يبدو أن جورجيا -الولاية التي لم تعد متأرجحة بعد- قررت أن تسقط الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب مجددًا. لكن هذه المرة ليس بنتيجتها المحسومة وفق كل المعطيات لصالح منافسه المنتخب جو بايدن. وإنما بتسريب لمكالمة استمرت 60 دقيقة. كشفت فصل جديد وربما أخير في خطة ترامب المهزوم للتآمر على العملية الديمقراطية برمتها في هذا البلد.
ترامب يتوسل: أريد فقط 11780 صوتًا
المكالمة التي حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست“، وعرضت تفاصيلها أمس الأحد، فضحت محاولات الضغط المتواصلة منذ فترة على حاكم ومشرعي ولاية جورجيا؛ لإلغاء فوز بايدن. بينما كشفت ما قد تؤول إليه الأمور والصعاب التي قد تواجه الإدارة الجديدة من قبل “فريق المتآمرين” المنحاز لشخص ترامب داخل الكونجرس الأمريكي.
60 دقيقة كاملة، حاول ترامب خلالها الضغط على سكرتير ولاية جورجيا الجمهوري براد رافنسبيرجر، مطالبًا إياه بإيجاد أصوات كافية لإلغاء هزيمته.
“كل ما أريده هو 11780 صوتًا”؛ قال ترامب خال المحادثة. بينما رد رافنسبيرجر وراين جيرمني المستشار العام لمكتبه بأن فوز بايدن بـ11779 صوتًا في جورجيا كان “عادلاً ودقيقًا”.
ترامب يهدد: “الناس غاضبون مستحيل أن أخسر جورجيا”
رد رافنسبيرجر باعتباره أكبر مسؤول انتخابي في الولاية لم يعجب ترامب، الذي حاول مجددًا. لكن هذه المرة بالتهديد. فقال: “من المستحيل أن أخسر جورجيا.. شعب جورجيا غاضب، والناس في البلاد غاضبون”. بينما أجابه رافنسبيرجر: “حسنًا، سيدي الرئيس، التحدي الذي تواجهه الآن هو أن البيانات التي لديك خاطئة”.
أيضًا لم يكتف ترامب -خلال المحادثة- بهذه المحاولة للاستقواء بمؤيديه في الشارع الأمريكي. بل أنه ذهب بعيدًا مهددًا رافنسبيرجر ومستشاره جيرمني، بأنهما سيصبحان معرضان للمساءلة الجنائية إذا لم يجدا أدلة على تزوير الانتخابات.
وقال ترامب لرافنسبيرجر إن عدم تصرفه بحلول يوم الثلاثاء المقبل من شأنه أن يعرض ديفيد بيرديو وكيلي لوفلر، العضوين الجمهوريين في مجلس الشيوخ عن جورجيا للخطر في انتخابات الإعادة المقبلة والحاسمة.
لماذا هي جورجيا مهمة وخسارة صعبة لترامب؟
منذ الفترة ما بين العامين 1868 و1960، كانت ولاية جورجيا “زرقاء” تصوت للديمقراطيين. لكنها أصبحت حمراء بعد ذلك، بسبب استياء السكان الذين كان يغلب عليهم البيض من قانون الحقوق المدنية حينها. وهو الأمر الذي أسفر عن عدم تصويت الولاية فيما بعد لمرشح ديمقراطي إلا في 3 انتخابات فقط في: 1976 و1980 و1992.
28 عامًا كاملة صوتت خلالها الولاية لصالح الجمهوريين، بينما لم يقترب الديمقراطيون في منافستهم على جورجيا سوى مرة واحدة في العام 2016 بالانتخابات التي فاز بها ترامب، وذلك بفارق 5%.
هذا الحال يبدو أنه تبدل تمامًا بعد فوز ترامب، إذ بدأت الولاية تشهد تحولاً كبيرًا. خاصة في الناحية الديموجرافية بين سكان المناطق الريفية وأغلبهم من البيض المؤيدين للجمهوريين، وغيرهم من سكان المناطق الحضرية، وهم خليط من البيض والأمريكيين من أصل أفريقي وأقليات كسب ترامب عداوتها بشكل كبير خلال فترة حكمه بسبب تصريحاته ضدهم.
ففي العقد الأخير، أصبحت الولاية أكثر تنوعًا مع وصول أميركيين من مناطق أخرى في البلاد للعمل بقطاعي الخدمات الطبية والتكنولوجية. وكان أغلب هؤلاء من الفئات التي تعمد ترامب خلال 4 سنوات إهانتها، فعاقبته بأصواتها في الانتخابات الأخيرة.
جانب آخر من أهمية ولاية جورجيا يكمن في أنها قد تحسم خلال الانتخابات المقررة اليوم الإثنين أي الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) سيسيطر على مجلس الشيوخ. وهو أمر يسعى إليه الديمقراطيون بشدة، في محاولة لتيسير مهمة بايدن القادمة لتمرير القوانين عبر الكونجرس. وهو أيضًا الأمر الذي حذر منه ترامب زميله الجمهوري رافنسبيرجر.
