مثّل الاتفاق السعودي بخصوص فتح المجال الجوي، والحدود البرية والبحرية، مع قطر، خطوة لافتة، في إطار محاولات حلحلة الأزمة الخليجية التي تبحث وساطات إقليمية ودولية، منذ فترة ليست بالقليلة، عن انفراجة بين دول الرباعي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) والدوحة.

وعشية قمة مجلس التعاون الخليجي، التي انعقدت اليوم في محافظة العلا بالمملكة السعودية، بحضور أمير قطر، تميم بن حمد، قال وزير خارجية الكويت، الشيخ أحمد ناصر الصباح، إنه “بناء على اقتراح أمير الكويت، الشيخ نواف، فقد تم الاتفاق على فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر”. 

بيد أن الأزمة الخليجية، الممتدة منذ قرابة الأربعة أعوام، قد تراكمت ملابساتها على خلفية اتهام دول الرباعي للدوحة بدعم جماعات الإسلام السياسي، ومن ثم، الانخراط في اصطفافات إقليمية، تشكل تهديدات أمنية وسياسية وإستراتيجية، على المستوى العربي والخليجي، بنسب متفاوتة، مما باعد بين الطرفين، وفاقم من حدة التنابذ بينهما.

اقرأ أيضا:

مصالحة قطر والسعودية.. الثابت والمتحول في الأزمة الخليجية

سيناريوهات الموقف الجديد

ثمة سيناريوهات عديدة تتصل بالموقف الجديد للأزمة، سواء من الناحية الإجرائية، أو في ما يتصل بمضمون التوافقات والتفاهمات المتوقعة، وكذا انعكاسات ذلك الأمر، السياسية والإقليمية والإعلامية، على دول الرباعي، بعد الحلحلة السعودية الأخيرة.

ورغم أن المؤشرات الاقتصادية، سجلت في بورصة الدوحة وأبو ظبي والرياض، ارتفاعاً هائلاً، في عدة قطاعات، نفطية وعقارية ومالية، بعد الإعلان عن الانفراجة الدبلوماسية الأخيرة، إلا أن الصعود المماثل في الأسهم السياسية، يعرج بين منحنيات أكثر تعقيداً، بينما تبدو تأثيراتها أقل استجابة أو بالأحرى أبطأ في وضوحها. 

لذا، تبدو المصالحة بمثابة “نزهة مشي حذر على أطراف الأصابع في حقل ألغام”، حسبما يصف الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، مالك العثامنة.

“المصالحة تحتاج نوايا سليمة؛ وفي منظومة العلاقات الدولية؛ فالنوايا لا يمكمن إخفاؤها، إنما يمكن قراءتها عبر كثير من الدلائل والسلوكيات للدول، وكمتابع لأغرب حالة اختطاف سياسي في التاريخ العربي الحديث، فإني لا أزال أرى قطر تحت وطأة الاختطاف من قبل دعاة التطرف الديني، والإخوان المسلمين” يضيف العثامنة لـ”مصر 360″: 

ويردف العثامنة: “هذا التحالف أو التشابك أو الارتهان من السياسة القطرية لخدمة أجندات “أخوية التطرف” الديني، وهي جماعة لها خبرتها الطويلة بالمؤامرات وحياكة الدسائس على مستوى دولي، يجعل من الصعب تصديق أن هناك نية مصالحة حقيقية من طرف قطر. هناك نوايا لن تجعل تلك المصالحة تسير على طريق صحيح، أو تعيش ظروف صحية”.

السعودية لها حساباتها الخاصة

وفي ما يتصل بخطوات الرياض المتقدمة حيال الأزمة الخليجية، يرى الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أن “السعودية لها حساباتها الخاصة في قرارها بالانفراج مع قطر، وربما، لدى السعودية ما يكفي من أجسام مضادة لمقاومة فيروسات التطرف، وهي التي عانت وعايشت هذا التطرف زمناً طويلاً، لكن ليس من الإنصاف أن تحمل باقي الدول ذات الأجندة السعودية في التعاطي مع قطر”.

وإلى ذلك، فإن “الموقف الإماراتي متموضعاً في مربعات الحذر والتيقظ في أي خطوات تقارب، مهما كانت محدودة، بحسب المصدر ذاته، وذلك بالرغم من عدة اعتبارات تخص موقف أبو ظبي، كما يشير العثامنة حيث إن “الإمارات مهتمة بعدم إزعاج محيطها الخليجي، وهذا جزء من سياستها الاستراتيجية، لكنها، في الوقت ذاته، على وعي بخطر التيارات المتطرفة، وتبدو غير جادة، في تقديري، باتجاه أي إجراء للمصالحة”. 

