تبعث الانتخابات الإيرانية، المزمع إجراؤها، منتصف العام الحالي، بفصول الصراع القديم والتقليدي بين أطراف النظام، والمتمثل في الجناح الراديكالي، القريب من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، وكذا عناصر وقيادات الحرس الثوري الإيراني، من جهة، والتيار الذي يوصف بـ”المعتدل”، والذي ينتمي له الرئيس الإيراني، حسن روحاني، من جهة أخرى.
نظرة على صراع الحمائم والصقور
إذ إن بنية الحكم السياسي في الجمهورية الإسلامية، منذ العام 1979، حملت هذا التناقض الذي يشكله التنافس المحموم بين جناحي النظام، بينما تظهر انعكاساته المتفاوتة في مجموعة من الملفات السياسية، المحلية والإقليمية، كما هو الحال، مع أزمة فيروس كورونا المستجد، وقد نجم عنها ملاسنات عديدة بين روحاني وخامنئي، على خلفية إدانة الأول مسألة تغول الحرس الثوري الإيراني في إدارة الأزمة الصحية.
وبينما صعد لرئاسة الجمهورية الإسلامية، نحو سبعة شخصيات، من مرجعيات سياسية وأيدولوجية متباينة، تراوحت بين المستقل والإصلاحي والمحافظ، وكان غالبيتهم من الجناح المحافظ، فإن منصب المرشد شغله شخصيتان فقط، على مدار ما يقرب من أربعة عقود؛ وهما آية الله الخميني، وعلي خامنئي.
وبالتبعية، يؤدي “المرشد”، منذ اندلاع الثورة الخمينية، دوراً مؤثراً في مسارات ومآلات الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية، كما حدث في انتخابات العام 2009، التي شهدت في أعقابها ما عرف بـ”الانتفاضة الخضراء”، وهي الاحتجاجات التي جرت بعد الإعلان عن فوز محمود أحمدي نجاد، وقد جرى اتهام خامنئي بتزويرها للتخلص من تجربة الإصلاحيين.
اقرأ أيضًا:“صدمة جديدة” .. حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين يرفضون فرض عقوبات على إيران
بيد أن تلك المحطة المثيرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، كشفت عن ذروة التصدع الهائل داخل النظام، ووجود معسكرين يقف كل منهما على النقيض من الآخر، في ما يخص رؤيته وإدارته السياسية للحكم. كما أنها شكلت لحظة مفصلية، بعدما جرى تصفية العناصر المهمة والمؤثرة في الجناح المعتدل والإصلاحي، بواسطة الإجراءات القمعية، وتنفيذ الاعتقال أو الإقامة الجبرية بحق شخصيات، من بينها مير حسين موسوي، رئيس الوزراء الإيراني السابق، ومهدي كروبي، أحد قيادات الحركة الخضراء، وأبرز رجال الدين المنخرطين في تيار اليسار الإسلامي.
وبحسب “مشروع إصلاح قانون الانتخابات الرئاسية”، الذي أقره البرلمان الإيراني، ديمسبر العام الماضي، فإنه يقضي “بـإبعاد حاملي جنسية أخرى أو بطاقات إقامة في دولة أجنبية من الترشح للرئاسة”، وهو ما يتزامن مع تصاعد حدة الدعاية السياسية السلبية ضد عدد من المسؤولين الإيرانيين، من بينهم وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، وتشير إلى حصوله على البطاقة الخضراء للإقامة في الولايات المتحدة، وهو ما نفاه بعد ذلك.
اقرأ أيضًا: إيران وتغولها الناعم.. ميزانية بالمليارات لتصدير “الثورة” ودعم للمليشيات
هندسة الانتخابات الإيرانية
ورغم أن القانون وافق عليه البرلمان الإيراني، غير أنه لم يحظ بموافقة مجلس صيانة الدستور؛ وهي جهة مؤلفة من اثنى عشر فقيهاً دينياً، يتم تعيينهم من قبل المرشد الإيراني، ومسؤوليتهم تقييم المرشحين للانتخابات، سواء البلدية أو البرلمانية أو الرئاسية، ومن ثم، مراقبة كافة الانتخابات، وكذا تفسير بنود القانون والدستور، وتحديد مدى مطابقتها للشريعة الإسلامية، حسب تأويلاتها الأيدولوجية، وفقاً لمبادئ “الولي الفقيه”.
