أيام قليلة هي ما تبقى من عام ثقيل، شهده العمال في مصر. خاصة مع تفشي جائحة كورونا، التي زادت من معاناتهم بتخفيض للرواتب، وتسريح وفصل وتشريد طال كثير منهم، ومحاولات لتصفية ما تبقى من شركات قطاع الأعمال العام. فضلاً عن أحكام بالسجن وصلت للمؤبد لقيادات عمالية عقابًا على تصديهم لهذه الإجراءات.
إضرابات واعتصامات
واجه العمال الهجوم على حقوقهم الاقتصادية، ومحاولات تصفية شركاتهم خلال العام 2020، بموجة من الاحتجاجات “رغم التضييق الكبير على حرية التعبير”. فبحسب تقرير أصدرته “منصة العدالة الاجتماعية“، شهد النصف الأول من العام، 105 احتجاجات عمالية، ما بين إضراب واعتصام وتظاهرة.
ولم يكن قد مر أكثر من شهر على بداية عام 2020، حتى أعلن عمال شركة طنطا للكتان، الإضراب عن العمل مطالبين، بتثبيتهم وتفعيل عقود العمل الدائمة، التي كانت الشركة قد أبرمتها معهم. وذلك بعد صدور حكم قضائي في عام 2011، بعودة الشركة إلى ملكية الدولة، وبطلان عقد بيع الشركة. الحكم الذي تم الطعن عليه، قبل أن تقضي المحكمة الإدارية العليا بتأييد الحكم وعودة الشركة للدولة في عام 2013.
في الأسبوع الأول من مارس الماضي، دخل عمال الشركة المصرية للغزل والنسيج بمدينة السادات، في إضراب عن العمل. وطالبوا بصرف العلاوة الدورية والاجتماعية، التي لم تكن تصرف، بحسب العمال، منذ ثلاث سنوات. وطلب العاملون من العضو المنتدب زيادة المرتبات بواقع 200 جنيه، فرفض، واتخذ قرارًا بإغلاق الشركة ومنح العاملين إجازة إجبارية لمدة ثلاثة أيام. وهو ما رفضه العمال الذين قرروا الاعتصام حتى تحقيق مطالبهم.
إحداها نجح في انتزاع الحقوق
هذا الاعتصام نجح في انتزاع مطالب العمال، حيث وافقت الإدارة على صرف الزيادة المطلوبة بواقع 200 جنيه لكل عامل شهريًا. وذلك مقابل فض العمال اعتصامهم، وتحرير اتفاق مكتوب مع الإدارة بحضور ممثلين عن وزارة القوى العاملة.
في الثاني والعشرين من شهر يونيو، دخل عمال فندق “جراند نايل تاور” (جراند حياة سابقًا) والمملوك للشركة المصرية السعودية للتنمية السياحية في اعتصام مفتوح داخل الفندق. وذلك احتجاجًا على عدم صرف الإدارة لرواتبهم عن شهري أبريل ومايو. وأيضًا اعتراضًا على ما وصفه العمال بمحاولة استغلال الإدارة لأزمة “كورونا” في تخفيض أجور العاملين. وخلال احتجاجهم طالبوا بتثبيت العاملين الذين أمضوا ثمانية أعوام من العمل داخل الفندق.
وفي الشهر نفسه، دخل عمال “شركة سيتكور للغزل” بمدينة برج العرب الصناعية في الإسكندرية، في اعتصام بمقر الشركة. وكان هذا الاعتصام للمطالبة بحقوق مالية وإعادة تشغيل الشركة المتوقفة، التي أصدرت الإدارة قرارًا بإغلاقها بحجة كورونا وتدهور الظروف الاقتصادية. وهو ما وصفه العمال بمحاولات تصفية الشركة وتشريدهم.
