التغيّر قد يحتاج إلى أن نكشف شكوكنا وكراهياتنا ومخاوفنا لكى نستطيع التعامل معها. تمثل “الذات” تعبيرًا عن مكونات الفرد الخارجية/الظاهرة، والداخلية/الباطنة. فالذات تعبر عن رؤيتك أو تصوراتك عن نفسك. كما تعبر عن قدراتك العقلية، قدراتك الجسدية، تفضيلاتك الحياتية، مهاراتك، وكفاءتك العملية.

والذات أيضًا -على الرغم من أنها مكون شخصي- تتأثر كثيرًا بعلاقاتك بالآخرين. حيث تتأكد وتتفتح، أو تتقلص وتنزوي، نتيجة هذه العلاقة مع الآخر. وجزء كبير من رغبتك في توكيد ذاتي، أو من ثقتك في نفسك يعود إلى رؤيتك حول “كيف يراني الآخرين” سواء في مرحلتك الراهنة، أو في تاريخ حياتك الماضية.

ربما تؤدي محاولاتك الأولى لاكتشاف ذاتك إلى شعور غامض بالرهبة. لكنها خطوة على طريق يجعلك أكثر وعيًا بهويتك والكيفية التي يراك بها الآخر.

تستطيع أن تنظر إلى نفسك بهدوء وموضوعية. أن تفحص وتحلل الشخص الماثل أمامك، الذي هو أنت بكل ما فيه من عيوب ومميزات. وهو ما يمنحك قدرًا من الروية والحكمة التي تجعلك تتقبل تقييم الآخرين لك دون أن تشعر بالضيق أو بأن هناك تهديدًا لشخصك.

مثال:

في داخل كل منا كثير من الشخصيات التي نسمح لها بالظهور في المواقف المختلفة.

إلى أي حد تعي هذه النقطة؟!

إلى أي حد أنت قادر على الحديث بانفتاح ودقة حول مشاعرك؟!

ربما كان في داخلك -على سبيل المثال- مغامر أو لطيف أو بطل أو مرح أو مثير للضيق أو مفكر أو شخصية منظمة أو خجول.. إلخ.

ما الشخصيات التي من الممكن أن تكون بداخلك؟

ما هي المواقف التي تحفزها على الظهور؟!

ما الذي يحدث عندما تطفو هذه الشخصيات على السطح وكيف يكون سلوكك؟

الإنسان كل لا يتجزأ

الإنسان الفرد كل لا يتجزأ. وعندما تقول: “(أنا) سأذهب إلى المدرسة غدًا”. فهذا الحديث، وهذا الفعل، ينطبق على كل جزء فيك، فعملية الذهاب إلى المدرسة ستتم بـ”جسدك”، وبـ”نفسك”، وبـ”عقلك”، وبـ”عواطفك”. لن تترك جزءًا “منك” في البيت عندما تقوم بهذا الفعل، أو أي فعل آخر.

والتأكيد على أن الإنسان كل لا يتجزأ، لا ينفي أنه -أيضًا- يتضمن في نفس الوقت مجموعة من الجوانب المتمايزة، والمتنوعة، ذات المطالب المختلفة، والاحتياجات المتنوعة؛ فالإنسان عبارة عن:

جانب جسمي: لهذا الجسم “ظاهر” هو الشكل الخارجي بأعضائه المتميزة عن بقية الكائنات الحية الأخرى، والتي تمكنه من التعامل مع العالم الخارجي. و”باطن” وهو مجموعة الأعضاء الداخلية التي تسير حركة الجسم ككل، تمامًا مثلما نتحدث عن سيارة نحبها، فنصف هيكلها الخارجي. ثم نتيقن من أجزائها الداخلية مثل الموتور و”تنك البنزين” و”الرادياتير”.. إلخ.

جانب نفسي: ولهذه النفس ظهور خارجي، من خلال ما أقوم به من سلوك، أو فعل. و”باطن” أستدل عليه من خلال ما أقوم به من عمليات داخلية “عقلية”، مثل عملية التفكير. أو “انفعالية” مثل الشعور بالحب أو الكره أو الحزن.. إلخ.

جانب اجتماعي: فالإنسان كائن اجتماعي يعيش في جماعة، يكره الوحدة أو العزلة -في المعتاد- يؤثر ويتأثر بأعضاء الجماعة، على نحو فردي، وعلى نحو جماعي.

ومن هنا، فعندما نتحدث عن الإنسان/الفرد يجب أن نراعي جوانبه المختلفة، وأن نتعرف عليها جميعها، وندرك أنها لا تسير بمعزل عن بعضها البعض. لأن الفرد عندما يسلك سلوكًا في الحياة (يقوم بـ”فعل” أو “رد فعل”) فإنه يسلك وفقًا لجوانبه مجتمعة، فعندما أتحدث عن “النفس” فإن الجسم يكون موجودًا بقوة، وعندما أتحدث عن “الجسم” فإن النفس تكون حاضرة بقوة.. وهكذا.

وهو ما يستدعي أن تكون قادرًا على أن تدرك أن قراراتك في الحياة مصدرها هذا التوافق بين التفكير والشعور والإرادة. وغالبًا ما يكون التفكير مختلفًا عن الشعور ومختلفًا عن الإرادة، بل وأحيانًا ما تتعارض. والتحدى هو أن تلتفت ليس فقط إلى الإحساس المنطقى والعادى، ولكن أيضًا للرسائل القوية التي ترسلها لك المشاعر والإرادة.

