ساعات صعبة قضاها وائل محمد في محاولات متتالية للوصول إلى أنبوبة أكسجين وتعبئتها لإنقاذ حياة جدته المسنة التي يقترب عمرها من الـ80 عامًا، بعد إصابتها بفيروس كورونا منذ أيام. 

شُخصت جدته بالفيروس وخضعت للعزل المنزلي بتوصية من أطباء صدرية، لكن انتشاره برئتيها تطلب مزيدا من الرعاية الطبية للحفاظ على حياتها، لتبدأ رحلة البحث عن الأنبوبة.

يقول وائل: “في البداية حاولنا الاستعانة بماسك أكسجين (نيبولايزر)، الذي غالبا ما يستخدم للأطفال، ومع تقدم الحالة احتاجت جدتي إلى أسطوانة أكسجين، وقدرنا نوفرها، لكن كانت الصعوبة الأكبر كانت في التعبئة، خصوصا أن أغلب الأرقام المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي مغلقة أو غير صحيحة”.

 لا يعرف كثير من الأهالي طريقة تركيب الأسطوانات، لذا يلجؤون إلى فنيين يعملون في مستشفيات في نطاق بيوتهم لتركيبها، مما يمثل عبئا ماليا إضافيا عليهم في ظل الجائحة.

ومع تسارع وتيرة الإصابات بفيروس كورونا المستجد خلال الموجة الثانية، بات من الصعب العثور على مكان للمرضى داخل مستشفيات العزل المتكدسة، ويبقى العزل المنزلي هو الحل الوحيد الذي يفتقد المستلزمات الطبية الموجودة بالمستشفيات، على رأسها أسطوانات الأكسجين التي يحتاجها من يعانون من انخفاض نسبة الأكسجين في الدم لأقل من 90%.

وبحسب دراسات، تصير حالة المصاب في خطر إذا كانت مستويات الأكسجين في الدم بين 94 و 98 في المائة، ولا يتم إعطاء الأشخاص المصابين بالمرض، الأكسجين، إلا إذا انخفضت مستوياتهم إلى ما دون الحد الأدنى.

وأثيرت مؤخرا أزمة نقص الأكسجين في مستشفيات العزل بعد وفاة 4 من المصابين في مستشفى الحسينية، ما استدعى فتح تحقيق قضائي وطبي في القصة التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر خلال الأيام الماضية.

استدعاء مصور الفيديو وشكوى المحامين.. تطورات جديدة بواقعة مستشفى الحسينية

ممرضة الحسينية
ممرضة الحسينية

محاولات انتهت بالموت

“م.أ” فقدت منذ أيام، والدها، لم يكن يعاني خلال سنوات عمره الـ67 من أي أمراض مزمنة كما لم يكن مدخنًا. أصيب الرجل بكورونا والتهاب رئوي تسببا في تدهور حالته سريعًا، وانخفض نسبة الأكسجين لديه إلى 60%، ورفضته المستشفيات بسبب عدم توافر أسرة رعاية مركزة.

أضطرت الفتاة العشرينية إلى عزل والدها في المنزل داخل شقتهم في محافظة الإسكندرية، وحاولت توفير كل ما يحتاجه من أدوية ومستلزمات، واشترت أسطوانة أكسجين بـ4 آلاف جنيه، لكنه توفى قبل تركيبها له.

ورغم انتقال عدوى الفيروس لها ولوالدتها وأختها، إلا أنها قالت إنها فور تعافيها من كورونا ستقوم بالتبرع بأسطوانة الأكسجين التي اشترتها لوالها، لإنقاذ حياة من يعانون من نقص نسبة الأكسجين.

أكسجين على “توك توك” 

يوضح وائل محمد أنه في البداية كان سعر تعبئة الأسطوانة 100 جنيه، ليرتفع إلى 150 جنيه، ثم 200 جنيه، لافتًا إلى أن المريض يحتاج إلى تبديل الأسطوانة كل 12 ساعة، أي يحتاج أسطوانتين يوميًا.