ويحتاج الديمقراطيون الفوز بالمقعدين ليتمكّنوا من السيطرة على مجلس الشيوخ، بينما سيكون على الجمهوريّين المحافظة على مقعد واحد فقط لضمان احتفاظهم بالأغلبيّة.
اقرأ أيضًا: “ترامب” ورفع الإنجيل.. تديين السياسة في مواجهة مخاوف السقوط
التآمر على الديمقراطية الأمريكية
من جانبها، وصفت صحيفة “واشنطن بوست” محادثة ترامب مع رافنسبيرجر بأنها كانت “متقطعة وغير متسقة وتعبر عن يأسه بشأن خسارته”. وقالت إن ترامب لا يزال يرفض قبول النتيجة، ويعتقد أنه قادر على عكسها في عدد كاف من الولايات المتأرجحة.
وتحدث ترامب السبت إلى 300 مشرع في ولايات أريزونا وميشيجان وويسكونسن وبنسلفانيا وجورجيا. حيث حث هؤلاء المشرعين على مراجعة الأدلة على أن العملية الانتخابية في ولاياتهم كانت غير قانونية. وطالبهم بالنظر في إلغاء التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر. وذلك وفق ما نقل موقع “بريتبارت نيوز” الموالي لترامب.
أشارت “واشنطن بوست” كذلك إلى أن الضغط الذي مارسه ترامب على رافنسبيرجر هو أحدث مثال على محاولته تقويض نتيجة الانتخابات الرئاسية من خلال التواصل الشخصي مع المسؤولين الجمهوريين بالولاية. وأضافت أنه دعا سابقًا قادة ولاية ميشيجان الجمهوريين إلى البيت الأبيض. وضغط على حاكم جورجيا بريان كيمب في مكالمة لمحاولة استبدال ناخبي تلك الولاية. كما طلب من رئيس مجلس النواب في بنسلفانيا المساعدة في عكس خسارته في تلك الولاية.
التصويت ضد بايدن والدعوة للاحتجاجات
ذكرت “واشنطن بوست” أن دعوات ترامب الأخيرة وما سُرب من محادثته مع سكرتير ولاية جورجيا تتزامن مع تعهد عشرات الجمهوريين بالطعن في تصويت المجمع الانتخابي لبايدن في الجلسة المقررة الأربعاء.
وقالت الصحيفة إن الجمهوريين وإن كانوا لا يملكون الأصوات لإفشال فوز بايدن، فإن رئيسهم ترامب حث أنصاره على السفر إلى واشنطن للاحتجاج على النتيجة. وأضافت أن المسؤولون الفيدراليون والشرطة تستعد بالفعل للاشتباكات خارج مبنى الكابيتول.
من جانبها، أشارت صحيفة “الجارديان” إلى قرابة 140 من الجمهوريين باتوا بصدد التصويت ضد فرز أصوات المجمع الانتخابي الذي أيد فوز بايدن. ووصفت هذه الخطوة بالرمزية، التي تهدف إلى تعطيل الكونجرس. لكنها أيضًا لفتت إلى أن في ذلك مؤشر خطير لسوء التعاون السياسي مع الإدارة الديمقراطية القادمة.
ونقلت الصحيفة عن بيتر وينر، كاتب خطابات لثلاثة رؤساء جمهوريين، وصفه احتمال تصويت العديد من المشرعين الجمهوريين ضد التصديق على فوز بايدن باعتباره “علامة مزعجة”. وأضاف أن “هذا التجمع غير ليبرالي ومعاد للديمقراطية وخبيث ومنتشر في الحزب الجمهوري”. وأوضح أنه إنه ليس مجرد حدث ختامي في حقبة ترامب. لكنه عمل افتتاحي لحقبة ما بعد ترامب “إنها إشارة بأنه بعد مغادرة ترامب، لا يزال هؤلاء الأشخاص يعتبرون أنفسهم مساعدين لترامب وجزء من عبادته”.
وبالعودة إلى ترامب، يقول قانونيون إن محادثة الرئيس السابق مع رافنسبرجر وضعته في منطقة مشكوك فيها قانونًا. وذلك لأنه حث سكرتير الولاية على “العثور” على الأصوات ونشر المحققين الذين “يريدون العثور على إجابات”. ويبدو من ذلك أن ترامب يشجعه على التلاعب بنتائج الانتخابات في جورجيا.
لكن الخبراء قالوا إن تجاوز ترامب الواضح هو أخلاقي. وأوضح إدوارد ب. فولي، أستاذ القانون في جامعة ولاية أوهايو، إن الأسئلة القانونية غامضة وستخضع لتقدير الادعاء. لكنه شدد أيضًا على أن الدعوة كانت “غير مناسبة ومحتقرة” وينبغي أن تثير “غضبًا أخلاقيًا”.
