على ما يبدو أن التطبيع العربي الإسرائيلي سيكون طوق النجاة الذي سيتعلق به نتنياهو قبل الانتخابات الإسرائيلية القادمة في ظل ما حققه من “سلام دون مقابل” كما يقال في الداخل الإسرائيلي.

في الثاني والعشرين من دبسمبر الماضي، ومع حلول نهاية العام، تم الإعلان رسميًا عن حل الكنيست الإسرائيلي – البرلمان – على خلفية عدم الوصول إلى اتفاق ثابت بين حزبي (الليكود وأبيض أزرق) من أجل تمرير الموزانة العامة للدولة، وهو ما تسبب في حالة من الارتباك داخل عدد من الكيانات السياسية في الداخل الإسرائيلي.

ثلاثة أشهر فقط تفصلنا عن الانتخابات الإسرائيلية القادمة، التي وصفها “رئيس الكنيست” باريف ليفين في جلسته الختامية بأنها معركة انتخابية تسير نحوها إسرائيل في ظل عدة تعقيدات وفترة صعبة تعيشها الدولة.

على الجانب الآخر، راح المنافس الأبرز والأقوى لنتنياهو والمنشق عن حزب الليكود اليميني المتطرف “جدعو ساعر” ومؤسس حزب “أمل جديد” يؤكد على أن “نتنياهو” الذي سبق، ومثل أمام المحكمة بسبب قضايا الفساد، هو ما يجر الدولة إلى ما هي عليه الآن، قائلا :”إنه مدانا بجرائم قضائية ويجر الدولة إلى أربع معارك انتخابية، ولولا محاكمته لكان كل شيء حولنا يسير على مايُرام”.

اقرأ أيضًا: إسرائيل المستفيد.. وإيران تدفع قطار التطبيع نحو العرب

بالرغم من اهتزاز الأرض أسفل قدم نتنياهو بعد أن فاحت رائحة الفساد من داخل مربع صناعة القرار في دولة الاحتلال “الكنيست”، فقد رأى بعض الكتاب العرب في تعليقهم على حل الكنيست الإسرائيلي، أن فرص نتتياهو بالفوز مازالت قوية رغم  وسطوع نجم جدعون ساعر فقد رأوا أن “التطبيع” يمكنه أن يكون الورقة الرابحة لنتنياهو، فيما راح البعض يؤكد على أن خسارته أمرا واودا وقد تتأثر العديد من الملفات العربية جراء هذه الخسارة.

ملف التطبيع إلى أين ؟

وصف الكاتب سهيل كيوان في صحيفة القدس العربي اللندنية، عملية التطبيع التي جرت مؤخرًا مع عدد من الدول العربية ذات الدور المركزي والمحوري في المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة والمغرب، بأنها “ورقة نتنياهو الرابحة” والتي منحته الدعامة الأقوى في مواجهة منافسيه داخل الكنيست.

حسب كيوان، نتنياهو يعد ملف التطبيع ضمن إنجازات حكومته المتشددة الأهم بعد أن “فرض” عملية السلام على عدة دول عربية، ودون أي مقابل فهو مجرد “سلام مقابل سلام” على حد وصفه.

وأكد كيوان، أن هذه الخطوة يمكنها أن تكون الورقة التي سيمارس بها نتنياهو ضغطه على الأعضاء لحصول حزبه على عدد أكبر من المقاعد، خاصة بعد آخر استطلاع رأي أُجري في داخل دولة إسرائيل، وأشارت نتائجه إلى أن حزب الليكود حتما سيتراجع عن نسبة 37% من المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات الماضية.

اقرأ أيضًا: “التطبيع مع إسرائيل”.. مفاوضات غير مباشرة بين الخرطوم وتل أبيب وسط خلافات داخلية

فيما أشار بعض الباحثين إلى أن نتنياهو مر بأزمات صعبة داخل أروقة الكنيست ويريد أن  يستغل أية فرصة ممكنة من أجل تثبيت دعائمه، وحديثه الدائم عن “طابور التطبيع” يمكنه أن يكون ورقته الرابحة وبمثابة “عودة الروح” مرة أخرى إلى نتنياهو بعد أن اختنق بفعل الأزمات الداخلية، وهو ما يعول عليه نتنياهو في الانتخابات المزمع عقدها في مارس المقبل.

هل ستشفع له مصالحته مع “عاصمة اللاءات الثلاثة”؟ 

في نهاية أكتوبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصورة فاجأت الجميع ومن خلال تغريدة له على موقع التغريدات العالمي “تويتر” ونقلا عن وكالة سبوتنيك الروسية، تجديد رغبته في التطبيع مع إسرائيل قائلا: “الخرطوم تقول نعم للسلام ونعم للاعتراف ونعم للتطبيع مع إسرائيل”.

