قبل عام وفي مثل هذا اليوم 3 يناير 2020، في الثانية فجرًا سمع دوي انفجارات بالقرب من مطار بغداد. تصاعدت ألسنة اللهب والدخان. الأنباء تواترت بشأن المستهدف من التفجير، وقيل إن صيدًا ثمينًا وقع. لم يكن أحد يعرف أن من وقع “قاسم سليماني”.

خلية الإعلام الأمني العراقي نشرت خبرًا مقتضبًا على صحفتها الرسمية بـ”فيسبوك“، قالت فيه إن 3 صواريخ كاتيوشا سقطت قرب صالة الشحن بمطار بغداد. ظن الجميع وقتها أن “داعش” عاد من جديد قبل أن تعرف الحقيقة.

اقرأ أيضًا.. الصحف الإيرانية: اغتيال “سليماني” أكبر جريمة أمريكية وزلزال يضرب محافظة خراسان

تهديدات إيران بعد اغتيال سليماني

وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية كانت أول من نقل الحقيقة. مسؤول أمريكي قال لها إن التفجير كان عملية مخطط لها لاغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني عبر صواريخ أطلقت من طائرة مسيّرة.

طبقًا للوكالة قتل سليماني وأبو مهدي المهندس نائب قائد ميليشيات الحشد الشعبي بالإضافة إلى 10 آخرين. من بين هؤلاء مسؤول التشريفات في الحشد محمد رضا الجابري.

مصادر عراقية قالت إن الطائرة المسيّرة استهدفت قيادات رفيعة من ميليشيات كتائب حزب الله في العراق والحرس الثوري الإيراني، دون أن تعرف هويتهم.

بدأ العام الجديد (2020) غير سعيد على إيران. سليماني لم يكن فقط قيادة كبيرة في الحرس الثوري، بل كان مهندسًا للعمليات العسكرية في سوريا واليمن والعراق ومنسق السياسات مع حزب الله اللبناني الموالي لطهران.

جنازة سليماني في مدينة كرمان الإيرانية لفتت الأنظار، ليس فقط لأنها شهدت 50 قتيلاً وإصابة المئات بسبب التدافع. لكن أيضًا بسبب سيل التهديد والوعيد الإيراني بالثأر للرجل و”تدمير الشيطان الأكبر” أو الولايات المتحدة.

قاسم سليماني

اقرأ أيضًا.. كيف نشر النظام الإيراني فيروس كورونا في الشرق الأوسط؟

الثأر لسليماني

بينما انشغل العالم بأخبار أزمة كورونا، لم تصمت طهران طوال أسابيع عن ترديد رغبتها في الانتقام من قتلة سليماني. قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي قال إن ثأر طهران لاغتيال سليماني سيطال “المتورطين” فيه.

سلامي قال في تصريحات نقلها موقع “سباه نيوز” التابع لحرس الثوري: “سيد ترامب، ثأرنا لاستشهاد قائدنا العظيم هو مؤكد، جدي، وواقعي، لكننا شرفاء ونأخذ مسألة الثأر بإنصاف وعدالة”.

“تعتقد أننا سنستهدف سفيرة في جنوب إفريقيا (ثأرًا) لدماء أخينا الشهيد. نحن نضرب أولئك الذين كانوا بشكل مباشر أو غير مباشر متورطين في استشهاد هذا الرجل العظيم. عليك أن تعرف أننا سنستهدف من تورط، كائنًا من كان. هذه رسالة جدية”.

بعدها بأيام أعلنت إيران في 8 يناير، استهداف القوات الأمريكية في قاعدة الأسد الجوية بالعراق بصواريخ باليستية. بينما علق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مغردًا: “كل شيء على ما يرام”.

في وقت لاحق من اليوم نفسه، أعلنت إيران مهاجمة قاعدة أخرى للأمريكان في شمال العراق، هي قاعدة أربيل العسكرية. بينما لم يعلن الجيش الأمريكي أي إصابات في صفوفه. كما أعلن أن كل ما تضرر من الصواريخ الإيرانية بضع “منشآت غير مهمة”.

من ناحة أخرى هدد إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الجديد، بأن طهران ودول شرق أوسطية لم يسمها ستنتقم لمقتل سليماني. كما هدد أيضًا بقتل مسئولين أمريكيين منهم وزيرا الخارجية والدفاع، ورئيسُ المخابرات المركزية الأمريكية.

وقال قاآني إنهم سينتقمون لقاسم سليماني رافضًا الإدلاء بمزيد من التفاصيل في هذا الخصوص. بينما أضاف أن “الهدف الرئيسي” من الانتقام لسليماني هو انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة.

التهديدات الإيرانية لم تتوقف طوال عام 2020. بينما ضربها فيروس كورونا بعنف بداية من مارس 2020، لتدخل البلاد في إغلاق عام وحظر تجول. توقفت فجأة المطالبات بالثأر لمقتل سليماني.

اغتيال جديد

في ديسمبر الماضي وبينما يستعد العالم لوداع عام حزين بسبب استمرار جائحة كورونا وضبابية موقف اللقاحات التي يعلن عنها يوميًا. كذلك لم ينته العام إلا وضربت إيران مجددًا في نوفمبر كما ضربت في يناير.

