احتلت قضايا التحرش خلال عام 2020 اهتمامًا كبيرًا على جميع الأصعدة، الاجتماعية والسياسية، بعدما انفجرت عدة حالات، حصل أصحابها على أحكام بالسجن، وأخرى تحولت للمحكمة للبت بها، ومنها إلى نداءات مستمرة بضرورة حفظ وحماية الشهود من الفتيات، اللائي يتعرض للتحرش.

من شرطة الاعتدءات إلى منصة المحكمة

حملت نهاية العام انتصارًا لمجموعة من الفتيات اللاتي شاركن بشهادتهن خلال الحملة الأليكترونية التي بدأت على موقع التواصل الإجتماعي ” انستجرام” بهدف فضح أحد الشباب من طلاب الجامعة الأمريكية، وحملت اسم ” Assault Police” أو شرطة الاعتداءات، فقد  قضت محكمة القاهرة الاقتصادية، الثلاثاء الماضي، بمعاقبة الطالب أحمد بسام زكى، بالحبس لمدة 3 سنوات مع الشغل، على خلفية اتهامه بهتك عرض 3 فتيات لم يبلغن 18 عاما وتهديدهن بإفشاء أمور خادشة للشرف ومحاولة ابتزازهن لاستمرار علاقته معهن.

أنطلقت الحملة في تجميع شهادات، لتكشف عن وجود اتهامات من أكثر من 100 بنت وولد، ضد أحمد بسام زكي الطالب بالجامعة الأمريكية، تنوعت بين حوادث اغتصاب وتحرش مباشر أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي (واتساب، وانستجرام)، وانتهت القضية بالسجن.

اقرأ أيضًا: التحرش الجنسي.. ظاهرة عالمية ترفض الانحسار

وبميت غمر، أثارت قضية الطالبة ياسمين.م والشهيرة ببسنت، الرأي العام وذلك بعد أن أحالت النيابة الكلية بالمنصورة 7 متهمين في قضية الاعتداء الجنسي الجماعي على الفتاة، لمحكمة الجنايات بتهمتي التحرش وهتك العرض، في القضية رقم ٩٠٤٥ لسنة ٢٠٢٠ جزئي ميت غمر / ٢٦٠٨ لسنة ٢٠٢٠ كلي المنصورة.

وطالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ضرورة اضطلاع النيابة بالتحقيق كذلك في التهديدات والتشهير الذي تعرضت لهما المجني عليها من قبل محامي المتهمين وأسرهم، مؤكدة على المطالبات السابقة باتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لضمان أمان وسلامة المبلغة وأسرتها. كما تؤكد على مسؤولية نقابة المحامين عن التحقيق في وقائع تهديد محامي المتهمين للمجني عليها و تشهيرهم بها.

وكانت الفتاة قد حررت محضر ضد الشباب، وتمكن ضباط مباحث القسم من تحديد هوية الشباب بعد الاستعانة بالكاميرات الموجودة أمام المحلات بالشارع، لتتعرض بعد ذلك إلى محاولات تشهير ونشر صور وفيديوهات خاصة لها، مع تهديدات بالقتل والتشوية من بعض الشخصيات وأقارب المتهمين.

إيجابيات منقوصة

وعن التغييرات الإيجابية التي طرأت في ملف قضايا التحرش، قالت المحامية عزيزة الطويل، إن الأوانه الأخيرة انتشرت حملات عديدة كحملة me tooوغيرها، عن التحرش وهذا ما دفع المشرع لتجريم تلك الأفعال ووضع عقوبات لها، ووضع مصطلح التحرش داخل قانون العقوبات، لانه كان لفظ مستحدث.

اقرأ أيضًا: منها لباس المرأة وإثبات الذكورة.. جهل رجال الدين ينشر ظاهرة التحرش

ولفتت الطويل لـ”مصر 360″، إلى إن المكتسبات الإيجابية بطلها المرأة التي أصبحت لديها الجرأة مؤخرا في طلب حقها وتحرير محاضر بالقسم والنيابة، وهذا لم يحدث من سنوات بشكل قوي، ولكن مؤخرا تحركت النساء وخاصة في قضية أحمد بسام زكي والتي بدأت بشهادات مجهلة وصولا لتقديم بلاغات والمحاكمة.

وتابع الطويل: “على الرغم من ثبوت قضية التحرش بأنها ظاهرة مجتمعية وليست محض صدفة من جانب المجلس القومي للمرأة،  إلا أن جهات التحقيق تقوم بالتعامل والتحريك السريع للقضايا المشهورة وعليها ضجة مجتمعية، ولكن على المستوى التطبيق نفتقر للمعاملة المنصفة، فلم نصل إلى مرحلة ما نطمح فمازالت الضحايا من النساء والناجيات في القضايا الغير مشهورة يواجهوا مشكلات بداية من تقديم البلاغ وصولا للتحقيقات والمحاكمة”.

