حينما ظهرت أول حالة لفيروس كورونا في الصين أصيب العالم بالزكام. توقفت سلاسل الإمداد الصناعية، بينما عجزت الدول الكبرى عن الوفاء باحتياجاتها من المستلزمات الصحية الأساسية، عرف العالم وقتها أن الصين بالفعل مصنع الكوكب.
من ناحية أخرى كثرت الخطط والتكهنات حول نقل خطوط الإنتاج من الصين للمكسيك أو البرازيل. بينما لم يحدث أي منها على أرض الواقع حتى الآن. تزايدت عضلات المارد الصيني وشكّل تكتلات ليصبح مركز الكون الاقتصادي. في النهاية بات على بعد خطوة واحدة من إزاحة “أمريكا المنهكة” من مركز الصدارة.
اقرأ أيضًا.. “الصينوفوبيا”.. كيف أدى كورونا إلى تفشي “رُهاب الصين”؟
الصين أكبر اقتصاد في العالم
بناء على ذلك يتوقع مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال “سي إي بي آر”، أن تصبح بكين أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2028، متفوقة على الولايات المتحدة. مخالفة التوقعات التي رجحت أن تصل الصين لتلك المكانة عام 2033، وهو إنجاز كبير في بلد وباء كورونا.
كان من المتوقع أن يبلغ متوسط نمو اقتصاد الصين 5.7% سنويًا ما بين عامي 2021 و2025 قبل أن ينخفض إلى 4.5 % سنويًا من 2026 إلى 2030. بينما كان من المرجح أن يتباطأ نمو الولايات المتحدة إلى 1.9% سنويًا بين 2022 و2024، ثم إلى 1.6% بعد ذلك، لتصبح الصين على بعد خطوة من حدث تنتظره بشغف.
اقرأ أيضًا.. أمريكا والصين.. المنافسة لن تنتهي قريبًا
وركز المركز البريطاني على نقطة الناتج المحلي فقط بينما أغفل نقطة تعادل القوة الشرائية أحد المقاييس ذات التقدير عالميًا، والتي تشير إلى أن الصين تجاوزت أمريكا اقتصاديًا في 2020.
لكن الصين ينقصها فقط إسقاط الهيمنة الأمريكية على المؤسسات البحثية ومؤسسات التصنيف الائتماني لتتربع على اقتصاد العالم، بحسب المركز.
القوة الشرائية هي مقدار السلع والخدمات التي يمكن شرائها والحصول عليها من خلال دفع وحدة أو عملة نقدية واحدة. بينما تعادل القوة الشرائية استخدام السلعة أو الخدمة التي يتم بيعها في أكثر من دولة، لتحديد الفرق في أسعار عملات تلك الدول.
24 تريليون حجم اقتصاد الصين في 2020
ووفقًا لمؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، فإن حجم اقتصاد الصين بنهاية سبتمبر 2020 وصل إلى 24.2 تريليون دولار أمريكي. بينما وصل الاقتصاد الأمريكي إلى 20.8 تريليون دولار، ما يجعل هيمنة الأخيرة على العالم لقرابة 40 عامًا على وشك الانتهاء.
تمثل المعدلات التي تسجلها الصين قصة نجاح سريعة لدولة لم تكن مذكورة بين أكبر 10 اقتصاديات حتى عام 1990، بعدما سجلت على مدار 3 عقود نمو سنوي تخطى 10%. علاوة على رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي إلى ما يقارب 8000 دولار أمريكي.
لجأت الصين إلى سلاح التكتلات لمواجهة تخوف القوى العالمية من تصاعدها المستمر على كافة المستويات، وضمت 15 دولة في أكبر اتفاق للتجارة الحرة على مستوى العالم. الخطوة ظاهرها التعاون وتعزيز النمو ما بعد حقبة “كورونا”، لكن باطنها تعزيز نفوذ بكين عالميًا.