وعن طريق تعبئة الأسطوانات، ذكر أنهم يتعاملوا مع إحدى الجمعيات الأهلية، فيمل يلجأ أهالي قريته |لى محال إصلاح السيارات بـ”الكومبريسور” هواء عادي، وفي ناس بتلف بـ”توك توك” أو “تروسيكل”،

في جولة لـ “مصر 360” للاستفسار عن أسعار أسطوانة أكسجين، قال عدد من الصيادلة المتواجدين في صيدلية العزبي في فروع مختلفة إن الأسطوانات غير متوفرة.

صيدليات “العزبي” أتاحت خلال الموجة الأولى من الفيروس، بيع اسطوانات الأكسجين، بأسعار مختلفة حسب السعة، أسطوانة 3 متر مكعب بسعر 1411 جنيهًا، و أسطوانة 4 متر مكعب بسعر 1571 جنيهًا، وأسطوانة 7 متر مكعب بسعر 2785 جنيهًا، بينما كان سعر المنظم منفصلًا عن الاسطوانات 458 جنيهًا.

وفي صيدلية سيف، ارتفع الأسطوانات خلال الأسابيع الماضية، فمثلًا أسطوانة الـ10 لتر بالمنظم كانت تباع بسعر 2170 جنيهًا ليصل سعرها حاليًا إلى نحو 5 آلاف جنيه، 2700 جنيهًا للأسطوانة و2250 للمنظم.

الصين مُصنع ومورد رئيسي لأسطوانات الأكسجين

من جانبه، قال الدكتور محمد إسماعيل، رئيس شعبة المستلزمات الطبية، إن أسطوانات الأكسجين يتم تصنيعها واستيرادها من الصين، بمقاسات وأنواع مختلفة، تبدأ من 2 – 40 لتر، مضيفًا أن هناك تزايدًا في الإقبال على شراء الأسطوانات خاصة للمنازل.

يؤكد إسماعيل، في تصريحات خاصة، أن البعض يقوم بشراء أسطوانات غاز الأكسجين وأجهزة التنفس احتياطيًا، وغالبًا ما يكونوا لا يعانون هم أو أسرهم من فيروس كورونا، مضيفًا: “كثير من الأهالي لجأوا لشراء أسطوانة أو اثنين من باب الاحتياط بس وهذا سبب الأزمة”، مناشدا المواطنين بعدم استخدام أسطوانات غاز الأكسجين دون استشارة الطبيب؛ لأنها قد تضر أكثر مما تنفع إذا استخدمت دون الحاجة، نظرًا لما قد تتسبب به من أضرار في حالة زيادة أو نقص كمية الأكسجين، منوهًا بأن من يركب هذه الأجهزة يجب أن يكون طبيبًا أو فني متخصص.

وأضاف أن الصيدليات غير مسموح لها بملئ أسطوانات الأكسجين، ويتم ذلك من خلال المستودعات الموجودة في كل منظقة.

“أكسجين مميت”

كما حذر من التعامل مع جهات غير موثوق فيها لملء الأسطوانات أو شراء المنظم الخاص بها، موضحًا: إذا تم ملئ الأسطوانة بأكسجين صناعي وليس طبي فإن الأمر قد يكون مميت”.

أردف: “اللي بيبيع في الشوارع الأسطوانات أو يملاها مستحيل يكون أكسجين طبي، وأضمن حاجة الناس تروح محلات المستلزمات الطبية سواء في شارع قصر العيني أو منطقة العباسية أو شبرا”.

وبحسب إسماعيل، فإنه جار حل مشكلة نقص توافر أسطوانات غاز الأكسجين، من خلال استيراد شركة الغازات البترولية، دفعة جديدة من الأسطوانات والمنظمات، ستكون بالأسواق خلال الأسابيع القليلة المقبلة بما يضمن توافر مخزون استراتيجي يكفي خلال الفترة القادمة.

“أسطوانات بالمجان”

دخلت مؤسسات وجمعيات خيرية على خط دعم مصابي كورونا بطرق مختلفة سواء بتوفير الفحوصات الطبية اللازمة للتشخيص أو العلاج وأسطوانات الأكسجين، من بينها مؤسسة مستشفى 25 يناير.

