهم على أن يكون هؤلاء الأشخاص العشرون من “الشمامسة”، يبقى السؤال حول كيفية اختيار 20 فقط من بين مئات الشمامسة في كل كنيسة.
ويدور التفكير في الوقت الراهن على آلية أسبقية الحجز عبر التسجيل إلكترونيًا لإضفاء الشفافية. فيما يرى آخرون أن الاختيار يجب أن يكون من قبل الكهنة أنفسهم ولصالح أبناء “خورس الشمامسة” أي الذين يحضرون فعليًا في أغلب قداسات السنة.
اقرأ أيضًا: أفراح بطعم الجائحة.. كيف قضى كاثوليك مصر ليلة الميلاد المجيد؟
القرعة هي الحل
مع تلك الحيرة في عقول رعاة الكنائس، تجلى أبرز الحلول المقترحة من مسؤولي كنيسة القديسة دميانة بمنطقة الورديان – غرب الإسكندرية. والذين أعلنوا عن آلية اختيارهم للعدد المحدد عبر نظام القرعة. الأمر الذي قوبل بالإشادة من البعض، وبالسخرية من بعض آخر وصفوا هذه الآلية بـ”القرعة الهيكلية”. وهي القرعة التي تتم لاختيار البطريرك.
ويكشف القس ميخائيل جميل، راعي الكنيسة، عن تفاصيل القرعة وطريقة إجراؤها، فيقول إن الراغب في الحضور عليه إسال اسمه عبر موقع الكنيسة، ومن ثم تتم القرعة إلكترونيًا حسب الرقم المسلسل. على أن يتم تصويرها “فيديو” لإضفاء الشفافية، ويعقبها التواصل مع المختارين لتأكيد الحضور.
ويضيف راعي الكنيسة، لـ”مصر 360″، أنهم اعتمدوا تلك الآلية لكونها “مريحة نفسيًا للناس”، على حد قوله. ويؤكد أنها ليست المرة الأولى التي تقوم بها الكنيسة بنظام القرعة خلال تلك الفترة. وذلك لضمان عدم المحاباة.
وردًا على السخرية التي طالت الفكرة، فإنه برى ان القرعة نظامًا معترف به منذ القِدم. ويستدل بذلك على ظهورها أيام يونان النبي، حين لم تكن هيكلية. كما يؤكد أن القرعة نظام ينفذه الناس لضمان الحيادية في الاختيار، وأن القرعة الهيكلية لا يتم استخدامها إلا في حالة اختيار الأب البطريرك. ويستكمل: “أما السخرية فدائمًا أي شخص مش عاجبه حاجة بيحاول يسخر منها”.
حيثيات القرار
في ظل محاولات كهنة الكنائس الوصول إلى أصوب إجراء، كان لابد من التواصل مع القمص بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، للسؤال عن حيثيات ذلك القرار الأخير. إذ أكد أن قرار اقتصار صلوات القداسات على 20 شخصًا فقط في العيد هو “صعب للغاية”. لكنه يأتي في ظل وضع راهن غاية في الخطورة، مضيفًا -في حديثه لـ”مصر 360″- أن الحكمة تقتضي أن تتخذ القيادة الكنسية مثل هذه القرارات الصعبة حفاظًا على أبنائها.
أيضًا أشار المتحدث باسم الكنيسة إلى القرار الحالي بأنه شهد توسعًا عما سبقه من قرار عيد القيامة، الذي اقتصر حضور قداسه على الكهنة و2 من المرتلين. مؤكدًا على أن كل كنيسة ستتخذ الآلية الأصلح لاختيار هؤلاء العشرين، وفقًا لرؤية الكهنة وطبيعة أبناء كنيستهم.
باحث قبطي: قرار يجب أن يكون محل تقدير لا انتقاد
يشيد كريم كمال، الباحث في الشأن القبطي ورئيس الاتحاد العام لأقباط من أجل الوطن، بقرار البابا الأخير، ويراه “صائبًا جدًا”. ويضيف -مصرحًا لـ”مصر 360″- أنه لم يكن أمام البابا إلا إصدار مثل هذا القرار في ظل زيادة معدلات الإصابة بمحافظتي القاهرة والإسكندرية بشكل خاص، ووفاة وإصابة عدد من الكهنة خلال الفترة الماضية.
وعن تحديد عدد الحضور بعشرين شخصًا فقط، يوضح كمال أنهم في الأغلب سيكونون من الشمامسة. ويضيف: “من غير المعقول أن تتم صلاة قداس العيد وإذاعتها على القنوات أو صفحات الكنائس ويوتيوب بكاهن واثنين من الشمامسة فقط”. ولذلك فإنه يرى قرار تحديد العدد بعشرين فرد يتيح لكل كنيسة الاستعانة بخورس كامل من الشمامسة يليق بالمناسبة.
ويضيف كريم أنه بالنظر لما يمر به العالم حاليًا من ظروف استثنائية وتفشي لـفيروس كورونا، كان لابد لقرار الكنيسة أن يكون محل تقدير وليس محل انتقاد. لأن وجود أعداد كبيرة لفترة طويلة داخل مكان مغلق قد يصبح سببًا أساسيًا في تزايد الإصابات.
حلول أخرى
إلى ذلك، ينصح كمال فيما يتعلق بآلية الاختيار، أن يكون العشرون جميعهم من الشمامسة. ويعلل ذلك بالقول: “لأن اختيار شخص غير شماس لحضور هذا القداس دون باقي أفراد الشعب سيثير الانتقاد”. وهو يرى أن الأولى بالحضور هم هؤلاء الذين يواظبون على الخدمة بشكل دائم، وحتى نبتعد عن فكرة الأهواء الشخصية.
ويقترح كمال على الكنائس التي بها عدد كبير من الشمامسة، إقامة أكثر من قداس يوم العيد على مذابح الكنيسة المختلفة. بحيث يكون عدد الشمامسة في كل قداس عشرين فردًا. ويلفت إلى أن أغلب الكنائس الكبيرة يوجد بها عدد من المذابح في أدوار وقاعات مختلفة، وكل مكان قائم بذاته كأنه كنيسة مستقلة. بينما يمكن أيضًا إقامة قداسين في أوقات مختلفة لو المذابح إلى جانب بعضها، على حد قوله، مضيفًا أن هذا الاقتراح لا يتناقض مع قرار البابا.