أما الموقف المصري فهو “مرتهن بكل ما يحدث في شرق المتوسط، وأعتقد أن نسبة الحذر ستكون بمنسوب أعلى بكثير؛ فمصر تدرك جيداً معنى فتح الأبواب أو المنافذ لتيار الإخوان المتطرف”. يقول العثامنة

المقاطعة والحل

الموقف المصري حيال الأزمة الخليجية يحمل خصوصية، منذ بداياتها، تتصل بطبيعة الخيارات السياسية والإقليمية المتباينة بين الدوحة والقاهرة؛ إذ إنه ليس خلافاً عرضياً أو مؤقتاً، كما أنه ليس موقفاً تكتيكياً، بل يقوم على جملة اعتبارات جيوسياسية، مرتبطة بـ الاصطفافات الموجودة في المنطقة التي يقوم عليها الطرفان.

وبالتبعية، فإن الأدوار الوظيفية التي تؤديها قطر أو جماعات الإسلام السياسي بالإقليم، لا تعدو كونها سوى مجرد ورقة ضغط، قابلة للانزياح والحركة، رغم الخلافات المحتدمة ظاهرياً على خلفيتها، وهو الأمر الذي يتحدد بناء على درجة التفاوض السياسي الممكنة، وحسابات الربح والخسارة، في عدد من الملفات التي تشكل منافسة محمومة بين الأطراف السياسية الرئيسية، ووكلائهم، كما هو الحال، في ليبيا واليمن، وكذا النزاع حول غاز شرق المتوسط.

شاركت القاهرة في القمة الخليجية بحضور وزير الخارجية المصري، سامح شكري، حيث “قام بالتوقيع اليوم ٥ يناير الجاري على “بيان العلا” الخاص بالمصالحة العربية”، حسبما أوضح البيان الصادر عن الخارجية المصرية.

 وأضاف البيان المصري: ” يأتي ذلك في إطار الحرص المصري الدائم على التضامن بين دول الرباعي العربي وتوجههم نحو تكاتف الصف وإزالة أية شوائب بين الدول العربية الشقيقة، ومن أجل تعزيز العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات الجسام التي تشهدها المنطقة، وهو ما دأبت عليه مصر بشكل دائم؛ مع حتمية البناء على هذه الخطوة الهامة من أجل تعزيز مسيرة العمل العربي ودعم العلاقات بين الدول العربية الشقيقة انطلاقاً من علاقات قائمة على حسن النوايا وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية”.

كما أن الخطاب الإعلامي المصري، على ما يبدو، لن ينتقل إلى فصل مغاير، في ما يخص توجهاته ومقولاته الأساسية بخصوص الموقف السياسي والإقليمي لمصر من قطر، لطالما تتبنى الأخيرة عبر منصاتها الإعلامية سياسة عدائية، وتوفر ملاذات آمنة لعناصر وقيادات تنظيم الإخوان، وآخرين من تيارات الإسلام السياسي، بينما لا تكف تلك الأطراف عن التحريض بالعنف.

سامح شكري
سامح شكري

“مصالحة خليجية غير ممكنة”

وفي حديثه لـ”مصر 360″، يرى الباحث المتخصص في العلاقات السياسية والأمنية، المقيم في باريس، إبراهيم مسلم، أن المصالحة، تبدو، غير ممكنة، في ظل وجود قطر في محورين معاديين لدول الخليج ومصر، فـ”المحور الأول يدعم الإسلام السياسي، بقيادة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أما المحور الثاني، يتمثل في إيران، والأخير يتلاقى مع المحور الأول من خلال دعمه للجماعات المتشددة، بجناحها السني أو الشيعي، حتى وإن كانت مختلفة معها عقائدياً، حيث إن ثمة مصالح إقليمية بينهما في الإقليم، تجعل ارتباطهما حيوياً من الناحية البراجماتية. 

ويضيف مسلم: “مصر والإمارات سوف يكون لهما موقف واضح من عودة قطر إلى الحاضنة الخليجية بل والحاضنة العربية، فمصر لها مكانتها في الشرق الأوسط، وبرغم الظروف التي مرت بها نتيجة الإرهاب وحكم الإخوان، إلا أنها استطاعت أن تأخذ مكانتها في العالم العربي والإسلامي، وموقفها من حل الأزمة مع قطر سيكون مشروطاً بتغيير سلوك قطر، والكف عن دعم الجماعات الإرهابية التي تدعمها تركيا وإيران، ووقف أنشطتها التحريضية”.

