“الحياة جوة السجن ملهاش أي علاقة بالصورة اللي بتطلع في التلفزيون وبتصورها الكاميرات، ولا بيشوفها الوفود ولا الزيارات الرسمية، إحنا بنعيش حياة غير آدمية”. يقول محمد طه، الذي قضى عامين بسجن طرة على ذمة التحقيقات في قضية نشر.

الشكاوى المتعددة من أوضاع المساجين في مصر والتي لا تظهر في الزيارات الرسمية كثير من الأحيان، عبر عنها ثلاثة أعضاء بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، عندما أصدروا بيانًا للتعليق على الزيارة الأخيرة لسجن القناطر.

وأعلن كمال عباس وجورج إسحق وراجية عمران، موقفهم من الزيارة في بيان رسمي، موضحين أن الزيارة كانت لتجميل الأوضاع داخل السجون وليس لنقل الصورة الحقيقية.

الموقعون على البيان الذي حصل “مصر 360” على نسخة منه، تساءلوا  لماذا لم يقابل عضوا المجلس عددًا من السجناء الذين اشتكوا من أوضاع السجون، مثل ماهينور المصري وإسراء عبدالفتاح وغيرهن؟

اقرأ أيضًا.. السجون.. حين تصبح «حواضن» لصناعة التطرف

تجميل صورة السجن 

البيان قال إن فتح الزيارة لمؤسسات المجتمع المدني، خطوة نحو تحسين الأوضاع. بينما ليست لتجميل الأوضاع كما تسعى وزارة الداخلية.

عضو المجلس جورج إسحق، قال إن الزيارة تتم بإذن النيابة العامة التي تخطر وزارة الداخلية لها. كما أضاف أنه من المهم أن تكون زيارات السجون عامة بالإخطار وليس بالإذن أو التصريح. كما أن تلك الزيارات المتكررة تعمل على تحسين حالة السجون، وضمان حقوق السجناء.

إسحق الذي سبق وشارك في زيارات المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى السجون، قال في تصريحات خاصة لـ “مصر 360″ إن المجلس في بدايته كان يقوم بزيارات حقيقية للسجون تسفر عن تغيرات وتحسن الأوضاع”.

وأشار إسحق إلى إحدى الزيارات التي التقى خلالها أعضاء المجلس أحد السجناء يشكو تعرضه للتعذيب، وقال “أثبتنا ذلك بالفعل ووقع الطبيب الكشف عليه”.

أما بشأن الزيارة الأخيرة لسجن القناطر، قال إسحق “في الزيارةكان لابد من مقابلة ماهينور وإسراء بعد تلقي شكاوى منهما بشأن حالتهما الصحية، لكن لم يلتق الوفد بهما لوجودهما في جلسة في نفس يوم الزيارة، واطلع الوفد على التقارير الطبية بشأن حالتهما فقط، وهذا ليس المسار الصحيح للتحقق من الشكوى ولابد من مقابلتهما شخصيًا”.

في عام 2016 قالت الحقوقية راجية عمران إنها منعت من زيارة سجن العقرب. كتبت حينها عبر صفحتها الرسمية بـ”فيسبوك”، أنها جمعت شكاوى أهالي المعتقلين لكن زيارات المجلس تفتقر عنصر المفاجأة: “وزارة الداخلية هي التي تحدد الوقت المحدد للزيارة. بالإضافة إلى تحديد السجون والمساجين الذين يقابلون الوفد”.

“الشفافية والانفتاح في السجن”

قبل عدة أيام، نشرت الصحف بيانًا حول زيارة حقوقيين وأجانب لسجن القناطر نساء. البيان قال: “واصلت وزارة الداخلية تنظيم الزيارات بمختلف السجون لوفود المجالس القومية الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني، والصحفيين والمراسلين.

وفي إطار نهج وزارة الداخلية الذي يتسم بقدر من الشفافية والانفتاح، والرغبة الصادقة في التعاون مع كافة المؤسسات والجهات، حرصًا على تحقيق المصلحة الوطنية”.

لكن بيان الداخلية يأتي مخالفًا لما أعلنه الأعضاء الثلاثة. قالوا إن الزيارة لم تكن معلنة، ولم يتم السماح لمنظمات المجتمع المدني بالمشاركة فيها، كما جاء في الخبر المنشور.

