عرفت مصر نظام الغرفتين التشريعيتين، أو ما أُطلق عليه مجلس الشورى أو مجلس الشيوخ، بجوار الغرفة التشريعية الرئيسية “البرلمان” بداية منذ دستور سنة 1923. ثم أُعيد للوجود باسم مجلس الشورى. وذلك وفقًا للتعديلات التي أُجريت على الدستور مصر سنة 1971. أو ما أُطلق عليه دستور مصر الدائم. وكان ذلك بتاريخ 19 أبريل سنة 1979. وعقد مجلس الشورى أولى جلساته في الأول من نوفمبر 1980، واستمر العمل بنظام المجلسين التشريعيين حتى قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي بموجبها تم إسقاط الدستور المصري، ثم أُعيد العمل به منذ التعديلات الدستورية الأخيرة لسنة 2019.

من الناحية الدولية، فإن نظام المجلسين كنظام دستوري موجود في دول عديدة من العالم أهمها الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، ومن الدول العربية فهناك المغرب والأردن والجزائر. ولكن تختلف اختصاصات وصلاحيات مجلس الشورى أو مجلس الشيوخ في كل دولة حسب الاختصاصات المحددة لهذا المجلس في الدستور. ولم يتفق الفقه الدستوري على رأي واحد بخصوص وجود المجلسين، فهناك من يؤيدون نظام المجلسين، إذ يرون في مزاياه أنه يؤدي إلى الإجادة التشريعية وتجنب الخطأ في التشريع، وأن نظام المجلسين ضروري خاصة في الدول التي تأخذ بنظام الاتحاد المركزي الفيدرالي الذي يتطلب تمثيل الولايات بالإضافة إلى تمثيل الشعب كله.

وفي حين يرى معارضو نظام المجلسين بأن هذا النظام يتعارض من حيث الأساس مع مبدأ وفكرة تمثيل الشعب التي لا يمكن تجزئتها، وبالتالي لا يمكن أن تعبر عن إرادة الشعب هيئتان أو مجلسان بإرادتين قد تكونان متعارضتين. كما أن هذا النظام يؤدي إلى تصادم أحدهما مع الآخر لاختلاف الطابع بينهما. فضلاً عن كونه يعطل سير التشريع إلى حد كبير مع إن موضوع التشريع قد يكون مسلمًا به أو من الواجب الإسراع في إصدار القانون بشأنه. وهو ما قد يؤدي إلى شلل عملية سن القوانين وتوقف المسار التشريعي في البلاد. علاوة على ما يُحتمه وجود مجلس ثان من زيادة أعباء الدولة. وذلك لأنه يعني وجود عدد أكبر من السياسيين والموظفين والإداريين والداعمين والمزيد من المرتبات ونفقات السفر والإقامة وتوفير المقرات الأمر الذي يشكل ضغطاً كبيراً على الخزانة العامة التي يمكن أن تنفق أموالها بشكل أفضل على أمور أخرى.

هناك فريق يحبذ نظام المجلسين بحسب أن التكوين الثنائي للسلطة التشريعية يتميز بوجود مجموعة من المزايا تؤدي إلى إحداث نوعا من التوازن والاستقرار في الحياة النيابية حيث يسمح هذا النظام بالمشاركة الشعبية في الشئون التشريعية، كما يسمح بتفاعل كافة الآراء والاتجاهات في إطار مجلس تشريعي واحد، كما يتيح هذا النظام تمثيل كافة الطبقات والمصالح المختلفة في الدولة تمثيلاً حقيقيًا داخل البرلمان، كما يؤدي نظام المجلسين إلى رفع مستوى الكفاءة داخل البرلمان عن طريق وجود مجلس نيابي منتخب بالكامل ووجود مجلس أخر يمكن تعيين بعض أو كل أعضائه من ذوي الكفاءات وأصحاب الخبرة التي قد يفتقر إليها المجلس المنتخب مما يؤدي إلى رفع مستوى البرلمان وسد النقص في الكفاءات داخله وبالتالي إثراء المجالس النيابية ورفع مستوى كفاءتها.

كما أن لنظام المجلسين ميزة أخرى إذ تتلافى عيبا مهما في غيره من الأنظمة وتتمثل في إمكان استيعاب ممثلي فئات ومصالح هامة في المجتمع قد تنأى بنفسها لأسباب عدة عن خوض غمار التنافس الحزبي والمعارك الانتخابية على رغم قدرتها على المشاركة الإيجابية في الحياة العامة وعلى رغم حاجة المجتمع لمساهماتها الفكرية والعملية في صنع السياسات والقرارات.

