ربما كان 2020 عام ركود أغلب المجالات، لكن فيما يتعلق بصناعة الأغنية المصرية كان الأكثر جرأة. على سبيل المثال شهد 2020 صعود نجوم المهرجانات و”الرابر”و “التراب” بشكل غير متوقع، ليكتسحوا قممًا موسيقية كبيرة.

علاوة على ذلك احتل مغني التراب “ويجز” عرش الموسيقى المصري، إذ حصدت أغنيته «دورك جي» المركز الأول كأكثر أغنية سمعها المصريون في 2020. علاوة على أن الأغنية سمعت 20 مليون مرة عبر منصة «سبوتيفاي».

المنصة أكدت أن أرقامها ارتكزت على اختيارات نحو 320 مليون مستخدم حول العالم، ما يضفي شرعية لسطوة ويجز ورفاقه خلال 2020.

فلاش باك.. حرب الراب والمهرجانات

في 2015 كان يستعد أم سي أمين مغني الراب، لتقديم حفلة “HIPHOP ALL STARS VOL. 3″، قبل أن يتهجم عليه الجمهور ويطالبوه بالنزول من على المسرح، على خلفية مشاركته في تراك مهرجان الراب المصري التي تم إنتاجها بين عامي 2012 – 2013.

بعد تلك الواقعة بنحو أسبوع، واجه أمين الجمهور في الجزء الثاني من الحفل الذي أقيم في القاهرة. وعند ظهوره على المسرح فضل أن يشرح وجهة نظره قبل الهجوم عليه مجددًا: “مفيش جمهور فنه بيتحارب الراب يحارب فن تاني (المهرجان) حتى لو مبيسمعوش أو مش معترف بيه”.

“إصحي وفوقي يا بلد / مزيكا جديدة بتتولد”

من ناحية أخرى تمر الموسيقى المصرية بحالات من التطور المستمر، وشهدت المرحلة الحالية حالة من الجمود وظهور جيل خلف جيل يردد النوع الموسيقي ذاته مع تغيير بسيط لا يذكر.

على غرار سبعينيات القرن الماضي عندما ظهر أحمد عدوية الذي قدم الأغنية الشعبية. بينما استطاع سحب البساط من تحت أقدام أحد أهم مطربي مصر على مر التاريخ عبدالحليم حافظ، ليحلق بالأغنية الشعبية بعيدًا ويفتح الباب لنوع مختلف جديد..

في أعقاب تلك المرحلة ظهرت الأغنية الشبابية ذات الإيقاع السريع والاعتماد على الفيديو كليب والملابس ونوع وطبيعة الأغنية والذي عرف بجيل حميد الشاعري.

بينما استمر الحال لجيل تلو الآخر، ظهر على فترات متقطعة نوع غربي دخيل على الموسيقى العربية متمثلًا في الراب من خلال فريق MTM  إلا أنها لم تحقق نجاحًا ملموسًا.

المهرجان يصعد

استمر الوضع على ما هو عليه لحين ظهور فن المهرجان وصعوده إلى عالم الموسيقى ليحقق ثورة فنية كبيرة ويتراجع كبار المغنيين أمامه.

لم يكن القائمون على فن المهرجان يطمحون في أن يدخلوا نوع جديد من الموسيقى، بل طموحهم كان لا يخرج عن كونه محاولة لتسجيل لحظة الصخب والغضب والحكي عن قضايا خاصة جدا يتم تداولها في مناطقهم الشعبية.

تمحور فن المهرجان في بدايته وحتى هذه اللحظة في كيفية تسجيل اللحظة فقط، في التعبير عن غضب داخل نفوس الشباب الذي مل من سماع موسيقى وكلمات لم تعد تعبر عن ما يدور بداخلهم، بلغتهم وطريقتهم وأسلوبهم الجديد على الساحة، لم يكن المهرجان سوى حالة غضب وتمرد نجح جيل جديد من الشباب في تسجيلها في كتاب تاريخ الموسيقى.

قبل أيام أعلنت جوجل عن أكثر الأغاني التى بحث عنها المصريون خلال عام 2020 وضمت القائمة ( عود البطل، بنت الجيران، مهرجان هلا والله، عود البنات، شمس المجرة، مع السلامة للي عايز يمشي، مهرجان اخواتي، انا لما بحب، سالمونيلا، لغبطيطا) في ظل غياب تام لعدد كبير من المطربين أصحاب المسيرة الفنية المتميزة.

الراب وتغيير المسار

الراب المصري موجود منذ التسعينيات وبدأ نجمه في البزوغ في الألفينات، وطوال الوقت كان يمثل الجانب المظلم في عالم الموسيقى. كما أنه بدا واضحًا أن مغنيوا الراب فهموا الدرس جيدًا. إذ أن نشأة الراب كان لأسباب سياسية بحتة، وهو ما تم ادراكه مبكرًا إذ ابتعد الرابر المصريين عن السياسة مفضلين أن ينغمسوا في الحالة الجديدة.