يعود “نتنياهو” بنا بتلك الكلمات إلى عام 1967 حينما انسحبت الخرطوم عاصمة السودان من القمة العربية التي عُقدت في هذا العام.

هذه القمة التي تلت هزيمة مصر والعلم العربي هزيمة مدوية في حرب يونيو 1976، اشتهرت بعدها مدينة الخرطوم بعاصمة “اللاءات الثلاثة” وظلت حتى مطلع العام الحالي تشتهر بهذه الصفة، وهذا حينما قام مندوب السودان في المؤتمر وقال وسط الجلسة “لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع إسرائيل!”.

الأمر بالنسبة لنتنياهو بات كالمعجزة طوق النجاة له من التهم المتلاحقة التي تنهال عليه في الداخل الإسرائيلي، خاصة بعد أن أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف “عمر قمر الدين” أن الحكومة الانتقالية في البلاد وافقت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل لتلحق بركب الإمارات التي طبعت مع إسرائيل في منتصف سبتمبر الماضي، وتلتها البحرين في 18 أكتوبر، ثم المغرب في نهاية ديسمبر الماضي.

أصبحت ورقة “إحلال السلام” في المنطقة العربية هي الورقة التي يلقي بها نتنياهو في كل مرة يتعرض لها للانتقادات بسبب الفساد المالي والإداري داخل حكومته.

وقال في مكالمة أجراها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عشية التطبيع مع السودان: “إن دائرة السلام في المنطقة تتوسع بصورة كبيرة وسريعة”، واصفًا نجاحه في عقد اتفاقية السلام بالتحول الاستثنائي والاحتراق الدراماتيكي للسلام.

فيما كشف نتنياهو خلال حديثه عن لقاءات مرتقبة مع عدد من الوفود السودانية وإسرائيل من أجل بحث سبل التعاون على الأصعدة التجارية والسياسية والتجارية مع فتح السماء السودانية أمام الطائرات الأمريكية وتسيير الرحلات بين إسرائيل وأفريقيا وأمريكا الجنوبية بصورة أقصر، متابعا :”أشعر بانفعال كبير ويا ليت تتوسع الدائرة”. كما اشار إلى تراجع السودان عن عدائها مع إسرائيل منذ عام 2016 في ظل السنوات الأخيرة لحكم عمر البشير، من خلال قطع العلاقات بين الخرطوم وطهران.

ورأى البعض أن العلاقات بين البلدين التي بالكاد شهدت تحسنا بعد العداء الذي استمر لسنوات بسبب دعم السودان المستمر لحماس، لن تتأثر كثيرًا بغياب نتنياهو عن المشهد، لأن عملية السلام لم تكن مع شخص بنيامين نتياهو.

سبق وصرح  الفريق “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان، بأن السودان جنحت نحو التطبيع إعمالا بمبدأ “الصالح العام” والأمن والمصالح الوطنية للبلاد وأن موقف السودان من إسرائيل لن يتغير بأي حال من الأحوال ومهما حدث، في إشارة إلى تنديد وزير الإعلام السوداني “فيصل محمد صالح” بالتطبيع واصفا إياه بانتهاك حق فلسطين المشروع بالاعتراف بأراضيها.

المباركة الأمريكية للسياسة الإسرائيلية هل باتت مترنحة؟

في العاشر من نوفمبر الماضي نشرت صحيفة إسرائيلية مقال رأي لأحد الكتاب المعارضين “باروخ ليشيم” في صحيفة “يدعوت أحرونوت” ، يؤكد فيه أنه على رئيس الوزراء أن يقلق على مستقبله بعد خسارة الرئيس الأمريكية دونالد ترامب، واصفا خلفيات كلا الرجلين بالمتقاربة بالرغم من اختلافهما شخصيا، قائلا:”كل منهما يحاول محاربة الدولة العميقة والبقاء في السلطة، فهم عصابة من التقديميين وخسارة أحدهما تعني خسارة الآخر!”.

حديث هذا الصحفي طفى على السطح مرة أخرى بعد أن تم حل الكنيست الإسرائيلي في نهاية الشهر الماضي، ففي الوقت الذي خسر فيه أهم رجل بالنسبة لنتياهو في المنطقة هو الرئيس “دونالد ترامب” الذي بارك بسط نفوذه في منطقة الجولان العربية ومهد له الطريق للتطبيع مع ثلاث دول عربية وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر من عام 2018.

بدا باستطلاعات الرأي أنه يخسر أيضا عدد من ناخبي اليسار والوسط بعد انشقاق أهم رجل في حزب الليكود ووصفت  بعض الصحف الإسرائيلية موقف نتنياهو بخسارة ترامب بالحساس جدا.

وتباينت وجهات النظر حال خسر نتنياهو في الانتخابات القادمة، وخاصة بعد الخسارة الفعلية لترامب ومحاولات نتنياهو المستمرة لإرضاء ترامب خلال الايام المتبقية له في البيت الأبيض، فهو الصديق المقرب له والذي أعطاه الهدايا مدة 4 سنوات.

