وحيد حامد، الغول، معالي الوزير، آخر الرجال المحترمين، الكثير من الأعمال الرائعة التي قدمها أحد أهرامات مصر في تاريخها الفني، والذي قدم على مدار 5 عقود العديد من الأعمال التي خلدت لحظات تاريخية في حياة الوطن.

لم يكن “وحيد حامد “75 عامًا” واحدا من الكتاب الذين مروا مرور الكرام على الحياة الفنية، إذ ترك الراحل الذي توفي اليوم بعد تدهور حالته الصحية في أحد مستشفيات القاهرة، بصماته الفنية من خلال أعمال أكدت أهميته داخل الأوساط الفنية ونزعته نحو التغيير عبر السينما.

البسيط الذي عرف الناس وكتب عنهم

من القرية بدأ وحيد حامد، هناك تعرف على الحياة في صورتها الأولى، عرف البساطة والتواضع عن قرب، تعرف على طبيعة الإنسان المصري مما سهل عليه أن يكتب عنه وإليه.

يقول حامد عن تلك المرحلة: “عندما حضرت للقاهرة عشت الأحياء الشعبية، حيث كنت أسكن بالسيدة زينب، فقد عشت المجتمع كله، لحد ما ربنا أكرمني وتعرفت على المجتمع الأعلى كنت زائر ليهم ثم أصبحت منهم “طبقة الفنادق”.

على الرغم من وصول “حامد” إلى الطبقات العليا في المجتمع إلا أن تواصله المستمر مع الشارع جعله مفتونا بتفاصيل الحياة اليومية للمواطن المصري البسيط، قائلا: “صلتي لم تنقطع على الإطلاق بالشارع المصري، وبحب أنزل اشتري حاجتي بنفسي، وبحب التسوق، والاختلاط بالناس وكل الناس صحابي من أول بتاع الجرايد والخضري والسوبر ماركت ومعايا تليفوناتهم أو العكس”.

اقرأ أيضًا: انتهى المشوار.. هرمٌ ذهبي لنصف قرن من وحيد حامد

يقول السيناريست الراحل وحيد حامد عن ملكة الكتابة وكيف منحته حيوات غير التي عاشها، الخوض في غمار تفاصيل أبطاله وصناعة الرؤية الفنية لعمل يخلد في التاريخ أمرا جلل لا يمكن نكرانه.

يقول حامد: “منحتنى الكتابة أكثر بكثير مما سعيت له.. وأنا حتى هذه اللحظة لا أعتبر نفسى كاتباً محترفاً، وأكتب بروح الهاوى، فأنا فى حياتى كلها لم أستكتب نفسى، ولم أفرض عليها يوماً الإمساك بالورقة والقلم وكتابة أى موضوع، فقط أترك نفسى حتى تصلنى الفكرة المناسبة وبعدها أبدأ فى اختيار القالب المناسب لها، واتبعت هذا الأسلوب فى كل ما كتبت، سواء فى السينما أو الدراما التليفزيونية والإذاعية أو حتى فى كتابة المقال الصحفى، وإذا شعرت أننى لا أرغب فى الكتابة أتوقف فوراً ولا أضع نفسى تحت أى ضغوط للاستمرار بها، فالكتابة بالنسبة لى متعة، وأحب أن أرى نفسى عاشقاً ومخلصاً لها”.

طقوس مختلفة.. عالم وحيد حامد

تختلف طقوس الكتابة من كاتب لآخر، فهناك من يكتب في الليل فقط، وآخر يكتب أثناء السير حافيا، وليس غريبا أن نقول أن أحد أكثر الكتاب شهرة في العالم العربي صاحب جائزة نوبل، كنت طقوسه اليومية لا تتغير إذ وضع روتين يومي قاس لنفسه لا يمكن تجاوزه.

الأمر ذاته لوحيد حامد، يمتلك طقوسه الخاصة في الكتابة لا يمكن تجاوزها، وعن ذلك يقول: “لم أعتد على الإطلاق الكتابة فى المنزل، رغم أننى أملك غرفة مكتب فى منزلى لكنى لا أستطيع الكتابة فيها أبداً، ربما بحكم نشأتى كفلاح تربيت على الجلوس فى الحقول حيث الاتساع والبراح، ولذلك لا أميل للكتابة فى أى مكان مغلق، أحب أن أرى أمامى سماء وأفقاً مفتوحًا”.

ويستكمل حامد خلال حوار سابق أجراه لصحيفة الوطن المصرية: “بدأت الكتابة فى وسط البلد بكازينو «إكسليسيور» بجوار سينما ميامى، وكذلك كافيتريا «حورس» فى شارع 26 يوليو، ثم انتقلت إلى فندق سميراميس القديم الذى تم هدمه، ثم النيل هيلتون، وحين كنت أخرج بعيداً عن القاهرة كنت أذهب للإسكندرية على البحر بفندق «سان جيوفانى»، وكنت أجد ترحيباً كبيراً من السيد وسيم محيى الدين.

كما كان يسافر فى بعض الأحيان خارج مصر ويفصل الكتاب فى المقاهى بالأماكن المفتوحة أيضاً، مثل مقهى على البحر فى «نيس» بفرنسا، أو غيرها، فالمهم هو توافر مكان وأفق متسع.

“الأهم فى ما يتعلق بالكتابة لدىّ أننى لا أكتب إلا فى النهار، وإذا جاءتنى فكرة فى المساء أظل محتفظاً بها حتى نهار اليوم التالى، فإذا استيقظت ووجدتها لا تزال عالقة بذهنى أكتبها، وإذا نسيتها أو تجاوزتها أعرف أنها لم تكن فكرة حقيقية”.

كل من اقترب من وحيد حامد والتقاه في حياته، يعرف مدى ارتباطه بأحد الفنادق التي قضى فيها سنواته الأخيرة، يرتشف القهوة ويكتب ما يجول في خاطره من كلمات: “بدأت علاقتى بهذا المكان عام 1974، حين افتتحه رئيس الوزراء عبدالعزيز حجازى، وجئت مثل كثير من الشباب فى ذلك الوقت لنستكشف هذا المكان الجديد الذى سمى «الميريديان» وقتها، وارتبطت به بسبب المنظر الساحر للنيل، وظللت أواظب على الحضور بشكل يومى من العاشرة صباحاً وحتى الساعة الثالثة تقريباً، وحدثت حالة من الألفة بينى وبين المكان والبشر، وصار العاملون جميعهم أصدقائى، وكل سيناريوهاتى تقريباً كُتبت فى هذا المكان، كما توافد على المكان للجلوس معى معظم نجوم مصر ومشاهيرها، ومنهم محمود مرسى، وعادل إمام وأحمد زكى”.

ترك وحيد حامد بوفاته جرحا غائرا في جلباب صناع السينما والدراما المصرية، ليطرح تساؤل حول من يمكن أن يخلف حامد ليتحدث عن أوجاع المصريين.