الزيارة جاءت تزامنًا مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وتفقد أوضاع النزلاء وأحوالهم، والتي تراها الدولة بمنظور مختلف عن منظور السجناء وذويهم. وفقًا لما أكده محمد طه الذي وُجهت له تهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة محظورة.

محمد قال لـ”مصر 360″، إن الأوضاع المعيشية داخل السجون لا تمت للواقع بأي صلة.

“الحقيقة إن الحياة جوه السجن ملهاش أي علاقة بالصورة اللي بتطلع بيها من الوفود ولا الزيارات اللي بتحصل. إحنا بنعيش حياة غير آدمية مفيش أكل صحي ولا حتى أكل يشبع ولولا زيارات الأهالي كان يمكن موتنا من الجوع. كمان مفيش مكان نضيف ممكن ننام فيه. بنام على الأرض. حتى بعد خروجي وأنا أعاني من وجع الضهر”.

اقرأ أيضًا.. كورونا يؤرق السجون.. ويجدد مطالب الإفراج عن المحتجزين

الرعاية الصحية في السجن

وعن الرعاية الصحية في الداخل: “العيادة كل اللي فيها مسكنات فقط. الدكتور اللي فيها أصلَا مبيحاولش يكشف على حد فينا لو تعب، كل اللي بيعمله إنه بيدي مسكنات وخلاص”.

مديحة حسين زوجة الصحفي هشام فؤاد، المحبوس احتياطيًا قبل عامين، قالت إن زوجها يعاني حالة صحية سيئة ناتجة بعد إصابته بانزلاق غضروفي. كما أضافت أنه يعاني أيضًا من تكسير للأسنان والتهابات معوية.

وتقدمت أسرته ومحاميه بطلب للكشف عليه وعلاجه في السجن، أو السماح بعلاجه على نفقتهم الخاصة، بعد طلب عرضه على طبيب أكثر من مرة دون استجابة.

ما تحدث عنه “محمد” لا يختلف كثيرًا عن ما نقلته “مروة” عن أسرتها وهي واحدة من سجينات سجن القناطر نساء، والتي تحدثت والدتها لـ”مصر 360″.

تقول السيدة: “بنتي بتشتكي طول الوقت من التعنت معاها في السجن، الحياة أصلًا جوة أقسى من اللي إحنا فاكرينه، الأوض ضيقة، وفي الشتا السقف بينزل مية، وفي الصيف بيموتوا من الحر، والأكل مبيتاكلش”.

مخاوف كورونا

مع بداية أزمة كورونا، خاف الأهالي على أبنائهم وذويهم داخل السجون، من انتشار الوباء، وإمكانية تطبيق الإجراءات الاحترازية. لكن كلا من “محمد” و”مروة” أكدا أن الإجراءات الاحترازية لاتطبق بشكل كبير داخل السجون، كما لا يسمح بدخول المطهرات والمعقمات طول الوقت.

المشاهد التي تخرج بها زيارات السجون، تدور حول مكتبات تتيح للسجناء القراءة، وأماكن معقمة لتحصير الطعام، وأنشطة ساعات التريض، وفصول لمحو الأمية.

يقول الدكتور صلاح سلام عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أحد المشاركين في زيارة سجن القناطر، إن الأحوال تبدلت بالفعل داخل السجن، واختلف الحال منذ ما كان عليه من عامين.

وفي مداخلة هاتفية له، أوضح عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق وعضو مجلس الشيوخ، الذي كان من ضمن المشاركين بالزيارة، أن فتح باب الزيارات للسجون توجّه جيد من وزارة الداخلية. كما قال إنه أجرى حديثًا مع 4 سجينات، ليعكس ذلك تقدمًا في أوضاع السجون في النهاية.

دعوة وزارة الداخلية

ليرد البيان المقابل لثلاثة من المجلس القومي لحقوق الإنسان على تلك التصريحات: “فوجئنا بمشاركة المجلس القومي لحقوق الإنسان ضمن وفد ضم عددًا من المنظمات غير الحكومية والإعلاميين في زيارة سجن النساء بالقناطر تلبية لدعوة من وزارة الداخلية.