النصف الثاني من العام.. ولا تزال الاحتجاجات مستمرة
رغم عدم صدور أي تقارير من المنظمات المعنية بأحوال العمال عن النصف الثاني من العام 2020 بعد، فإن بعض التقارير الصحفية رغم قلتها والبيانات التضامنية التي صدرت عن عدد من المنظمات من بينها “دار الخدمات النقابية” و”تعاونية الدعم العمالي” تخبر بأن النصف الثاني من العام قد شهد نشاطًا في الاحتجاجات العمالية قد يفوق النصف الأول. خاصة الاحتجاج على تصفية شركات قطاع الأعمال العام، إضافة إلى الاحتجاجات في شركات القطاع الخاص.
ففي شهر يوليو دخل 200 عامل بشركة النيل للمواد العازلة بالمكس بالإسكندرية. في اعتصام مفتوح احتجاجًا على تجاهل إدارة الشركة لصرف حقوقهم في الأرباح، وضم العاملين الجُدد لمنظومة الرعاية الصحية. حيث أنهم من عمال الإنتاج، وترتفع وسطهم حالات الإصابة بأمراض الدوالي والغضروف. بالإضافة إلى المخاطر الشديدة التي يتعرض لها العمال جرَّاء التعامل مع مشتقات المواد البترولية.
والشركة مساهمة مصرية يديرها رجل الأعمال هشام البنهاوي، وتتبع لشركة الإسكندرية للمواد البترولية المتخصصة،
أيضًا في يوليو نظم عمال شركة شرق الدلتا للنقل والسياحة، إضرابًا عن العمل، احتجاجًا على قرار وزير قطاع الأعمال بوقف صرف الأرباح الشهرية (الأجر المُكمل)، وعدم صرف أي علاوات منذ عام 2014. واستمر الإضراب حتى شهر أغسطس قبل أن يقرر العمال فضه، بعد وعد من عضو مجلس إدارة الشركة “طارق شحتة” برفع المرتبات والنظر في تطبيق الحد الأدنى للأجور، وصرف نصف شهر فورًا عقب انتهاء الإضراب.
في مواجهة التصفية
خلال شهر أغسطس، نظم عمال فندق “مريديان هليوبوليس”، عددًا من الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات، بعد موافقة الجمعية العمومية غير العادية لشركة الوطنية للإسكان للنقابات المهنية، المالكة للفندق في جلستها يوم 22 يوليو 2020، على تعديل شروط برنامج سداد قيمة صفقة بيع فندق “مريديان هليوبوليس”، لشركة “إيمكس إنترناشونال” مقابل 605 مليون جنيه.
اقرأ أيضًا: حقوق العمال: بيع “مريديان هليوبوليس” تشريد الموظفين لصالح المشتري
وفي الأول من شهر ديسمبر دخل عمال شركة الدلتا للأسمدة والصناعات الكيماوية بطلخا في محافظة الدقهلية، والتابعة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية، في اعتصام بمقر الشركة. وذلك رفضًا لما وصفوه بـ”محاولات تصفية الشركة” و”تشريد” 2500 عامل. فضلاً عن طرد مئات الأسر من عمال المعاش، الساكنين بالمدينة السكنية التابعة للشركة منذ سنوات طويلة.
اعتصام بالأسر بحثًا عن بديل مضمون
المعتصمون الذين اصطحبوا أسرهم خلال الاعتصام، نصبوا عددًا من الخيام للمبيت في مقر الشركة. كما نظموا خلال أيام الاعتصام وقفات ضمت آلاف من العمال وأسرهم. ولا يزال العمال يواصلون اعتصامهم حتى كتابة هذا التقرير.
لحق عمال “غزل كفر الدوار وصباغي البيضا”، بعمال “الدلتا للأسمدة”، حيث أعلنوا السبت 26 ديسمبر، اعتصامهم داخل الشركة احتجاجًا على أنباء تم تداولها حول صدور قرار بهدم الشركة والمساكن المحيطة بها لبناء مساكن “بشاير الخير”.
وبحسب بيان صادر عن “دار الخدمات النقابية”، قال بعض العمال: “سمعنا شائعات ترددت أن المساكن الجديدة ستكون تعويضًا للمتضررين من قرارات الإزالة التي ستصدر للمنازل والقرى الواقعة على خط الخمسين الخاص بمحور المحمودية”. وهو أحد مشروعات الدولة لتطوير الطرق السريعة.
