فاجعتان في يومين متتالين أشعلتا ضوء إنذار قوي وتساؤلات حول استعدادات مستشفيات مصر لاستقبال حالات كورونا. لاسيما وإنه لم تمض ساعات على مأساة وفاة اثنين من مصابي الفيروس داخل قسم العناية بـمستشفى زفتى العام في محافظة الغربية شمالي البلاد. إلا وتكررت الواقعة بمستشفى الحسينية المركزي في الشرقية، بوفاة 4 حالات أخرى، أحصتهم البيانات الرسمية. وفي كلا الحادثتين أثير أن سبب الوفاة نقص بإمدادات الأكسجين داخل قسم العناية، بينما نفى المسؤولون ذلك، وأمرت النيابة بالتحقيق لبيان الأسباب الحقيقية والتأكد من صحة الروايتين.

 

مستشفى الحسينية.. الكارثة الجديدة

جثامين على أسرتها ومحاولتا إنعاش بأمبوباج يدوي وأسطوانة أكسجين لاثنين يفقدان تنفسهما داخل قسم العناية بمستشفى الحسينية المركزي، في مقطع فيديو لم تتجاوز مدة الدقيقة، انتشر بشكل كبير منذ صباح اليوم الأحد، بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. وقد أظهر ملتقطه يردد عبارة “كل اللي في العناية مات.. مافيش إلا الممرضين”. بينما كانت إحدى الممرضات جالسة القرفصاء في ركن داخل العناية وقد بدا عليها الهلع.

في الوهلة الأولى كان مقطع الفيديو القصير هذا كإعادة نشر لحادثة مستشفى زفتى العام، التي وقعت قبل ساعات. لكن الواقعة جديدة وموقعها مستشفى آخر. كما أن قسوة تفاصيله والاستعانة بأسطوانة أكسجين وأمبوباج يدوي لإنعاش نزيلي القسم المخصص في الأساس للتعامل باحترافية مع حالات مشاكل التنفس، وضع تساؤلاً قويًا حول: هل الحادثة نقص بإمداد الأكسجين فعلا؟

محاولة إنعاش مريض بعناية مستشفى الحسينية بواسطة مضخ يدوي

صحة الشرقية: لا نقص بأكسجين مستشفى الحسينية.. والمحافظ يعاقب شركة الأمن لإثارة البليلة

وكيل وزارة الصحة بالشرقية، الدكتور هشام مسعود، نفى تمامًا أن تكون الوفيات الأربع الأخيرة بعناية مستشفى الحسينية المركزي نتيجة نقص إمدادات الأكسجين أو انقطاعه. وأشار إلى احتجاز 17 طفلاً داخل حضّانات المستشفى “لم يتأثروا بشيء من هذا القبيل”. كما لفت إلى إصابة 3 من المتوفين بأمراض مزمنة، ورابعهم بجلطة، وأن حالة كورونا لديهم كانت متأخرة نتيجة أمراضهم المزمنة.

إحالة مسؤول شركة الأمن المكلفة بمستشفى الحسينية المركزي للتحقيق كان الإجراء الأول من محافظ الشرقية الدكتور ممدوح غراب في هذه الواقعة. وذلك للسماح لأحد الأفراد باقتحام عناية العزل وتصوير المرضى و”إثارة البلبلة”. وفق بيان أصدرته المحافظة لم يختلف كثيرًا في تفسيره أسباب وقوع الوفيات الأربعة عما أشارت إليه تصريحات وكيل وزارة الصحة.

قال بيان المحافظة إنه “لا صحة لوفاة 7 حالات من مرضى فيروس كورونا بالمستشفى بسبب نقص أو نفاد الأكسجين من المستشفى”. وأشار إلى أن عدد المتوفين هم 4 حالات فقط. وأنهم كانوا على أجهزة تنفس صناعي. كما أن الوفاة طبيعية نتيجة تدهور حالاتهم بسبب تزامن إصابتهم بفيروس كورونا مع حملهم أمراضًا مزمنة. وذلك وفق تقريرلجنة فنية زارت المستشفى في أعقاب ظهور الفيديو المتداول.

أيضًا، أشار البيان إلى أنه وقت حدوث الوفيات “كانت سيارة الأكسجين تغذي التانك”. ما يعني أنه لا يوجد نقص أو نفاد بالأكسجين. ولفت البيان إلى ما لدى المستشفى من “شبكة احتياطية للاستعانة بها في حالة حدوث أي مشكلة في خزان الأكسجين”.