اقرأ أيضًا.. “النقد الدولي”: “جائحة كورونا ” أسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية
مبادرات مستمرة
تواصل الصين الإنفاق ببذخ على مبادرة “الحزام والطريق” الذي يتضمن إحياء “طريق الحرير”. وقعت حتى الآن 126 دولة و29 منظمة عالمية على وثائق للتعاون في المشروع، الذي يبلغ إجمالي قيمته 3.67 تريليون دولار.
ووفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية، تطور الاستثمار الصيني في الخارج بشكل سريع. بناء على ذلك من المتوقع أن يصل حجمه إلى 740 مليار دولار أمريكي، بمتوسط سنوي 148 مليار دولار أمريكي، لتحتل مرتبة بين المراكز الثلاثة الأولى في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر.
بينما لا تبشر الأرقام الصادرة من أمريكا بخير، فعجز الموازنة الأمريكية يناهز 4 تريليونات دولار، والبنك المركزي يطبع كميات خيالية من الدولارات غير المغطاة.
من ناحية أخرى ارتفع حجم السيولة النقدية (الدولارات المتداولة) بمقدار 2.8 تريليون دولار، لتصل إلى 7 تريليون دولار، ما ينذر بتضخم مفرط ومستقبل شبيه بالدول الصغيرة التي تئن من الديون.
ووفقًا لوكالة بلومبرج، فإن جائحة فيروس كورونا ستحدث تحولاً في نمو الاقتصاد العالمي، متوقعة أن تزيد مساهمة الصين في إجمالي النمو الاقتصادي للعالم من 26.8% خلال 2021 إلى27.7% خلال 5 سنوات. كذلك من المرجح في 2021 زيادة المساهمة الصينية في النمو العالمي بمقدار 15 نقطة مئوية عن “الأمريكية”.
تقول بلومبرج إن الصين ربما تكون الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي يحقق نموًا على مستوى كل دول العالم.
على سبيل المثال تشير البيانات الجديدة إلى أن الناتج الصناعي الصيني ارتفع 7% في نوفمبر عن العام السابق، وارتفع الاستثمار في الأصول الثابتة 2.6% في أول 11 شهرًا من 2020، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. بينما يعتبر الارتفاع القوي بنسبة 5% في مبيعات التجزئة مقارنة بالعام الماضي مشجعًا بشكل خاص، لتأخر المستهلكين في التعافي من الجائحة.
اقرأ أيضًا.. الغرب والصين في إفريقيا.. حرب باردة أم إسقاط في “فخ الديون” ؟
حرب تجارية فاشلة
من ناحية أخرى يجمع الاقتصاديون على مستوى العالم بأن الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دوناد ترامب ضد الصين كان هدفها عرقلة النمو الصيني في النهاية. الحرب بدأت بفرض رسوم بقيمة 25% على قائمة من 1300 سلعة صينية تستورد منها الولايات المتحدة سنويًا ما قيمته 50 مليار دولار تقريبًا. قبل أن ترد الصين بفرض النسبة ذاتها على قائمة بـ106 سلع أمريكية تستوردها الصين سنويًا ما أظهر التكافؤ الاقتصادي والندية بين الدولتين.
لم تكتف بكين بذلك بل لجأت إلى آلية فض النزاع التابعة لمنظمة التجارة العالمية. كما اتهمت واشنطن بانتهاك اتفاقية التعريفة الجمركية (الجات)، ما يعد هزيمة خطيرة للولايات المتحدة. كما اعتبره مراقبون إساءة لسمعتها عالميًا بعد أن رفضت الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية التي دفعت هي أساسًا لإنشائها.
وعلى الصعيد العالمي، ستظل اليابان في مركزها كثالث أكبر اقتصاد في العالم من حيث قيمة الناتج المحلي بالدولار حتى أوائل العقد الثالث من القرن الحالي. بينما تتفوق عليها الهند لتدفع ألمانيا للهبوط من المركز الرابع إلى الخامس، وبريطانيا التي تحتل خامس أكبر اقتصاد حاليًا إلى المركز السادس اعتبارًا من عام 2024.