قبل أسبوع من بداية آخر شهور 2020، أعلنت إيران اغتيال كبير علماء الذرة الإيرانيين محسن فخري زادة، في كمينٍ نصب له قرب طهران. هكذا تعرضت سيارته لوابل من النيران المجهولة.

وكشف أبناء زادة تفاصيل الاغتيال. وأكدا أن والدتهما زوجة العالم النووي كانت بصحبته أثناء الاغتيال لكنها لم تصب خلال العملية. كاشفين أن والدهما أصيب بـ4 أو 5 رصاصات خلال العملية، ما أدى إلى مقتله.

الاغتيال أثار جدلًا كبيرًا وقتها.خاصة أنه اخراقًا للأراضي الإيرانية في عملية شبه حربية.

فخري زادة

اقرأ أيضًا.. “بلوش إيران”.. أقلية سُنية تستبيحها السلطات الشيعية

ووفقًا لابنيه نصح الحراس المرافقين لزادة بعدم استقلال السيارة ذلك اليوم، لكنه أصر على حضور اجتماع ما. بينما اتهمت طهران إسرائيل بالوقوف وراء العملية التي جرت قرب العاصمة طهران.

من ناحية أخرى قال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في مؤتمر صحفي عام 2018 حول برنامج إيران النووي: “تذكروا هذا الاسم”، مشيرًا إلى العالم النووي الإيراني القتيل.

“صنع في إسرائيل”

قناة “برس تي في” الإيرانية قالت إن السلاح الذي استخدم في مقتل زادة “صُنع في إسرائيل“. كما نقلت القناة عن مصدر إن “السلاح الذي تم جمعه من موقع حادث اغتيال زادة “يحمل شعار الصناعة العسكرية الإسرائيلية“.

بينما قالت وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية إن زادة اغتيل “برشاش آلي يعمل بجهاز تحكم عن بعد وضع فوق سيارة”. بينما قالت الخارجية الإيرانية إن منظمة مجاهدي خلق المعارضة نفذت العملية على الأرض.

الرد الإيراني هذه المرة كان مختلفًا. لم تصدر تهديدات أو وعود. لكن قبل أيام من يناير 2021 حضر سليماني في المشهد مجددًا.

الخوف من رد إيراني بمناسبة مرور عام على اغتيال سليماني رفع المخاوف من نشوب صراع بين الولايات المتحدة وإيران في الخليج العربي.

مسئول أمريكي قال إن بعض القوات البحرية الإيرانية في الخليج عززت مستويات استعدادها في الـ48 ساعة الماضية. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال مسؤولون دفاعيون أمريكيون إن معلومات استخبارية جديدة أظهرت أن إيران تنقل صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى العراق.

اقرأ أيضًا.. التطبيع العربي الإسرائيلي.. طوق النجاة لـ”نتنياهو” قبل الانتخابات

إقحام بايدن

بينما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أمريكية إن إسرائيل والسعودية تضغطان على ترامب لضرب المنشآت النووية الإيرانية قبل أن يغادر منصبه لجو بادين.

وقال توم نيكولز، خبير الشؤون الدولية لـ”الحرة”: “أنا قلق من أن ترامب قد يفكر في إقحام الرئيس المنتخب بايدن بنوع من العمليات العسكرية قبل خروجه من البيت الأبيض”.

بينما ذكر سام فينوجراد، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي أن “إيران تمثل تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي الأمريكي، لا سيما خلال هذه الفترة التي تزداد فيها المخاطر بسبب الذكرى المقبلة لاغتيال سليماني”.

بينما أضاف: “أعتقد أن إيران ستعمل على ضبط أي هجوم مرتبط بهذه الذكرى لأنهم لا يريدون أن يحاصروا أنفسهم قبل تولي بايدن السلطة واستئناف المفاوضات النووية”.

ويوم الأربعاء الماضي، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، تحليق قاذفات “بي 52” والتي تعرف باسم “ستراتوفورترس” في سماء الشرق الأوسط بهدف ردع أي عدوان.

وقال قائد القيادة المركزية الأمريكية، فرانك ماكنزي، إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى نزاع، ولكن لا يجوز لأحد أن يقلل من القدرات الدفاعية لها. وانطلقت قاذفات القنابل العملاقة من قاعدة مينوت في ولاية نورث داكوتا، وهي مهمة الردع الثالثة التي تجري خلال 45 يومًا.

القوات الأمريكية في الخليج

من ناحية أخرى، قال عدد من المحللين إن العلاقات الأمريكية الإيرانية تمر دومًا بحالات متشابهة من الفعل ورد الفعل. كما أكدوا أن ذلك لا يعني أبدًا حدوث حرب بين الدولتين خاصة في الوقت الراهن.

هنري ماكنزي الخبير في معهد سياسات الشرق الأوسط قال لـ”CNN” إيران قد تهدد لكن عمليًا لا يمكنها فعل شيئ ملموس على أرض الواقع يهدد المصالح الأمريكية بشكل حقيقي. بينما ومن الناحية الأخرى لا يمكن للولايات المتحدة اتخاذ أي إجراء مماثل في وقت انتقال السلطة إلى رئيس جديد منتخب. بالإضافة إلى عدم موافقة الكونجرس مؤخرًا على ميزانية الدفاع التي طالب بها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.