“حاتم علي استطاع نقل الدراما العربية لصورة مختلفة. كأنه دخل إلى عقل المتلقي ليشعره بأن حكايته سيراها يومًا ما.. إلى هذه الدرجة كان قريبًا من الشارع وقصصه ووجوهه”؛ كما ترى الناقدة الأردنية علا الشيخ، واختارت لنعي هذا الفنان المتفرد، الذي رحل عن عالمنا اليوم الثلاثاء، بعمر ناهز 58، إثر تعرضه لأزمة قلبية ألحقته بوالده المتوفي أوائل العام.
مسيرة حاتم علي.. من الفلسفة للفن
من دمشق بدأ حاتم علي رحلته مؤيدًا بدراسة الفلسفة التي قرر بعدها خوض غمار عالم الفن ملتحقًا بالمعهد العالي للفنون المسرحية. ومنه استهل طريقه إلى تجسيد بعض الأدوار الدرامية. قبل أن يكتشف أن موقعه المفضل خلف الكاميرا لا أمامها؛ قائدًا لترس العمل الفني.
فبعدد من السهرات الدرامية عام 1994، كان منها: “قضية عائلية، أحلام خارج الزمن، مسرح بلا جمهور، اللعبة”، وغيرها من الأعمال أطل حاتم على الجمهور استحياءً، قبل أن يقدم أول فيلم سينمائي من تأليفه وإخراجه؛ “آخر اللي” في العام 1996. وهو العمل السينمائي الأول والأخير له حتى نهاية الألفية الأولى، لينتقل بعدها إلى عالم الدراما.
حاتم علي.. الباحث في ماضينا العربي
شهرة حاتم علي الفنية شهدت أوجها مع ما قدمه من مسلسلات تاريخية، وكان أشهرها “صلاح الدين الأيوبي”، الذي ألفه الكاتب الأردني وليد سيف، وشارك في بطولته جمال سليمان وسوزان نجم الدين وباسم ياخور.
أيضًا مسلسل “الزير سالم“، الذي عرض لتلك الملحمة التاريخية في حرب البسوس بين القبائل العربية قبل ظهور الإسلام. و”صقر قريش”، الذي تناول الصراع التاريخي بين الدولتين الأموية والعباسية. وهو عمل اشترك فحاتم علي في تقديمه مع شريكه المحبب وليد سيف. بينما كان “ربيع قرطبة” ثالث أعمال هذا الثنائي الكبير. وهو عمل تناول التحول خلال فترة من أزهي عصور الأندلس؛ إبان حكم عبد الرحمن الثالث “الناصر” وولده الحكم المستنصر.
بينما كانت الرائعة الرابعة لهذا الثنائي؛ “التغريبة الفلسطينية”، أبرز ما قدم فنيًأ عن القضية الفلسطينية، والعمل الذي فتح الباب أمام سلسلة أخرى من الأعمال الهامة، ومن بينها “ملوك الطوائف”، ثم “عمر”، الذي تناول قصة الصحابي عمر بن الخطاب وما دار خلال فترة حكمه. وهو العمل الذي حقق نجاحًا جماهيريًا غير مسبوق، وعانى صاحبه حاتم علي في مواجهة كثير من الصعاب حتى ظهر للنور.
كل ما سبق من أعمال يبرز أن الجمهور العربي أمام مخرج صاحب رسالة وذو ثقافة واسعة، جعلته يتعمق في التواريخ الهامة من القضايا العربية، التي تغير التاريخ بأحداثها.
“أهو ده اللي صار”.. الوداع والأعمال الأربعة
لم تتعد أعمال المخرج الراحل حاتم علي في مصر الأعمال الأربعة. لكنها جعلت اسمه لامعًا في عالم الإخراج. وكانت أولى هذه الأعمال المسلسل الشائك “الملك فاروق”، الذي تعرض للعديد من الانتقادات التاريخية خاصة فيما يتعلق بما ذكرته كاتبته الدكتورة لميس جابر عن شخصية آخر ملوك مصر الفعليين.
بعد “فاروق” ابتعد حاتم علي 10 سنوات كاملة عن الدراما المصرية، ليعود بـ”حجر جهنم”، الذي ابتعد به تمامًا عن كل ما قدم من أعمال تاريخية شائكة. وبرؤية جديدة أثبت أنه قادر على تغيير جلده الفنية بهذه السهولة دون أن يفقد بريقه ونجاحه الجماهيري. قبل أن يُلحق نجاحه في “حجر جهنم” بآخر في “كأنه امبارح”، الذي نال إشادات كلا الفريقين؛ الجمهور والنقاد.
وأخيرًا كان “اهو ده اللي صار”؛ ذو النزعة الصوفية الرومانسية. وهو العمل الذي اختاره حاتم علي رسالة وداع لجمهوره في مصر والعالم العربي؛ هدية من هذا المتفرد بفنه إلى عاشقي مسيرته خلف الشاشات الفضية.
في رثاء حاتم
لم يكن المشاهد لأعمال حاتم علي سوى باحث حالم عن نفسه بين الشخصيات التي تتحرك أمامه على الشاشة، كما ترى الناقدة الاردنية علا الشيخ. التي تضيف -لـ”مصر360″- أن الراحل كان ذكيًا في خياراته. مذكرةً بالفصول الأربعة و التغريبة الفلسطينية وعصي الدمع و المسلسلات التاريخية عمر وصلاح الدين، وغيرها من أعمال الدراما العربية، التي خسرت أهم مخرجيها، وفقدت ألبوم صورها بريحل صاحب حكاياتنا على الشاشة الصغيرة.
يرى الناقد الفني إيهاب التركي أن حاتم علي لم يكن مخرجًا عاديًا. وإنما ذو ثقافة راقية ورؤية إخراجية مميزة. الأمر الذي جعله صاحب أعمال شائكة لم يقترب أحد منها. فاستحق مكانة خاصة اكسبته ثقة واحترام الجميع.
ويضيف التركي أن ما قدمه حاتم علي، خلال مشواره، هو بماثبة ذكرى عطرة بين جمهوره. “إن رحل جسده فستبقى أعماله تتحدث عنه أبد الدهر.