ساعد الفهم لحالة التوتر السياسي التي تعيشها البلاد لانتعاش سوق الراب، وكان لابد أن يواكب التطور وألا ينزوي على ذاته مفضلًا عدم التماشي مع الحالة الموسيقية الجديدة التي لوحظ سيطرتها الكاملة على الموسيقى.

راب + مهرجانات = مزيكا جديدة

حالة المزج التي ظهرت حاليا بين الراب والمهرجان دفعت بقوة إلى زيادة مشاهدات الراب والتعرف عن قرب، والعرض على شرائح أكبر.

ويعتبر السادات قائدًا لحركة المزج بين الراب والمهرجان، وكان الأول الذي عمد إلى استخدام الراب على إيقاع موسيقى المهرجان والمزج بينهم للوصول إلى حالة جديدة تفرض نفسها على الساحة الفنية.

يقول السادات: “منذ صغري وأنا متأثر بالرب الأمريكي، وفي مصر كنت كثير الاستماع إلى أم سي أمين وأرى أنه أفضل مغن راب في مصر حالي”.

بعد فترة من توهج المهرجان يبدأ السادات في التعاون مع أم سي لإنتاج مهرجان الراب المصري ويفتح آفق جديدة في حركة الثورة الموسيقية.

يدين الجيل الحالي والجديد من مغني المهرجان والراب إلى السادات وأم سي أمين لكونهم أول من فتحوا الطريق أمام جيل آخر للظهور.

تعاون قبل نحو 3 سنوات السادات مع ويجز وأنتجوا أكثر من أغنية حظت بنجاح كبير ليعلن عن ميلاد نجم جديد استطاع أن يتخطى الحاجز الأخلاقي لمغني الراب وخلق نوع جديد يحمل روح الموسيقى المصرية ويبتعد خطوات عن النسق التقليدي لمزيكا الراب.

مرحلة جديدة.. جمهور ضخم من الشباب

“نعيش مرحلة جديدة من الموسيقى، المهرجان قفز وأصبح داخل كل بيت مصري بكافة طبقاته الاجتماعية، المزج الحاصل بين الراب والمهرجان ساعد على الانتشار الكبير ومعدلات المشاهدة والاستماع على موقع يوتيوب”.. يقول الموزع إسلام شيبسي.

حصل شيبسي، المولود في حي إمبابة الشعبي، شمال الجيزة، والملقب بـ”أخطبوط المزيكا” على جائزة أفضل موزع موسيقي في العالم خلال عام 2014 ضمن مشاركته في عدد من المهرجانات الفنية الأوروبية في السنوات الخمس الماضية، بعدما ذاع صيته كعازف أورج يجيد التدرج بالموسيقى من التكنو-شعبي إلى “الهيب هوب”، كما اشتهر في الفترة الأخيرة بإحياء أغاني التراث بطريقة توزع جديدة خلال حفلات الزفاف التي يحييها بصبحة أعضاء فريقه.

يرى شيبسي أن الراب على الرغم من وجود جمهور له منذ بدايته في مصر ،إلا أنه جمهور محدود، ومع عملية المزج بين المهرجان والراب وعملية التنقية للمهرجان وخاصة الكلمات والابتعاد عن الإسفاف والكلمات الجارحة والمباشرة سهل عملية الانتشار وساعدها على تكوين جمهور عريض ليس بين أوساط الشباب فقط، إنما لكافة أفراد الأسرة المصرية.

ويضيف شيبسي: “المزج خلق “التراب” الذي بدوره يعد تطور موسيقى وفن جديد يطرح نفسه على الساحة يحتوي على الموسيقى التي تحظى بأعجاب المجتمع وكذا الكلمات التي تعبر عن الواقع دون أسفاف.. أعتقد أن هذا التهجين بين المهرجان والراب هو ما سمح بالنجاح الحاصل هذه الفترة والذي أتوقع استمراره أكثر فأكثر”.

التسليع.. آلاف الدولارات من اليوتيوب

بدا أن المهرجان والراب يحتاجان إلى التصدير إلى عالم السينما وأن تتنوع مصادر انتاجهم، وهنا ظهر محمد رمضان في محاولة لتسليع أغنية المهرجان تارة والراب تارة آخرى أو المزج بينهما.

نجم شاب يشير إلى نفسه بـ”نمبر وان” يمتلك جمهور عريض يردد أغانيه، عرف بأفلامه التي تحاكي ما يحدث في المناطق الشعبية بلغة سهلة وقضايا يومية يعيشها أبناء المناطق الشعبية سواء فيما يخص المعارك الدامية وحمل السلاح والتلويح بعدم احترام القانون.. الأمر أصبح اعتياديا ومطروح على الجميع.

فتح رمضان الباب أمام شركات الإنتاج للنظر إلى صنف جديد من الموسيقى، من الممكن بمزيد من التنظيم أن يحقق أرباحًا مالية، ويصل إلى جمهور عريض بالملايين، وخلال تلك الفترة ومع بداية الالتفات إلى فن المهرجان ظهر على السطح مهرجان “مافيش صاحب يتصاحب” لينتشر كالنار في الهشيم ويحق معدلات مشاهدة على اليوتيوب بالملايين تفوق معدلات مشاهدة كبار نجوم الغناء مثل تامر حسنى ومحمد حماقى.

