هل تحزن الدنيا على فقد بعض الناس أكثر من غيرهم ؟

أم أن حال الدنيا لا يجعلها تتوقف عند أحد ؟!

يبدأ العام بوفاة كاتب عظيم، عاش يحب الناس ويطالب بالعدالة ويناصر المستضفين، ويسأل عن حرية العقل وحرية الاختيار وجودة الحياة التى يستحقها المصريون، وفي في اليوم نفسه تضج الشوارع بالناس العادية الذين دافع عنهم وحيد حامد في كل أعماله، ويستمر في الأسواق البيع والشراء، و لا الساعة تقف و لا قواعد اللعبة تتغير.

رغم ذلك، نستطيع أن نقول بقلب واثق مطمئن ( اللى كتب ما متش) فحتى بعد الرحيل،  يمكث في الأرض بذور ( تنفع الناس ) غرسها وحيد حامد بيديه للضمير و الحب والإنسانية، والحلم بأيام أفضل من تلك الأيام.

الغداء الأخير

  • بعد أيام معدودة من تكريمه في مهرجان القاهرة السنيمائى الأخير، اتصل بى الأستاذ وحيد حامد وطلب منى الحضور غدا ضرورى، لاجتماع يوم السبت الأسبوعى الذى كنا نسميه (اجتماع الشر) في فندق كبير على النيل في جاردن سيتى، مكان تواجده الثابت والدائم و المفضل.

وكنت بطبيعتى أفوت بعض هذه الاجتماعات المهمة، التى يحب فيها الأستاذ ان يقابل عددا من أصحابه: صحفيين وكتاب وفنانين ومخرجين وإعلاميين معروفين أو باحثين شباب متخصصين في الأدب أوالتاريخ وشؤون الإرهاب والإخوان المسلمين.

في بعض المرات تغيبت عن تلك اللقاءات الأسبوعية الشيقة التى يفضفض فيها الأستاذ بخبرة السنين التى عاين وعايش فيها  السنيما والكتابة والناس الحلوة والأشرار الكبار.

وكان في نفس الاجتماعات الأسبوعية يعلق برأيه على المستجدات والأحداث في مصر والعالم وهو على يقين طبعا أنها جلسة أصدقاء مغلقة وما يقال فيها ليس للنشر او الاستغلال الصحفى.

ولما كانت تلك الجلسات جميلة وفكاهية ودافئة وغالية القيمة، يبدو أن الأستاذ تعجب من استهتارى وغيابى فأرسل لى على التليفون يسأل:  أين أنت؟

قلت له بسذاجة مفرطة اننى اعتذر عن الحضور هذه الفترة لأنى مشغولة بكورسات تعلم الأنجليزية في المعهد الثقافى البريطانى، فرد عليا ساخرا برسالة لا أنساها فيها صورة  (محمد رمضان ) يركب طائرته الخاصة، وصورة أخرى لصف طويل من الشباب يجلس على القهوة ويدخن الشيشة بملابس مناقشة الدكتوراه حيث إنهم لا يجدون عملا !

وكانت رسالة مضحكة جدا وبليغة وفي مستوى السحر والتأثير الذى تعود وحيد حامد أن يخاطبنا به معتمدا على السنيما والدراما وتوظيف الصورة والإسقاط على الواقع.

من يومها لم أتغيب لأى سبب أو حجة عن جلسات المعلم الكبير.

 

  • في اجتماعنا الأخير ، يوم السبت ظهرا في نفس المكان، قبل حوالى أسبوعين من وفاته، بدا وحيد حامد بوجه ساهم غير مألوف، كما لو كان يدارى في عنينيه هما كبيرا ، ويغطى على الألم والانشغال والحزن بإجراءات الترتيب لحفل صغير أعده لأصدقائه وأحبته المقربين، تحت عنوان الاحتفال بتكريمه في مهرجان القاهرة السنيمائى الأخير.

لكنى – يعلم الله –  كنت أحس كلما نظرت لقسمات وجهه يومها أنه حفل وداع أخير للأحبة!

 

طقوس وحيد حامد.. الفلاح البسيط الذي لا يكتب إلا تحت سماء مفتوحة

 

حضر الحفل الفنانة يسرا التى كانت تشاركنا أحيانا الحضور في هذه الاجتماعات الصباحية وتضيف إليها مزيدا من البهجة، وكان الأستاذ وحيد يقول دائما عنها إنها أخته الصغرى، وحضر صديقه المقرب الصحفى عاصم حنفى الذى كان عادة لا يكف عن إضحاك وحيد حامد بطريقته الكوميدية في سرد آخر الأخبار والحكايات وكان الأستاذ وحيد يكن له معزة خاصة.

أما الطبيب الصيدلى الشاب هشام قابيل الذى كان يتابع أدوية علاج الأستاذ وحيد حامد، منذ سنوات وكان من المقربين لقلبه رغم صغر سنه، فقد حضر اللقاء أيضا، وجلس هادئا مبتسما  بين المدعويين الأكثر شهرة في مصر ، وهم مجموعة منتقاه من الكتاب والصحفيين والفنانين ، دعاهم وحيد حامد للقائه، في يوم كان الأخير، من الأيام التى يخرج فيها إلى مقعده المميز على النيل ومكانه المفضل لمقابلة الأصدقاء أو كتابة الأفلام  والمسلسلات، على مدى سنوات عمره الطويلة !

 

 

صورة ونصيحة وتعويذة

 

  • بقيت من هذا اليوم الأخير صورة جميلة للذكرى
  • وبقى في محفظتى الخاصة ورقة صغيرة وضعتها في غلاف من البلاستيك الشفاف ليحميها واسميتها ( حجاب الشيخ وحيد حامد ) من يوم كتبها لى بخط يده وطلب منى أن أحتفظ بها للأبد

مكتوب على وجه الورقة بقلمه:

تعلمى الصبر وطولة البال

  • مساحة حب واسعة
  • ثقافة عالية

تلك هى الشروط المطلوبة لتصبحى كاتبة سيناريو ممتازة

  • وعلى ظهر نفس الورقة الصغيرة رسم وحيد حامد شكل توضيحى وكأنه خريطة او تعويذة للنجاح

فرسم جبل وخطا صاعدا للقمة

ويومها قال لى بحنو الأب والمعلم الكبير

لا تنظرى للجبل حتى لا تتهيبى الصعود أو تجدين الأمر صعبا، فقط ابدأى واصعدى وستصلين.

 

مثل بطاقتى الشخصية لا يزال الحجاب معى أينما اذهب

ومثل طعم الحلوى وتورتة الشيكولاتة الفاخرة التى دعانا إليها في اليوم الأخير بقيت حلاوة الابتسامة وطعم الكلمات وصدق إحساس الأب المسؤول أمامى وفي قلبى

 

رحم الله وحيد حامد

وكان الله في عون عشاقه وفي عون مصر.