في المقابل، فإن بايدن ونتنياهو يعرفان بعضهما ولكن بايدن يعرف أن الأخير طوال الوقت سعى لفوز ترامب.

وثمة رأي آخر أكثر تفاؤلا يرى أن العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية التي يستمد طرفيها القوة بعضهمها من بعض لن تتأثر برحيل الرجلين، فقد قال المحلل العسكري روني دانييل” لقناة 12 الإسرائيلية :إن إسرائيل تحصل على مساعدات أمريكية أمنية بمبلغ 4.5 مليار دولار سنويا، وتلك المنحة قد قدمها الديموقراطي أوباما لذلك لا يجب القلق فكل شيء على ما يرام”.

أما فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، ففي ظل إعلان بايدن وإدارته الجديدة للولايات المتحدة عن نيته إعادة الاتفاق النووي الإيراني، وتلك كانت سياسة الرئيس السابق باراك أوباما أيضا، في وقت قد أعلن فيه نتنياهو خلال الفترة الماضية وأثناء استقباله مستشار الأمن القومي الأمريكي “روبرت أوبراين” بضرورة تشكيل جبهة عالمية موحدة لمواجهة إيران.

حيث قال في كلمته بمؤتمر صحفي عقده مع أوبراين :”علينا تشكيل جبهة موحدة لمواجهة هذا التهديد العالمي وإحلال السلام العالمي وإفشال خطط إيران النووية”، فيما يبدو أن طموحات إسرائيل بتكوين جبهة عالمية لتقويض إيران يهددها صعود بايدن على كرسي الرئاسة وتهددها أكثر شعبية نتنياهو المتراجعة في الداخل الإسرائيلي. وذلك في غياب الداعم الأكبر له “ترامب” وعزم بايدن تحسيت وتقارب العلاقات الفلسطينية – الأمريكية من خلال عودة تمويل وكالة “غوث” لدعم اللاجئين الفلسطينيين.

اقرأ أيضًا: “التطبيع مع إسرائيل”.. مفاوضات غير مباشرة بين الخرطوم وتل أبيب وسط خلافات داخلية

الداخل الفلسطيني.. هل حان وقت التخلص من نتنياهو؟

في الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي، نشرت جريدة “العرب” اللندنية مقالًا للكاتب والمحلل السياسي “عدلي صادق” يتحدث فيه عن ترك الفلسطينيين الخِضم السياسي الذي تشهده السياسة الإسرائيلية الداخلية بعد انشقاق اليمين المتطرف على نفسه بانسحاب أهم أعضائه منه مطلع ديسمبر الماضي، وتركيزهم على شخص نتنياهو وإعلان بعض السياسيين الفلسطينيين “تفاؤلهم” باقتراب التخلص من نتنياهو، واصفا هذا التفاؤل بالدليل القاطع على ضيق أفق بعض السياسيين الفلسطينيين، مؤكدا على أن بدائل نتنياهو الذين سيصعدون مكانه حال خسارته يصفونه دائما بالأقل تطرفًا!

فيما وصف جمال زحالقة، رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48، أنه بعد هذا الانشقاق الذي حدث أصبح هناك يمينين في إسرائيل واحد ضد نتنياهو وآخر معه، مما سيشكل سياسة جديدة وتطور في السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطين، خاصة وأن حقبة نتنياهو التي بدأت في عام 2009 وامتدت حتى هذا اليوم شهدت ما يسميه مراقبون “بالعصر الذهبي للاستيطان” أو تمدد بناء بناء المستوطنات في شرقي القدس والضفة الغربية وهذه كانت سايسة اليمين المتطرف تجاه الملف الفلسطيني دائما.

وأكد زحالقة على أن نتيجة الانتخابات معروفة سلفًا وهي فوز اليمين المتطرف، وبأغلبية ساحقة وهو الأمر المؤكد، ويعول على ذلك في ارتفاع صوت اليمين المتطرف وبسط نفوذه بعد انشقاقه على نفسه، حيث تستقطب قى المعارضة أصوات كثيرة من أجل إسقاطه، مؤكدا على أن البديل سوف لن يكون أقل تطرفا من نتنياهو خاصة بعد أن فشلت عدة قوى يسارية في التخلص منه في وقت سابق. كما أنه في رأي زحالقة وعدد من السياسيين الفلسطينيين، فإن خسارة نتنياهو ممكنة ولكن فوز اليمين المتطرف.

وتابع زحالقة :”لا حاجة لنا في انتظار نتائج الانتخابات لأن الحكومة لن تكون أقل تطرفا، ونريد من السلطة الفلسطينية أن تتخلص من عادة الانتظار هذه في كل انتخابات إسرائيلية”.