وأشار البيان إلى رفض العمال لأي تصريحات خاصة بالهدم أو التسريح وتصفية الشركة، إلا بتوفير بديل مضمون وتعويض ملائم لهم سواء بتوفير وظائف بديلة للشباب من العمال أو تعويض مناسب لعدد سنوات الخدمة وتوفير معاش ثابت للعاملين.
إجازات كورونا الإجبارية وخفض الرواتب
يشير تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بعنوان “أثر كورونا على الأسر المصرية” إلى أن 62% من المشتغلين تأثروا سلبيًا جراء تداعيات كورونا. حيث اضطر 26% منهم إلى خسارة وظائفهم، بشكل نهائي، فيما سُجل 56% منهم يعملون أيام عمل أقل أو ساعات عمل أقل. وبات نحو 18% يعملون عملًا بشكل متقطع. وبشكل عام تشير الدراسة إلى أن 74% من المشتغلين انخفضت دخولهم منذ ظهور كورونا.
فعقب تفشي كورونا، أعلنت إدارة “شركة سيتكور للغزل” بمدينة برج العرب الصناعية بالإسكندرية وقف العمل، بحجة تدهور الوضع الاقتصادي. ما وصفه العمال بمحاولات استغلال أزمة كورونا من أجل تصفية الشركة وتشريدهم، رغم تحقيق أرباح خلال الأعوام السابقة. لكن إدارة الشركة واصلت تعنتها وقررت إيقاف العمل ومنح العاملين أجرًا شهريًا أقل من 30% من الأجر الذي كانوا يتقاضونه قبل التوقف.
كما منعت إدارة شركة “الإسكندرية للملابس الجاهزة: بمدينة برج العرب يوم 30 أبريل، نحو 500 عامل من الدخول إلى المصنع ومباشرة عملهم، ومنحتهم إجازة إجبارية. وذلك في الوقت الذي قال العمال إنهم سمعوا أنباءً عن تخفيضات في الأجور. وقد توجه العمال إلى مكتب العمل ببرج العرب الذي أرسل موظفيه إلى الشركة لبيان الأمر ففوجئوا بمنعهم أيضًا من الدخول وحرروا محضرًا بالمنع، بحسب بيان أصدرته آنذاك “دار الخدمات النقابية”.
فصل تعسفي دون أسباب
إدارة شركة “ماريدايف للخدمات الملاحية والبترولية” بالإسكندرية كانت أيضًا من بين الإدارات التي قررت فصل 21 من عمالها دون إبداء أسباب. حيث فوجئ العمال بأن الإدارة تبلغهم بالاستغناء عنهم مع منحهم مستحقاتهم المالية على أقساط غير محددة المُدة. وهي نصف شهر عن الخمس سنوات الأولى، وشهر عن كل سنة خدمة من المدة المتبقية لكل عامل. الأمر الذي رفضه العمال وحرروا محضر إثبات حالة بقسم أول الرمل بالإسكندرية. وقال بعض العمال إن الشركة تحججت بأنها اتخذت هذا الإجراء لتوقف العمل وعدم وجود موارد بالشركة تستطيع من خلالها دفع أجور ومستحقات العاملين الشهرية.
وفي شهر يوليو، اتخذت إدارة المجموعة الدولية للدهانات الحديثة “شركة ميدو للبويات” بمدينة برج العرب بالإسكندرية، قرارًا بفصل 35 عاملاً فصلاً تعسفيًا دون أسباب واضحة.
قبلها أقدمت إدارة الشركة، بحسب العمال، على خصم كافة البدلات والحوافز بما فيها بدلات طبيعة العمل والوجبة. ثم خصم 15% من الأجر الأساسي للعاملين. وأضاف العمال في الشكوى رقم 2526224 التي تقدموا بها لمكتب العمل، أن قرارات الشركة بخصم البدلات وتخفيض الأجر الأساسي وتسريح عدد من العمال جاءت رغم أن الشركة تعمل بكامل طاقتها ولم تغلق يومًا واحدًا ولم تنخفض مبيعاتها.