ويلمح المصدر ذاته إلى أن وجود قاعدة عسكرية تركية في الدوحة، يبعث بتهديدات مباشرة على الأمن العربي والخليجي، في ظل مواقف (الدوحة وأنقرة)، المعلنة والخفية، الداعمة لقوى الإسلام السياسي بالمنطقة، وكذا خياراتهما الإقليمية التي تتناقض وتوجهات القاهرة وآخرين بالخليج، حول الملف الليبي والسوري واليمني، لكن، في كل الأحوال، “ينبغي لقطر أن يكون لديها مراجعة جادة لمواقفها وتغيير سلوكها العدائي”.

 وإثر قرار المقاطعة بين دول الرباعي والدوحة، تحولت الأخيرة إلى منصة صعدت عليها طهران وأنقرة في الخليج، بوجه خاص، وفي المنطقة العربية، بوجه عام، إذ دشنت أنقرة قاعدة عسكرية، شمال قطر، وبالتالي، نجحت في إيجاد موطئ قدم لكيان عسكري وأمني في الخليج، ووصل عدد القوات التركية الموجودة في قطر نحو ثلاثة آلاف عنصر، حسبما أكدت وسائل إعلام محلية تركية.

كما تنامى الدور الإيراني، بصورة مماثلة، في الدوحة، لاسيما بعد الكشف عن زيارة لوفد من القوة البحرية للحرس الثوري الإيراني، للمشاركة في مؤتمر لقادة القوات البحرية في الشرق الأوسط “ديمدكس 2018 بقطر،  وذلك برئاسة نائب قائد القوة البحرية في الحرس الثوري، العميد علي رضا تـنكسيري.

وقال نائب قائد القوة البحرية للحرس لوكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، شبه الرسمية، إن الظروف تبدو مهيأة، أكثر من أي وقت مضى، لما وصفه بـ”تنمية التعاون” مع الدوحة، مضيفاً “إن مشاركة إيران في الدورات الثلاث للمعرض تعني الدعم الإيراني للدوحة، وبالتالي، يعد التعاون الثنائي بين البلدين أمراً قائماً ومشتركاً، في مجال الدفاع الساحلي، وخفر السواحل، والمشاركة في المناورات العسكرية”.

الدوحة والرياض الخاسران من المقاطعة

وفي قراءة الدوافع التي أدت إلى حل الأزمة الخليجية “على الأقل جزئياً”، بين السعودية وقطر، يشير الباحث في العلاقات الدولية، طارق دياب، إلى أن “الدوحة والرياض هما أكبر الخاسرين منذ المقاطعة الخليجية، والتي قسمت منطقة الخليج لشطرين أو ثلاثة أقسام؛ أحدهم مؤيد، والثاني ضد، والثالث محايد، مما أضعف الموقف السعودي إزاء صراعه مع إيران، في كل الأحوال، إضافة إلى تبعات ذلك الاقتصادية السلبية على الطرفين”.

ويضيف دياب لـ”مصر 360″: “لم  تكن الأمور في الإمارات مؤثرة عليها سلباً، بنفس الدرجة، التي وقعت على السعودية، بل العكس هو الصحيح، حيث تتفق أهداف المقاطعة وسياسات أبو ظبي الخارجية بالمنطقة، وتحديداً معركتها المفتوحة ضد قوى الإسلام السياسي، والدول الإقليمية الداعمة لهم، في أنقرة والدوحة”. 

ومن ناحية أخرى، يبدو أن الرياض “مدفوعة للحل، وتهدئة التوتر الإقليمي، في ظل احتمالية ضغط الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن على ملف مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وتأثير ذلك على مستقبل محمد بن سلمان في الحكم، وبالتالي، فإن المصالحة الخليجية ستكون لها تبعات مهمة على هذا الملف للتحايل على نتائجه السلبية المتوقعة بين الرياض وواشنطن”. يقول دياب.

ولا يعني ذلك، في تقدير الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، أن يحدث انفكاك في التحالف الإقليمي القائم بين الرياض وأبو ظبي، أو بين أيا من الطرفين والقاهرة، لكن سيكون هناك هامش سياسي وإقليمي مستقل نسبياً بين كل طرف، تبعاً لمصالحه وأولوياته، كما أنه ليس من المتوقع أن تحدث حلحلة فورية للأزمة بين الدوحة والقاهرة، كما هو الحال مع الرياض.