واختتمت عزة الطويل تصريحاتها لـ”مصر 360″ قائله:” الناجيات تتعرضن للتشهير وكذلك ووصف سلوكها واتهامها بهدم قيم الأسر المصرية، إلى جانب نشر أسماء الضحايا وصورهم الشخصية على وسائل الأعلام المختلفة للنيل منهم وهذا بسبب غياب حماية البيانات للناجيات وضحايا التحرش والعنف ضد المرأة، والملاحقة والرقابة وإفشاء أسرار تحقيقات لأحد خارج أطراف التحقيق، فكل ذلك يسبب تراجع في تقديم البلاغات.

دفتر حكايات.. الفضل للحملات الإلكترونية

أعادت الحملات الإلكترونية قضية الاغتصاب والتحرش الجنسي إلى واجهة النقاش، من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، وذلك لافتقار الفتيات الملاذ الآمن على أرض الواقع.

فعلي موقع التواصل الإجتماعي “فيس بوك” ظهرت منصة “دفتر حكايات” محملة بشهادات صادمة من جانب فتيات غير معلن عن هوياتهن، تعرضن للتحرش من شخصيات بارزة في عدة مجالات مختلفة، بهدف فضح تلك الرموز ومنهم من كان قدوة للشباب والفتيات، ولكن لم تتحرك هذه الشهادات من داخل المنصة واكتفى أصحابها بالتدوين فقط، رافضين تحويل كلماتهن إلى محضر رسمي، وذلك خوفا من التشهير بهن.

توقفت الفتيات كثيرا أمام ذلك الأمر، بعدما تحول الشهود في قضية فندق “الفيرومنت” إلى متهمين، ورغم الخطوات الجادة والمناصرة للشكوى من جانب النيابة إلا أن تحول القضية على أكثر من شاهد واحتجازه، أصاب الفتيات بالقلق والخوف والتردد مرة أخرى من الإقدام على الشكوى، بعد الإفشاء بأسماء وفيديوهات خاصة تم تسريبها من هواتفهم.

يذكر أن قضية الفيرومنت والتي تتعلق بحفل وقعت به حادثة اغتصاب جماعي لإحدى الفتيات بعد تخديرها والاعتداء بحفر أسماء المعتدين على جسدها، بدأت أيضا من تدوينه على حساب “assault police” أو “شرطة الاعتداءات”، على موقع التواصل الاجتماعي “انستجرام”.

اقرأ أيضًا:“ضحايا التحرش”.. السوشيال ميديا وسيلة آمنة للفضفضة بعيدًا عن الأسرة

ويأتي هذا متعارضًا مع ما أقرته الحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، على الموافقة على مشروع قانون قدمته وزارة العدل للحفاظ على سرية أقوال المجني عليها في قضايا التحرش والاغتصاب والاعتداء الجنسي، والتي نصت العقوبة فيها على الحبس مدة لا تزيد على ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصري، كل من أفشى أمور خاصة ببيانات وأقوال المجني عليهن.

وشكل هذا القانون استجابة سريعة بعد القضية التي فجرتها تحقيقات النيابة مع المتهم بسام أحمد زكى الذي تحرش بأكثر من فتاة وهتك عرضهن بالقوة وتحت التهديد دون الإبلاغ عن أي وقعة من أي فتاة خوفا من الفضيحة.

حملة “شهود بلا حماية”

وفي إطار معالجة تصاعد وتيرة العنف الجنسي ضد الفتيات والنساء، قامت مؤسسة قضايا المرأة خلال مشاركتها بفعاليات 16 يومًا من نشاط مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، بتقديم 7 توصيات اختتمت بها حملة “شهود بلا حماية”، التي تهدف إلى تسليط الضوء على حماية الشهود والمبلغين. خاصة في قضايا العنف الجنسي ضد النساء.

وطالبت المؤسسة بسرعة إصدار قانون حماية الشهود والمبلغين والخبراء بشكل عام، وفي قضايا العنف الجنسي والأسري بشكل خاص، وذلك بما يضمن توفير سرية المعلومات والبيانات الخاصة بالمبلغين والشهود.

ولفتت المحامية والحقوقية، عزة سليمان، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية، إلى إنه تم تأسيس تحالف بين المنظمات الأهلية والشخصيات الحقوقية، لتقديم مسودة لقانون حماية الشهود، وتم تخصيص جزء كبير منه للعنف الأسري والتحرش الجنسي، باعتبارها قضايا حساسة وخاصة تحتاج شهود وإخفاءً للبيانات حتى لا يتم الضغط عليهم وترهيبهم.

وكانت  عزة سليمان قد تعرضت للتشوية وتحويلها من شاهدة إلى متهمة في قضية شيماء الصباغ، :”رأيت كيف يمارس الظلم وتشويه السمعة على من أراد كشف الحقيقة. وكيف يخفي شهود آخرون شهاداتهم خوفًا من توريطهم قضائيًا”.