ويؤدي نظام المجلسين إلى تخفيف النزاع بين البرلمان والحكومة لمصلحة الجميع ويمكن لهذا النظام القيام بدور الحكم والوسيط بين الحكومة والمجلس النيابي أما إذا اتفق المجلسان في الرأي في مواجهة السلطة التنفيذية فان ذلك يعد قرينة على صواب رأي البرلمان الأمر الذي يحمل السلطة التنفيذية على الاستجابة لرأي البرلمان في نهاية الأمر، كما يلعب دورا مهما في منع الخطأ والتسرع في التشريع و إصدار القوانين عن طريق تلافي خطأ أحد المجلسين في حالة حدوثه في تشريع معين وذلك عند عرضه على المجلس الآخر وبالتالي تسمح هذه الميزة باستقرار القوانين وعدم الحاجة إلى التعديل المتسارع للقوانين بعد فترة وجيزة من صدورها.

من الناحية الواقعية، تختلف قيمة الغرفة التشريعية الثانية (مجلس الشيوخ) بحسب الصلاحيات الممنوحة لها وفقا للدستور، وإذا ما نظرنا إلى مجلس الشيوخ المصري المستحدث وفقا للتعديلات الدستورية الأخيرة، وكذلك القانون رقم 141 لسنة 2020 فإنه يتكون من عدد 300 عضوا على الأقل لرئيس الجمهورية حق تعين ثلث الأعضاء، وينتخب الثلثين وفقا للاقتراع السري العام المباشر، وعلى هذا الأساس قدتم اعتماد أول تشكيل لمجلس الشيوخ المصري، والذي قد استحوذ على معظم مقاعده الانتخابية القائمة الوطنية بزعامة حزب مستقبل وطن، والمشهور ولائه أو قربه من السلطة. أما عن الصلاحيات الممنوحة له، فوفقًا للمادتين 248 و 249 من الدستور المصري، فإنه يُعد بمثابة مجلس استشاري أو مجلس حكماء. وهو معني بأخذ الرأي والدراسة أو الاستشارة في العديد من الموضوعات التي حددتها نص المادتين. وأهمها المعاهدات والقوانين المكملة للدستور ، وكل ما يحيله إليه رئيس الجمهورية أو مجلس النواب لأخذ الرأي.

وهذه الاختصاصات تعد بسيطة أو قليلة بالمقارنة بالعديد من الدول التي تأخذ بنظام المجلسين، فنجد مثالاً عربيا لذلك المجلس الاستشاري المغربي، والذي يتمتع باختصاصات ذات أهمية تعلو على الاختصاصات الممنوحة لمجلس الشيوخ المصري، أهمها ما هو متعلق بمشاركتها الفعلية في عملية سن القوانين. وكذلك بدورها النافذ في الرقابة المالية على الأعمال أو المصروفات الحكومية، وهي تقريبًا نفس الاختصاصات الممنوحة لمجلس الشيوخ الأسباني، وهذا ما يشكل شراكة حقيقية وفعالة في السلطة التشريعية والرقابية.

كلما زادت صلاحيات الغرفة التشريعية الثانية، كلما زادت قيمتها الواقعية. ويُعد من أهم سلبيات ما ورد في التعديلات الدستورية المصرية الأخيرة هو وقوف دور مجلس الشيوخ عند حدود الاستشارة والدراسة فقط. ولا يوجد ثمة دور ملموس في تشريع جدي أو مشاركة في تصويت نوعية معينة من القوانين. أو حتى تفعيل دور رقابي. وهذه السلبيات هي ما تخرج مجلس الشيوخ عن الأطر الدستورية الحقيقية التي تعم وجود غرفتين أو مجلسين تشريعيين. وذلك على الرغم من قدم التجربة المصرية في هذا الشأن. إذ أنها تجربة قاربت على قرن من التاريخ. ومن ثم وجب أن تكون تجربة إعادة مجلس الشيوخ إلى حيز الوجود متناسبة مع تاريخ التجربة المصرية من ناحية. ومن ناحية ثانية متماشية مع التطورات الدستورية والتجارب الدولية المماثلة في هذا الصدد. ونأمل أن تمتد يد التعديل إلى النصوص المعنية بذلك لتوسيع صلاحية مجلس الشيوخ بما يجعل من وجوده أكثر قيمة وأهمية وفائدة.