البيان أضاف “أنه طبقًا لتصريحات الداخلية، فأن الزيارة أعد لها مسبقًا وتم تجهيز السجن ليظهر في أحسن صورة. وبالفعل فور انتهاء الزيارة بثت الداخلية فيلمًا ترويجيًا للزيارة ليس له أي علاقة بحقوق الإنسان”.

وتابع البيان: “لماذا لم يصدر المجلس بيانًا كما هو عادته بعد انتهاء الزيارة لتوضيح كل الملابسات، وما قام أعضاء المجلس برصده سواء من حيث حالة المحبوسين أو حالة السجن، وطبيعة الخدمات التي تقدم للمحبوسين، ومدى التزام إدارة السجن بلائحة السجون؟”.

زيارة مسجونين سابقة

تعنت في دخول المطهرات

أتت صور سجينات سجن القناطر نساء خلال الزيارة، وهن يرتدين الكمامات، ويجلسن على طاولات في أوقات التريض، ومنهن من حملن أطفالهن داخل السجن، ولكن شكاوى رصدت شكاوى لسجينات من نفس السجن حول التعنت في دخول المواد المنظفة والمطهرات.

وتقول منى محمد، وقضت بسجن القناطر 10 أشهر، وأخلى سبيلها منذ ما يقرب من شهر ونصف: “في السجن مكناش بنلبس كمامات وقت التريّض لأنه مكان مفتوح، وفي جلسات المحكمة كانوا بيدونا كمامات نلبسها لكن معظمنا مكنش بيلبسها لأننا كنا بنتخنق، والوضع كمان في عربية الترحيلات كان صعب جدًا، لكن كمان كانوا بيرفصوا دخول الكلور أو الكحول في الزيارات، فمكنش متاح قدامنا أي حاجة للتطهير غير الصابون”.

لم تكن تلك الزيارة الأولى التي أثير حولها الانقسام، ففي العام الماضي نظمت زيارة لمنطقة سجون طرة، وظهرت بها صورًا لمزارع نعام داخل السجن، وأخرى لشيفات تصنع أطعمة من “الكباب والكفتة”، للسجناء، وهو الأمر الذي حمل العديد من التعليقات الساخرة حوله.

ونشرتبي بي سي عربية” تقريرًا حول الأمر، وأوضحت أنها لم تكن من الجهات التي وجهت لها الدعوة للمشاركة في الزيارة، التي أعلنت وزارة الداخلية عن مشاركة العديد من الجهات الحقوقية والصحف الأجنبية بها.

رد وزارة الداخلية

وزارة الداخلية ترد دائمًا على الانتقادات الموجهة حول الظروف المعيشية داخل السجون، بأنه لا أساس لها من الصحة، وأن تلك الزيارات تثبت العكس.

مصدر بوزارة الداخلية، قال إن هناك عمليات تطوير للسجون. كما أشار إلى أن ما تم تنفيذه من عمليات جراحية بمستشفيات السجون بلغ 472 عملية خلال عام 2020، بالإضافة لـ 38 قافلة طبية لسجون القطاع تضم أطباء فى مختلف التخصصات الطبية.

في يناير الماضي، أعربت 9 منظمات حقوقية عن قلقها البالغ لتصاعد أعداد الوفيات داخل السجون، وافتقار الرعاية الصحية وتفاقم الإهمال الطبي للمرضى وكبار السن والتعنت البالغ في رفض دخول الأغطية والملابس الثقيلة.

وطالبت المنظمات الحقوقية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتفقد أوضاع السجون في مصر، والسماح للمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية المتخصصة بزيارة جميع أماكن الاحتجاز. بينما يأتي ذلك بجانب السماح لخبراء الأمم المتحدة وخاصة المقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب، بزيارة مصر.

تعليق وزارة الداخلية حول الانتقادات يكون الصور الصادرة من الزيارات داخل السجون للوفود الحقوقية، وأيضا عقد اللقاءات مع السجناء بالداخل، ولكن في المقابل يرى المعارضون أن تلك الزيارات تكون مرتبة لتحسين الصورة وتجميلها، وليس نقل الصورة الحقيقة.