اقرأ أيضًا: يضر بالديمقراطية.. فوز ترامب لولاية ثانية فساد غير مسبوق بالولايات المتحدة
بنس.. الخسارة الأخيرة والصعود المؤكد لبايدن
وفي هزيمة جديدة لمساعي ترامب الانقلابية على الديمقراطية، رفضت محكمة استئناف أمريكية، السبت، دعوى للنائب لوي جومرت ذكرت أن الجمهوري مايك بنس لديه سلطة إبطال فوز بايدن. وذلك عندما يجتمع الكونجرس يوم الأربعاء للتصديق رسميًا على نتيجة الانتخابات. حيث من المقرر أن يتولى بنس بصفته رئيسًا لمجلس الشيوخ مسؤولية الإشراف على هذه الجلسة.
ولرفض أصوات انتخابية، يجب أن تؤيد الرفض أغلبية في مجلسي الكونجرس. وهذا السيناريو مستحيل الحدوث نظرًا لأن الديمقراطيين يتمتعون بأغلبية في مجلس النواب. وبعض الجمهوريين في مجلس الشيوخ قالوا بالفعل إنهم لن يتحدوا النتائج.
وقال جمهوريون بارزون إن دور مجلس الشيوخ في المصادقة على نتائج الانتخابات هو دور مراسمي في جانب كبير منه. وإنه يجب أن لا يكون فرصة لمزيد من النقاش المطول حول النتائج.
واعترف زعيم الأغلبية الجمهوري في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، بفوز بايدن. وطلب من الجمهوريين الآخرين عدم الاعتراض على الفوز. كما عبّر عضو مجلس الشيوخ عن ولاية يوتا، ميت رومني، وهو الجمهوري الوحيد الذي صوت لصالح عزل الرئيس ترامب العام الماضي، عن انزعاجه من الخطوات الرامية لقلب نتيجة الانتخابات. وقال في بيان: “لم أتخيل قط أن أرى مثل هذه الأشياء في أعظم ديمقراطية في العالم. هل طغى الطموح على المبدأ إلى هذه الدرجة؟”.
المتحدثة باسم بايدن، جين ساكي، وصفت محاولة الاعتراض على فوز بايدن بأنه “سلوك سخيف”. بينما قالت نائبة الرئيس المُنتخبة كامالا هاريس إن هذه المحادثة المسجلة تدل بكل تأكيد على يأس ترامب. ووصفت محاولات ترامب لقلب النتيجة باستخدام جريئ للسلطة من قبل رئيس الولايات المتحدة.
وفاز بايدن على ترامب بواقع 306 أصوات مقابل 232 صوتًا في المجمع الانتخابي.
ماذا لو اشتعلت الفوضى؟
ردًا على محاولات ترامب إثارة الفوضى والانقلاب على العملية الديمقراطية التي أسفرت عن فوز بايدن، وقع وزراء الدفاع الأمريكيين العشرة الأحياء على رسالة تؤكد أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد انتهت. كما تحذر من أي تدخل للجيش.
شملت قائمة الموقعين على هذه الرسالة التي نُشرت في صحيفة “واشنطن بوست”، الأحد، ديك تشيني وجيمس ماتيس ومارك إسبر وليون بانيتا ودونالد رامسفيلد وويليام كوهين وتشاك هاجل وروبرت جيتس وويليام بيري وأشتون كارتر. وهي ترقى إلى عرض صريح للقوة ضد محاولات ترامب التخريبية، قبل أن يقر الكونغرس نتائج تصويت المجمع الانتخابي. بينما يواصل الرئيس دونالد ترامب إنكار خسارته أمام جو بايدن.
وأكد وزراء الدفاع السابقون، في رسالتهم، أن مراحل الانتقال الرئاسية “جزء أساسي من النقل الناجح للسلطة”. وقالوا إنها “تحدث غالبًا في أوقات عدم اليقين الدولي بشأن سياسة وموقف الأمن القومي للولايات المتحدة”. واضافوا: “يمكن أن تكون لحظة تكون فيها الأمة عرضة لأفعال الخصوم الذين يسعون إلى الاستفادة من الموقف”.
وجاءت الرسالة في أعقاب إقالة ترامب لإسبر في نوفمبر الماضي كجزء من مجموعة من التغييرات الشاملة على قمة هيكل القيادة المدنية بوزارة الدفاع. وتضمنت تنصيب من يُعتقد أنهم موالون للرئيس. وأدت هذه التغييرات إلى إثارة قلق المسؤولين داخل البنتاجون. كما أثارت شعورًا متزايدًا بالذعر بين المسؤولين العسكريين والمدنيين، وفق ما نقلت وكالة “سي إن إن”
وبينما قال الضابط الأعلى للجيش الأمريكي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، للكونجرس في أغسطس إن الجيش لن يتدخل في تسوية أي نزاعات انتخابية، أكد وزراء الدفاع السابقون في رسالتهم أن مثل هذا المحاولة “ستأخذنا إلى منطقة خطرة وغير قانونية وغير دستورية”. وجاء في رسالة وزراء الدفاع السابقين أن “المسؤولين المدنيين والعسكريين الذين يوجهون أو ينفذون مثل هذه المحاولات سيخضعون للمساءلة، بما في ذلك احتمال تعرضهم لعقوبات جنائية، بسبب العواقب الوخيمة لأعمالهم على جمهوريتنا”.