يبدو أن فيروس كورونا هو أكثر عوامل التأثير في أفريقيا انطلاقًا من عام ٢٠٢٠ ولسنوات بعدها. وذلك لسببين؛ الأول توظيف الجائحة سياسيًا لتعطيل الاستحقاقات الانتخابية أو ممارسة تغييرات شكلية لها مظهر ممارسة الديمقراطية. لكنها واقعيًا استمرار لممارسات سلطوية وديكتاتورية. أما السبب الثاني فهو طبيعة الواقع الاقتصادي الأفريقي. والذي أفرز منظومة صحية تملك أوضاعًا غاية في الهشاشة.
علي المستوي السياسي، أسفر تأجيل الانتخابات في إثيوبيا عن حرب أهلية بين القوميات الإثيوبية. وهي الحرب التي لها انعكاسات إقليمية كبيرة، منها إحتمال نشوب حرب أخرى أو مناوشات مسلحة على أقل تقدير. بدأت في ٢٠٢٠ ومرجحة في ٢٠٢١ بين كل من إثيوبيا والسودان. وهي الحرب المؤثرة أيضًا على كل من إرتيريا والصومال من حيث هندسة العلاقات الإقليمية وانعكاساتها الداخلية.
وبشكل عام شهد التفاعل الأفريقي على المستوي السياسي أنماطًا تنافسية تعكس التحالفات السياسية؛ فمثلاً اجتمع زعماء منظمة إيجاد للتنمية ومكافحة التصحر بشرق أفريقيا، عبر “سكايب” لهذا الغرض في نهاية مارس. وبطبيعة الحال تبرز فيهم إثيوبيا والسودان. بينما اجتمعت مجموعة أخرى من الزعماء الأفارقة. وعبر سكايب أيضًا مع فرنسا تبرز فيهم مصر وجنوب أفريقيا.
الإغلاق والتباعد الاجتماعي أضعف قدرات المعارضات السياسية. فمثلاً توقف الحراك الشعبي الجزائري، بعد أن اتهمت النخب الحاكمة النشطاء السياسيين بالتسبب في نشر الجائحة عبر التظاهرات ونجحت بالفعل باسلوب الاتهام هذا مع نهاية مارس ٢٠٢٠. وبالتالي ارتفعت قدرات النخب السياسية التقليدية في بلورة المعادلات السياسية الداخلية. وذلك بعيدًا عن المطالبات الشعبية بتغييرات حقيقية في بنية النظام السياسي الجزائري.
المعارضات السياسية في غرب أفريقيا أيضًا لم تستطع تحت مظلة الجائحة مقاومة تعديل الدستور في كل من ساحل العاج وغينيا. وهو ما مكن كل من الحسن وتارا وألفا كوندي على التوالي من البقاء علي سدة الحكم لفترة ثالثة. بينما كان رئيس النيجر أكثر ذكاءً ربما حين اختار وزير داخليته وذراعه الأيمن محمد بازوم ليكون خليفته في أول تغيير للسلطة في البلاد بلا انقلاب عسكري منذ استقلاله. لكنه في الأخير تغيير شكلي ضمن استمرار اعتقال زعيم المعارضة لأسباب جنائية لا نعرف على وجه الدقة مدى مصداقيتها.
وإذا كان الأثر السياسي سلبي إلى هذه الدرجة، فإن اجتياح الفيروس كشف هشاشة اقتصادية ولوجستية للعديد من الدول الأفريقية ستكون لها نتائج سلبية. خاصة على حجم الضحايا في أفريقيا بسبب (كوفيد) في مرحلتيه الأولى والثانية. فمع بدء الموجة الأولى للجائحة، تم اكتشاف أن دولة مثل زيمبابوي لم تكن تملك في مارس ٢٠٢٠ إلا ثلاث أجهزة للتنفس الصناعي، بينما تملك جنوب السودان أربعة أجهزة فقط. ولكن سرعان ما تطور الموقف إيجابيًا بفضل مجهودات منظمة الصحة العالمية وبعض الدول الأفريقية كمصر التي قدمت دعمًا مباشر لجنوب السودان والسودان في مسألة أجهزة التنفس الصناعي.
في هذا السياق، تم كشف مدى ضعف حجم الكوادر الصحية. ففي كينيا هناك طبيب واحد لكل 5000 مواطن، حيث تفتقد أفريقيا للأطباء بسبب هجرتهم إلى الخارج للعمل بظروف وعوائد أفضل. ويكفي القول أن 65٪ من الأطباء الممارسيين في الولايات المتحدة هم من ثلاث دول افريقية. وذلك طبقًا لدراسة كليمنس وبيترسون المنشورة 2008. وهذه الدول هي نيجيريا وجنوب أفريقيا وغانا.
وفضلاً عن كل ما سبق، فإن الأنظمة الصحية الأفريقية إلى جانب هشاشتها، هي تعاني من ضغوطات تفشي الأوبئة، كتوطن الإيدز الذي يقدر عدد المصابين به بما يزيد عن 25 مليون شخصًا أفريقيا. وكذلك مرض الكالازر بإثيوبيا، إضافة إلى حمى لاسا في نيجيريا التي تصنف أكثر فتكًا من كورونا. بينما وباء الإيبولا ما يزال ماثلاً في عدد من الدول خصوصًا في شرق أفريقيا.
تبدو أفريقيا في هذه الجائحة بحاجة إلى ما يزيد عن مليون عامل صحي. وذلك بعد أن تسببت الهجرة الداخلية والخارجية في فقدان القارة لعدد مقدر من كوادرها الصحيين. خصوصًا العاملين في الأرياف لصالح المدن. وكذا العاملين في أفريقيا لصالح دول العالم المتقدم.