محاول إنعاش مريض بعناية مستشفى الحسينية بأنبوب أكسجين

النيابة تتدخل في واقعة زفتى.. والحسينية تنتظر قرارات مماثلة

من جانبها، استدعت نيابة مركز الحسينية بمحافظة الشرقية، مدير المستشفى وعددًا من الأطباء، للاستماع لأقوالهم بشأن الواقعة. وهو إجراء مماثل لما وقع مع واقعة مستشفى زفتى العام أمس. وهي الواقعة التي انتهت تحقيقات ما تزال جارية فيها من قبل النيابة إلى 3 قرارات جديدة. شملت تحقيق حول كيفية نفاد الأكسجين بالمستشفى. وما هي الإجراءات المتخذة في حالة نفاده. ومدى اتباع تلك الإجراءات في الواقعة محل التحقيق.

أيضًا، تشكيلَ لجنة من “مديرية الشؤون الصحية بالغربية” لحصر عدد المرضى بالمستشفى. وكذلك بيان سبب دخولهم، والإجراءات التي اتخذت معهم، وعدد المتوفين. فضلاً عن بيان سبب وفياتهم، وفحص كافة الأدوات والأجهزة المستخدمة هناك بيانًا لمدى سلامتها. والتحقق مما إذا كانت الواقعة حدثت عن عمد أم إهمال، وبيان المتسبب فيها.

ذلك إلى جانب طلب ملفات المرضى المتوفين بالمستشفى وتحريات “إدارة البحث الجنائي”، واستدعاء ذوي المتوفين لسؤالهم. وهي إجراءات تمهيدية للوصول إلى ملابسات الواقعة فيما حدث بمستشفى زفتى. وقد يشهد مستشفى الحسينية إجراءات مثلها لتشابه الواقعتين، اللتين تماثلتا في الرواية الرسمية لمسؤولي الصحة والوزيرة هالة زايد حول أسبابهما.

عودة إلى الحسينية.. رواية الممرضة المصدومة

تفاصيل ما حدث داخل عناية مستشفى الحسنينة، كشفتها آية علي محمد علي، الممرضة التي أظهرها مقطع الفيديو المتداول في حالة هلع، إذ قالت -في تصريحات نقلتها جريدة “الوطن“- إنه “في تمام الساعة التاسعة والنصف مساءً، حدث خلل في أسطوانات الأكسجين ما أدى إلى ضعف وصول الأكسجين للمرضى”. هذا الأمر -كما توضح “آية”- نتج عنه اختناق عدد كبير من حالات العزل “فجأة الأكسجين ضغطه قل، والحالات جالها اختناق، وحاولنا بكل الطرق نسعفهم وفشلنا لأن حالاتهم كانت متدهورة بالفعل من قبل موضوع نقص الأكسجين”.

وتعمل “آية” ضمن الفريق الطبي المكلف برعاية الحالات في العناية المركزة. ويقتصر دورها على تقديم العلاج والطعام والتعامل المباشر مع المرضى.

“بشتغل من 8 بليل لـ8 الصبح، واللي حصل امبارح كان ضغط رهيب عليا بسبب إني أول مرة أتعرض لمناظر الموت دي كلها”. هذا ما فسرت به علامات الصدمة التي بدت عليها وقت تصوير مقطع الفيديو “ما كنتش خايفة، لكن مرهقة وزعلانة على الناس اللي ماتت.. عملنا اللي نقدر عليه لكننا فشلنا”.

ممرضة عزل مستشفى الحسينية صاحبة الصورة الشهيرة
ممرضة عزل مستشفى الحسينية صاحبة الصورة الشهيرة

مستشار الرئيس: لدينا احتياطي استراتيجي من الأكسجين

على الجانب الآخر، أكد مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية والوقائية، الدكتور محمد عوض تاج الدين، على وجود احتياطي استراتيجي وكمية كافية من الأكسجين لدعم مراكز تقديم الخدمة في المستشفيات والحالات التي تحتاج إلى أكسجين في المنازل.

وشدد تاج الدين، في مداخلة هاتفية لبرنامج “هذا الصباح” مع أسماء مصطفى على شاشة “اكسترا نيوز”، أن الدولة تبذل كل الجهود لمكافحة الوباء. لكن الأمر لن يسير في مساره الصحيح سوى بمشاركة الدولة والمواطن في مكافحة والوقاية من فيروس كورونا. وأوضح أن الرئيس استعرض الموقف الوبائي بالمقارنة بدول العالم وزيادة أعداد الحالات التي تدخل الرعاية المركزة والتي تحتاج إلى تنفس صناعي.

وسجلت مصر أمس ألفًا و407 إصابة جديدة، و54 وفاة. وبذلك يرتفع إجمالي العدد المسجل إلى الآن إلى 140 ألفًا و878 إصابة، بينها 113 ألفًا و480 تماثلت للشفاء، و7 آلاف و741 توفيت.