محبو علم النفس يعرفون جيدًا العالم فرويد والذي كانت أراءه داعية للتحرر الجنسي، وجاء أحد تلامذته وهو فيلهلم رايخ وأطلق مصطلح الثورة الجنسية، تلك التي ظهرت بشكل واضح في مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين بعوامل مختلفة، وبالتأكيد ظهور مجلة Play boy كأول مجلة تجارية تقدم الصور الجنسية، ساهم في التطور الذي لحق بمفهوم التحرر الجنسي، مجموعة من العوامل التي تزداد مع كل تطور يقدمه العلم.

كذلك أسهم ظهور حبوب منع الحمل في الستينيات لإحداث ثورة في العلاقات خارج الزواج، لكن تغيرات أكبر حدثت بعد ظهور الإنترنت، والمواقع المتربحة من عرض مقاطع فيديو وصور ذات محتوى جنسي.

يجري ذلك من حولنا ونعرفه ونغض الطرف ولا نطرحه للمناقشات العلنية، بل أن تدريس مقرر الجهاز التناسلي للأنثى يمر بحالة تعتيم، وقد يقتضي أحيانًا في بعض المدارس تجاوز الدرس من الشرح داخل المدرسة، خاصة إذا كانت مادة الأحياء يضطلع بمدرسها رجل.

الثقافة الجنسية

لا تتناسب حالة التعتيم والتجاهل للثقافة الجنسية مع أهميته في مجتمعاتنا العربية، بما أوقع الكثير من الفتيات في مآزق مرتبطة بجهلهن بالثقافة الجنسية أو معرفتهن العشوائية التي تتغذى من روافد الإنترنت دون وعي حقيقي.

اقرأ أيضًا.. منها لباس المرأة وإثبات الذكورة.. جهل رجال الدين ينشر ظاهرة التحرش

أكثر الظواهر المنتشرة هي تبادل الصور العارية في العلاقات العاطفية، حيث تخضع الفتاة لمشاعر جارفة، يُشاركها الطرف الثاني، ومع المكالمات وتبادل الرسائل تنتج الرغبة والتي تطور طبيعيًا في العلاقات، وبدوافع الثقة والمحبة والرغبة يتم تبادل الصور العارية لكن ماذا بعد؟

لنناقش الثقة في الطرف الثاني حتى آخر الموضوع، لكن وأنتِ تقومين بذلك ألم يخطر في بالك أن يتم سرقة هاتفك؟ أو أن يضيع؟ أو حتى تحتاجين لإصلاحه؟

أليست هذه الحالات تعرض المحتوى الذي تحتفظين به من صور عارية للوقوع في أيدي من لا تعرفين؟ البعض يحترس ويلغي الصور فور التقاطها أو إرسالها، لكن ربما لا تعرفين أنه حتى الصور المحذوفة يمكن استعادتها بخطوات معروفة للجميع.

جرأة بلا سند

الفتيات صرن أكثر جرأة من ذي قبل في التعامل مع هذه الأمور، لكنها جرأة بغير سند، لا ثقافة حقيقية ولا وعي، ولا مساحة آمان، مؤخرًا أصبح من حق أي فتاة تتعرض لمحاولات ابتزاز جنسي بصور خاصة، أن تتقدم ببلاغ لمباحث الإنترنت ويتم التعامل معه بسرية، ولكن كم فتاة تمتلك شجاعة التقدم ببلاغ؟

في مجتمع يستخدم أدوات لإقصاء المرأة منها “وصم سمعتها” تُصبح مثل تلك المشكلات كارثية، ويُصبح رعبًا لكل فتاة تواجه مثل تلك المشكلات، حيث العائلة منشغلة بضغوط الحياة وتوفير الاحتياجات الأساسية، والأم تجد في تثقيف ابنتها أمرًا غير محبب، لأنها تفتح عيونها على موضوعات سابقة عمرها، فتصبح الفتاة وحيدة في مواجهة مأزقها، وربما سندها بعض الأصدقاء، لكن المخاوف أكبر، فهل تُدرك الأمهات أن بناتهن وأبنائهن ينهلن في عشوائية موضوعات وصور وأفلام تخص الجنس؟؟

اقرأ أيضًا.. “المُصنفات في الأرض”.. متى تكون المرأة “محترمة” في نظر المجتمع؟

ثقافة النعامة

يعتمد مجتمعنا المصري ثقافة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، وتقوم غالبية الأمهات بدور رقابي على بناتهن حتى لا تتفتح عيونهن على الجنس لأنه “عيب”، وننسى أنه مع كل فتاة هاتف محمول به كاميرا، ولكل فتاة مساحة خصوصية مهما كانت التضييقات التي تمارس على حياتها من قبل الأسرة أو المجتمع، فتصير لديها الأدوات التي تحتاجها في التواصل الجنسي مع آخرين، وبتجاهلنا المتعمد نساعد أن تسقط بناتنا في هذا الفخ، وبالتأكيد ليس الحل هو المنع والحرمان.

تحولات المجتمع المصري

الفتيات التي تثقن في الحبيب ويشاركنه صورهن العارية، كشفتها الكثير من التجارب التي أثبتت أن الحبيب ليس أهلًا للثقة، وهناك من رأى تلك الصور غيره، وتلك أمور مُربكة، فالتطور في العلاقة الذي يُفضي لتبادل مثل تلك النوعية من الصور تقوده الرغبة والمشاعر المؤقتة، وتخضع لقيم وأخلاق الطرف الثاني في التعامل مع هذا المحتوى، ومن ثم فإن المراهنة على قيم وأخلاق لم نختبرها أمر بالغ الخطورة، لأنه من الممكن أن يورط صاحبة الصور في أمور أو أفعال مرفوضة، وعلى الفتاة التي لا تملك شجاعة أن تقف وتواجه وتتقدم ببلاغ رسمي إلى الشرطة لإيقاف الابتزاز، وألا تتورط من البداية في مثل هذه الأمور.

اقرأ أيضًا.. معهد جنيف: “التمييز وعدم المساواة”.. واقع المرأة بالشرق الأوسط

لكننا كأمهات ومجتمع لا نقوم بدورنا الذي نتشدق به طيلة الوقت في التربية والتعليم، فالتربية لا تعني توفير الملبس والمأكل وتأمين نفقات التعليم، ولكنها أيضًا تستدعي بالضرورة تنشئة أولادنا على ثقافة ووعي حقيقيين، وعدم الخجل من الحديث والتوجيه السليم في الأمور الخاصة بالجنس.

التعامل مع الجنس بوصفة سبة ووصم بات من غير المجدي في عصر المصادر المفتوحة، وتنوع أشكال وأنماط العلاقات، وليس من الصواب أن نُلقي ببناتنا في البحر ونقول سيتعلمن من التجربة والخطأ، ونحن لا نغفر ولا نعالج تبعات هذه الأخطاء، فمتى نفيق؟