وفي شهر يونيو اتخذت شركة “سيتكور للغزل” بمدينة برج العرب بالإسكندرية قرارًا بتخفيض أجور العاملين بنسبة 50% من الأجر الأساسي. وهو ما وصفه العمال بأنه محاولة لإجبارهم على ترك العمل والموافقة علي الخروج إلى المعاش المبكر لتصفية الشركة وتسريح العمال والتهرب من صرف مكافأة نهاية الخدمة كما نص عليها القانون.
فصل للقيادات وأحكام بالمؤبد
شهد العام 2020 العديد من حالات الفصل لقيادات عمالية على خلفية الاحتجاجات. كما تم إلقاء القبض على قيادات بعد تقديم إدارات الشركات بلاغات ضدهم تتهمهم بتعطيل العمل والتخريب. وصدرت أحكام ضد عدد من العمال على خلفية هذه الاتهامات وصل بعضها للسجن المؤبد.
ففي السادس من سبتمبر 2020 ألقت قوات أمن المنوفية القبض على عدد من العاملين بشركة “مصر للغزل والنسيج “بشبين الكوم. وذلك على خلفية تنظيم العمال وقفة احتجاجية أمام مبنى الإدارة للمطالبة بحقوق مالية امتنعت إدارة الشركة عن أدائها خلال أشهر مايو ويوليو وأغسطس. كما أصدرت الإدارة قرارات بإيقاف وفصل 15عاملاً، ممن قالت إنهم حرضوا على الإضراب وتعطيل العمل.
وفي 30 يناير، أصدر رئيس الجهاز التنفيذي للهيئة العامة لتعليم الكبار، قرارًا بفصل أحمد عبد المرضي رئيس اللجنة النقابية (المستقلة) للعاملين بهيئة تعليم الكبار، بحجة انقطاعه عن العمل. وذكر القرار أنه لا يحق لرئيس النقابة التفرغ للعمل النقابي. وبناءً عليه تم احتساب مدة تفرغه اعتبارًا من 23/8/2019 انقطاعًا عن العمل، وإنهاء خدمته.
وقالت “دار الخدمات النقابية”، في بيان وقتها، إن القرار فيه مخالفة لقانون المنظمات النقابية وحماية الحق في التنظيم النقابي رقم 213 لسنة 2017 وتعديلاته. فالمادة 49 تنص على أنه “لمجلس إدارة المنظمة النقابية العمالية أن يقرر تفرغ عضو، أو أكثر من أعضاء مجلس الإدارة للقيام بالنشاط النقابي. وذلك في نطاق العدد، والشروط، والأوضاع التي تحددها اللائحة التنفيذية للقانون. ويلتزم صاحب العمل بتنفيذ قرار التفرغ الصادر وفقًا لما تقدم”.
وفي حكم قاس، قضت محكمة جنايات دمنهور، غيابيًا، بمعاقبة 20 من عمال مصنع غزل كفر الدوار وصباغي البيضا، بالسجن مدد تتراوح بين 10 سنوات و25 سنة. وذلك على خلفية احتجاجهم على تأخر راتب شهر مارس، والمطالبة بتوفير خامات لتشغيل الشركة، في 15 أبريل الماضي.
انتقادات نقابية للتشريعات
كانت التعديلات التشريعية التي شهدها 2020 وأقرها البرلمان المصري، محل انتقاد نقابيين كثر، رأوا أنها تمهد الطريق لتصفية وبيع شركات قطاع الأعمال العام. وكان من بين تلك التشريعات، تعديل بعض أحكام قانون قطاع الأعمال رقم 203 لسنة 1991، التي ركزت على تشكيل مجالس إدارات شركات قطاع الأعمال ونسب التمثيل داخلها، ومن لهم الحق في وضع اللوائح الداخلية لتلك الشركات، وطُرق عزل مجالس الإدارات والمنوط بعزلها، ما حرم العمال من المشاركة الفعلية في إدارة شركاتهم، إضافة لمواد متعلقة بتصفية الشركات الخاسرة.