وستبقي التوعية بالإرشادات الصحية المنجية من الإصابة بكورونا مسألة تحدي تواجهه أفريقيا. وذلك بسبب نقص الإمدادات الكهربائية، التي يصعب معها استخدام وسائل الميديا المعروفة سريعة الانتشار. حيث يبقى المجهود البشري المنظم وغير المنظم عنصرًا فاعلاً في هذه المعركة، رغم بطئ فعاليته.
أنماط التفاعل
ربما يكون من اللافت أن أساليب مواجهة الفيروس اتخذت أبعادًا متعددة. ومنها ما هو قاري نظمه الاتحاد الأفريقي. كما منها ما هو جهوي مناطقي كتفاعل مواز مارسته كل من مجموعتي السادك في الجنوب الأفريقي والإيكواس في غرب القارة، لمواجهة (كوفيدـ١٩).
أما النمط التعاوني الذي برز من دول القارة، فقد تحملته مصر بامتياز. وذلك عبر قيامها بتدشين جسر جوي لدعم مباشر باللوازم الطبية المناسبة لمواجهة الجائحة بدول مثل زامبيا وزيميابوي والسودان وجنوب السودان، التي أقامت القاهرة بها مستشفى للعزل الصحي. وكذلك أمدت إرتيريا بدعم لمواجهة الجائحة.
وقد شكل التفاعل الأفريقي مع الصين عاملاً مؤثرًا لمواجهة كورونا. وذلك عبر آليات الاتحاد الأفريقي الصحية. إذ تم تدشين”الاستراتيجية القارية الأفريقية المشتركة لكورونا AFTCOR”، وضمن نوعًا من التنسيق مع منظمة الصحة العالمية والصين بهذا الشأن. وبطبيعة الحال فمن المتوقع أن تحوذ جهود مواجهة كورونا في أفريقيا على مجهودات واضحة. حيث انتشر الفيروس في مجمل القارة، وتصدرت جنوب أفريقيا المشهد في الإصابات والوفيات، وفقًا لتقديرات المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض“AFRICA CDC”.
رغم أن الصينيين تحركوا بسرعة لدعم أمم أفريقيا بالمساعدات مع تفشي فيروس كورونا. لكن حجم المساعدات كان محدودًا ولم يتجاوز 280 مليون دولار. ويبدو أن سياسة القروض الصينية السخية للبلدان الأفريقية، والتي تشكل 20%من حجم الديون الخارجية الأفريقية، لم تعد ممكنة بعد. وذلك مع تراجع الإقتصاد الصيني خلال 2020 بسبب الجائحة وتصاعد أعداد العاطلين عن العمل وتنامي مخاطر الإفلاس في قطاع الأعمال.
من هنا، فإن منح القطاع الخاص الصيني فاقت بشكل واضح المُنح الحكومية لأفريقيا لدعم السيطرة علي الوباء. خصوصًا وأن هناك نحو مليون صيني يعيشون في أفريقيا، يشكّلون أكبر جالية مهاجرة غير أفريقية.
ورغم هذه الصعوبات التي تواجهها حاليًا العلاقات الصينية الأفريقية، فثمة مؤشرات على أن الاتجاهات الصينية الجديدة، خلال الأعوام المقبلة -وبالتحديد في السنوات الخمس الماضية- ستركز على الاستثمار وليس القروض. وذلك مع حالة التصاعد في فرض القيود على الاستثمارات الصينية في الغرب عمومًا.
رغم هذه المجهودات الأفريقية، فإن اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة قد حثت دول مجموعة العشرين في نهاية نوفمبر على تقديم مساعدات مالية للدول الأشد فقرًا. وذلك بقيمة نصف ترليون دولار. وكذلك طالبت هذا الدول بتأخير أقساط خدمة الديون الأفريقية إلى عام 2021 أو العام الذي يليه. فضلاً عن تعزيز القدرة على حقوق السحب التمويلي الخاصة لهذه الدول.
ويمكن القول أن تحركات اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة لم تتعلق فقط بتحسين الاقتصادات الأفريقية. لكن أيضًا بدعم قدرتها علي جلب اللقاحات التي تم التوصل إاليها في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والصين. حيث حذر المركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها من تأخر وصول لقاح فيروس كورونا إلى القارة السمراء. وأشار إلى أن أي تأخر للقاح سيؤدي إلى توطن المرض في المجتمعات لفترة قد تطول إلى 5 سنوات.
وطبقا لجون نكينغاسونغ، مدير المركز، فإن 60% من سكان القارة بحاجة إلى الحصول على اللقاح خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة. ذلك لأن تأخر وصوله إلى القارة سيتسبب في توطن المرض في المجتمعات الأفريقية التي يصل عدد سكانها إلى مليار وثلث الميار نسمة.
لعل التحدي الأهم حاليًا أمام أفريقيا لمواجهة هذه الجائحة وما يترتب عليها هو القدرة على تمويل تحديث النظم الصحية وتداعيات انهيار القطاعات الاقتصادية الأفريقية، والذي تم تقديره من جانب الأمم المتحدة بـ ١٠٠ مليار دولار. وهو رقم مماثل لرقم تحديث البنية لتحتية الأفريقية بهدف التحديث والتشبيك، بما يوفر فرصة لانتقال الخدمات الصحية، وأيضًا يدعم فرص التكامل الاقتصادي الأفريقي الذي يبدو رهنًا لأحد أساليب مواجهة كرونا. وبالتالي إنقاذ الأفارقة.