تقدم “25 يناير” خدمة مجانية داخل محافظة الشرقية للحالات المصابة بفيروس كورونا والتي تعاني من ضيق في التنفس وتحتاج إلى أكسجين من خلال الاتصال على الأرقام 19257 أو 01020706090.

 

مستشفى 25 يناير
مستشفى 25 يناير

وتوفر المؤسسة أسطوانات الأكسجين مزودة بالمنظم، لحالات العزل المنزلي بشكل مجاني، ‏بعد تقديم روشتة طبية تفيد احتياج المريض أسطوانة الأكسجين، ‏وتوقيع يوقع الشخص المستلم على إقرار بتسليم الأسطوانة والمنظم فور الإنتهاء من استخدامها وتحمل تكلفتها حال ضياعها أو عدم تسليمها.

محمد الجارحي، رئيس مجلس أمناء “مستشفى 25 يناير”، قال إن مبادرة المؤسسة لاقت استجابة من فاعلي الخير، وتبرع عدد من الأهالي والأطباء بأسطوانات أكسجين مزودة بالمنظم كصدقة جارية لعلاج حالات كورونا، بعد أن فقد بعضهم أحد أقاربهم بسبب الفيروس.

15٪ من مرضي كورونا يعانون من انخفاض نسبة الأكسجين

 

يؤكد أمجد الخولي، استشاري الوبائيات بمنظمة الصحة العالمية، أنه بناءً على المعلومات السريرية المتاحة فإن 15٪ من المرضي بكوفيد-19 تكون لديهم أعراض شديدة من بينها انخفاض نسبة الأكسجين في الجسم، وبالتالي يحتاجون للعلاج بالاكسجين،  بينما 5٪ من هؤلاء المرضى تكون حالتهم خطيرة وحرجة وقد يحتاجون الى وحدات العناية الفائقة (الحرجة).

وعن سبب وجود صعوبات فى الحصول على مكثفات الأكسجين، علق: ربما تعود صعوبة الحصول على مكثفات الأكسجين إلى أن إنتاج مكثفات الاكسجين لا يفي بالطلب العالمي المتزايد عليها والمصاحب للزيادة في أعداد الحالات في كثير من دول العالم، وهذا سبب رئيس لعدم توافرها بالقدر المطلوب في عدد من دول العالم.

وشدد على أن منظمة الصحة العالمية تعمل منذ بداية الجائحة على تلبية الاحتياجات العاجلة لدولها الأعضاء خاصة البلدان التي تعاني من نقص واضح في لوازمها الطبية اللازمة للاستجابة لكوفيد-19 بما فيها مضخات أو مكثفات الأكسجين.

وتابع: “تمكنت المنظمة من دعم البلدان المنخفضة الدخل والبلدان التي تعاني من طواريء مثل الحروب والصراعات والتي يصعب الوصول إليها بالمستلزمات الطبية العاجلة”.

الصحة: مخزون كاف من الأكسجين الطبي

وزارة الصحة من جانبها تؤكد سعي الدولة لتوفير مخزون كاف من الأكسجين الطبي منذ بداية جائحة فيروس كورونا المستجد، بالتعاون مع كبرى شركات الغازات، والتي تقوم بإمداد المستشفيات بالأكسجين بشكل مستمر وتوفير مخزون استراتيجي كاف لتلبية جميع احتياجات القطاع الصحي خاصة لمرضى فيروس كورونا.

وشدد خالد مجاهد، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، على دعم القطاع الصحى لمواجهة الموجة الثانية من جائحة فيروس كورونا، مشيرًا إلى اتخاذ عدد من الإجراءت في هذا الصدد، من بينها مراجعة شبكات الغازات في كل من مستشفيات الحميات والصدرية والعزل، فضلاً عن العمل على رفع كفاءة المستشفيات العلاجية، إلى جانب ما يتم من تعاقدات مع الشركات الموردة لتلبية احتياجات ومتطلبات المستشفيات من الاكسجين المسال، وتوفير احتياطيات منه لتغطى تلك الاحتياجات.