وبحسب وكالة “رويترز” للأنباء، فإن شخصيات بارزة من المتشددين “تتكهن منذ فترة طويلة بأن بعض كبار المسؤولين، مثل محمد جواد ظريف، وزير الخارجية، الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، يحملون جنسية مزدوجة أو بطاقة إقامة أميركية، ويقولون إن ذلك يشكل تهديداً أمنياً”.
كشف مستشار المرشد الإيراني، العميد حسين دهقان، عن ترشحه، رسمياً، للانتخابات الرئاسية، في نوفمبر العام الماضي. ولئن حاول دهقان نبذ التصنيفات السياسية المرتبطة به، في ظل حالة الاستقطاب القصوى، واعتبر نفسه لا ينتمي إلى أيا من التيارين التقليديين بإيران، حسبما قال، لكنه عاود الحديث بأنه “عنصر وطني وثوري، ولديه كل الإمكانات الفكرية والعقلية والتنفيذية لدفع أهداف ومصالح النظام والثورة”.
ويعرف الدستور الجمهورية الاسلامية على أنها دولة تخضع لسلطة رجال الدين، على أساس الوصاية والولاية الدائمة، إذ نص الدستور بأنه لا يحق الحكم إلا للفقهاء العدول الأتقياء، كما يصفهم في أدبياته، ويعرفون بحيازتهم هذه الصفات حصراً، وينبغي أن يكونوا ممن يحوزون رتبة مرجع.
مواصفات الرئيس الإيراني
كما حرم الدستور المسلمين السنة والأقليات العرقية الشيعية المذهب من حق رئاسة الدولة، حسب نص المادة 115، حيث تشترط في رئيس الدولة أن يكون مؤمناً بمبادئ الثورة الإيرانية ومعتنقاً للمذهب الرسمي للبلاد، والتي قرنت في الوقت ذاته بين التشيع وجنسية الرئيس وانحداره من أصل إيراني.
وإلى ذلك، يوضح الباحث الإيراني، رحيم حميد، أنه لا يمكن الحديث عن فروقات جوهرية بين إصلاحي ومتشدد داخل النظام الإيراني، حتى مع وجود التباينات الظاهرية بينهما، إذ إن السياسات المتحققة واحدة، وتختلف في آلية العمل والإدارة. ويضيف لـ”مصر 360″: “هناك رغبة لتصعيد أحد جنرالات الحرس الثوري إلى منصب الرئيس، في ظل التداعيات السياسية والإقليمية التي تشهدها المنطقة، خلال العقد الأخير، ونفوذ إيران في عدد من مناطق نفوذها الجيوسياسي، ثم تطورات المشهد الاحتجاجي في إيران، وهي أمور كلها تضغط على النظام بقوة”.
وبالتالي، فإن “الاتجاه السائد لدى النظام، بخصوص تهيئة الظروف لصالح الكتل السياسية الصلبة، يتكون منذ سنوات، وربما، يمكن العودة إلى الترتيبات التي قام بها مجلس صيانة الدستور، مع نهاية الدورة الأولى للرئيس الإيراني الحالي، حيث حدد صفات جديدة في رئيس الجمهورية، تتمثل في ضرورة خضوعه للمرشد الأعلى، وبالطبع العداء للولايات المتحدة (المقصود تبني الخطاب المتشدد لهذا المعسكر)”. يقول حميد.
ويلفت الباحث الإيراني إلى أن مجلس صيانة الدستور، شدد على عدم القبول بترشح المنتمين إلى “فتنة العام 2009” لمنصب رئيس الجمهورية، كما وصفهم المجلس الرقابي، والمقصود بالطبع، هم عناصر ورموز الحركة الخضراء، ومن ثم، قطع الطريق أمام عودة التيار الإصلاحي المعارض، والذي انتهى مع الرئيس محمد خاتمي، كما نص المجلس على أنه “حين يختلف رئيس الجمهورية مع القائد (يقصد مرشد الثورة الإيرانية)، فيجب عليه أن يعلم أنه تابع للمرشد وليس العكس”.