أبعاد ومستويات متداخلة:

هناك ثلاثة مستويات من الضروري أن تتعامل معهم وهم:

مستوى التفكير: نحن بشر مفكرين – نفكر فى الأشياء التى نلاحظها لكى نفهمها.

مستوى الشعور: نحن بشر لهم مشاعر – نختبر العالم من خلال مشاعرنا.

مستوى الفعل: نحن بشر لنا إرادة – تدفعنا احتياجاتنا ورغباتنا للعمل.

تحديات أساسية:

  • عليك أن تكتشف أن الجميع لديه رؤيته الخاصة للعالم وللتفكير فى الأشياء المختلفة. ابحث عن رؤيتك الخاصة، وراعى إذن ألا تفترض أن الآخرين يرون الأشياء بنفس اسلوب رؤيتك لها.
  • من الضروري الاستماع لمشاعرك الحقيقية. فهذا يمنحك القدرة على اتخاذ قرارات مناسبة.
  • عليك أن تتفهم مستوى الإرادة حيث تكمن عادة مقاومة التغيير. وإقامة حوار مع ذاتك لاكتشاف ما تريده بالفعل وما تود أن تقوم به هو أحد أكبر تحديات التغيير.

“عادة ما نشعر أننا بدون حيلة، لأننا نعرف أننا نحتاج أن نتغيّر ولكن لا يمكننا ذلك. شئ ما يعرقلنا. نشعر بشلل فى إرادتنا. وربما يعود ذلك إلى:

  • نشك أننا قادرون على ان نتغيّر إلى الأفضل.
  • نشك فى قدرتنا على مواجهة التحديات فى المستقبل.
  • إننا نمتعض من الآخرين أو نكرههم بسبب إهانات سابقة. ونكره أنفسنا بسب ذلك.
  • نخشى أن نتخلى عما نعرفه حتى إذا كان بغير فائدة. نخاف من المجهول الذى ينتظرنا.

مثال:

عندما تتعرض لموقف “محرج”… يضطرك هذا الموقف إلى الشعور (انفعال) بالخجل -على سبيل المثال- فإن هذا الشعور يظهر عليك من خلال ردود فعل (جسمية) مثل: رعشة في أوصالك، أو تقلصات في معدتك، أو تسارع في دقات قلبك، أو احمرار في وجنتيك وأذنك …ألخ.

وعندما تستجيب لهذا الموقف، فإن “اختيارك” لرد الفعل، يتوقف على مجموعة من الأفكار، والمعارف، والقيم التي تمتلكها بالفعل عن هذا الموقف، بالمقارنة بمواقف سابقة شبيهة، ووفقا لمعرفتك بـ”ذاتك”، أي مجموعة التصورات التي تمتلكها عن: قدراتك العقلية، وكفاءتك الجسمية، مهاراتك المختلفة، وكفاءتك الشخصية والاجتماعية …الخ .

ومن ثم تقوم باستجابة أو رد فعل. هذه الاستجابة قد تكون: سرعة الهروب من المكان/الموقف، أو ممارسة شكل من أشكال العنف اللفظي، أو الجسدي، في مواجهة الأشخاص الذين يضعونك في هذا الموقف، أو طأطأة الرأس والصمت المطبق، أو الخروج من الموقف بلباقة …ألخ.

الاستماع إلى الرأس:

هذا هو مستوى التفكير، وهو مكوّن من الملاحظات، والأفكار، والوقائع، والمفاهيم، والمجادلات، والأفكار، والبصيرة الروحية. والاستماع بغير إدانة او بدون تكوين آراء مسبقة يعنى الانفتاح العقلى والاهتمام الحقيقى بأمور مثل خلفية الآخرين وخبراتهم وأسلوب تفكيرهم وكيفية تكوين آراءهم وافتراضاتهم.

الاستماع إلى القلب:

هذا هو مستوى الشعور، ويتكوّن من المشاعر، والحالة النفسية، والخبرات غير اللفظية. الاستماع للمشاعر والالتفات لنغمة الصوت وتعبيرات الوجه والعينين والإيماءات. والاستماع التعاطفى يعنى أن نضع أنفسنا فى مكان الآخرين. فالاستماع للصمت يمكن أن يكشف مشاعر عدم الموافقة أو عدم الكفاية أو الملل أو الغضب.

الاستماع إلى الجسد:

هذا هو مستوى الإرادة، حيث تستمع لما يريد الآخرون فعله. وعادة يكون المتحدثون أنفسهم بالكاد مدركين لنواياهم ورغباتهم. إنه لمن المدهش كيف أن قلة فقط هم المدركين تماماً لما يحفزهم وما يريدون بالفعل فى موقف ما. ومهارة الاستماع تكشف ما يكمن “وراء” أفكارهم “وأسفل” مشاعرهم ولغة الجسد تكشف الإرادة – فالتعبير الجسدى القوى قد ينم عن إرادة قوية، بينما التعبير الضعيف للجسد قد يكشف عن إرادة ضعيفة.

لمزيد من مقالات الكاتب.. اضغط هنا