دخلت روتانا ومن قبلها عائلة السبكي في إنتاج الموسيقى الجديدة، وظهرت عدد من الأغاني سواء على لسان محمد رمضان أو فرق المهرجانات التي كونت جمهور عريض من المناطق الشعبية، وظهر معهما نوع جديد من الفيديو كليب لأغاني المهرجانات وتحول الأمر برمته من محاولة “للتسييط” – الشهرة – في المناطق الشعبية إلى بيزنس يدر أموالًا طائلة عبر موقع اليوتيوب، وما تلاها من وجود اغاني المهرجانات فقرة رئيسية في الأفلام.

لم يكن دخول “رمضان” مرضيًا للجميع، إذ وضح أن عدد ليس بالقليل رفض وجوده أو أن يقود شعلة المزج ما بين الراب والمهرجان، يقول مولوتوف خلال أحد حواراته: “رمضان مش بعتبره مهرجان مهذب، دي فئة عايزة تاخد المهرجان لحتة تانية مالهاش معنى بالنسبالي، بشوف اللي بيعمله دا حاجة وحشة أوي، أنا مثلًا بحترم حمو بيكا، إنما رمضان كأنك بتاخد تاريخ ناس تانية وتنسبه ليك”.

 

بعد اختياره لإحياء احتفالات أكتوبر.. هل انتصرت الدولة لـ”حمو بيكا” على هاني شاكر؟

هدم الفاصل الطبقي

ترى مي عامر، باحثة في مجال الموسيقى، أن المهرجان خرج من رحم المناطق الشعبية الأكثر فقرا، وهي نفس البيئة التي خرج منها الراب إلا أن الراب عرف عنه انتمائه للمتعلمين أصحاب القدرة على الاستماع إلى امنيم وتو باك وغيرهم.

حسب عامر في تصريح لـ”مصر 360″، مع بداية ظهور فن المهرجان كان الأمر مقتصر على الأفراح الشعبية وكانت بداية بسيطة للغاية وجمهورها كان يتمثل في الأفراح الشعبية فقط لا غير ومع انطلاق شرارة ثورة 25 يناير التي مثلت بداية جديدة لأصحاب الطبقة المهمشة في فرض نمط وصورة للحياة على طريقتهم بدأت المهرجانات والقائمين عليها في الظهور على السطح وبقوة واضحة.

في تلك الفترة كان الراب مازال في موقعه، لا يتحرك كثيرا، يقف عند جمهور صغير يرفض الانفتاح على الآخرين، إلا أن السادات إن لم يكن الأول فهو الأكثر تأثيرا في المزج بين الراب والمهرجان ليخرج لنا “التراب” ويعبر عن جيل جديد من مغني الراب يتحولوا من التهميش إلى السيادة.

مع بداية ظهور المزج بين الراب والمهرجان، دفع أحدهما الآخر إلى منطقة جديدة ومساحة أوسع من الجمهور، لذا ظهر التراب ليكون معبرا عن جيل جديد يحمل في روحه نوع جديد من الموسيقى تفرض نفسها على الرأي العام.

حالة إفلاس

تقول عامر: “ساهم نجاح موسيقى الشباب القادم من طبقات اجتماعية بسيطة ما تمر به الموسيقى المصرية وحالة الإفلاس التي ضربتها خلال العشر سنوات الأخيرة، إذ لم يعد هناك من يقدم موسيقى جديدة أو حالة جديدة للشباب لذا كان ظهورهم تأكيد على فشل جديد من الموسيقيين والشعراء والمغنيين”.

نجحت الفرق الخاصة بالمهرجان أو مغني التراب على شاكلة ويجز ومولوتوف وأبيوسف في أن يجدوا لنفسهم مساحة أكبر، بالعمل على بعض التغييرات في طبيعة الكلمات وأن تكون أقل حدة ليحققوا التواجد على شاشة التلفزيون.

تشير مي عامر إلى أن انتباه شركات الانتاج لهذا النوع الجديد والعمل على نقله إلى الشاشة لم يدفع اصحاب الموسيقى إلى ترك خلفياتهم الاجتماعية ولعل أغنية “دورك جاي” لويجز والفيديو الكليب الذي تم تصويره في شوارع ورديان أكبر دليل على تمسك هؤلاء الشباب وإيمانهم أن نجاحهم يتمثل فيما يمثلونه من نوع موسيقي نابع من الطبقات الفقيرة ويتحدث عنهم وإليهم.

لم يعد الحديث عن كون المهرجان والتراب ظاهرة ستنتهي عاجلا أم اجلا مطروحا، إذ أن رحلة استمرت قرابة 10 سنوات بمزيد من التطور والنضج أكد أن المهرجان والتراب صنف جديد من أصناف الموسيقى لن يختفي وسيبقى إلى الأبد.