الأغنياء لا يموتون بسهولة!
أحدث مسلسلات “NETFLIX” الذي يحكي عنهم في 13 حلقة:
أسياد وعبيد وبينهما (حاجز)
في مسلسل أثار ضجة من النجاح والجدل ولفت انتباه المشاهدين في أنحاء العالم خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، تابع عشاق الدراما قصة الثورة والسلطة؛ وما لا يعرفه الفقراء جيدًا عن حياة الأغنياء؛ والحاجز النفسي والبوليسي والاقتصادي بين الحاكم والمحكوم؛ بين مراكز القوى المستبدة والناس العادية المستضعفة؛ الذين يعملون لخدمة أصحاب النفوذ والمزايا في انسحاق تام، مثل العبيد الخائفين في قصور الأسياد؛ أصحاب اليد العليا والبطش الشديد!
مسلسل (الحاجز أو la vala) الناطق باللغة الإسبانية يعرض رؤية مثيرة وجديدة لمستقبل العالم؛ كما لو كان يدخل بمشاهديه للعام 2045 من بعد تطور وانتشار وباء خطير ومعدي ويصعب جدًا علاجه ولم يتوصل الأطباء والباحثين لدواء حاسم بخصوصه!
وبالطبع يزيد من تأثير المسلسل أنه يعرض في أجواء الحجر الصحي والهلع العالمي من المرض وارتفاع ملحوظ لأعداد المصابين بكورونا في مصر وعدد من الدول العربية والأوروبية؛ مع صعود المؤشر البياني للوفيات قاد لإغلاق كامل في بعض الدول ولا يعرف أحد مداه أو توقيت نهايته.
كما لو كان كتب بيد تقطر دمًا؛ جاءت أحداث مسلسل الحاجز سريعة متدفقة قوية؛ لها إشارات واضحة كأن المؤلف والمخرج اتفقا على ضرورة توصيل الرسالة ودق أجراس الإنذار بكل وسيلة فعالة متاحة.
وكأنه لم يكن هناك أي فرصة في الدراما للتكرار أو الإطالة والعبث؛ خرج كل مشهد وحوار بين أبطال المسلسل مثل رصاصة مصوّبة نحو الهدف من سلاح له ذخيرة محدودة ومحسوبة.
اقرأ أيضا.. “العراب” المُختلف عليه.. أحمد خالد توفيق بعيدًا عن “ما وراء الطبيعة”
ورغم خطورة الفكرة وتمركز الأحداث حول الوباء والعدوى والحكم المستبد الدموي؛ أفلت المسلسل بذكاء من قبضة الكآبة أو التشاؤم وكسب أرضًا جديدة من الإنسانية ومتعة حبس الأنفاس بسبب المفاجآت المتلاحقة وردود أفعال الشخصيات.
تبدأ الأحداث من ليل حالك وحفل مجنون للجنس الجماعي في بيت يدار للدعارة، وصرخات ذعر لفتاة قاصر اختطفها لهذا المكان ظابط ذو رتبة كبيرة وشأن، أراد الاعتداء عليها بوحشية لولا صدفة قادت بطلة المسلسل للتدخل، وإنقاذ الفتاة الصغيرة من يده والدفاع عنها بزجاجة كانت قريبة ليدها؛ تكسرت في لحم الظابط البدين وكانت كفيلة بقتله!
بعد اكتشاف جريمة القتل في المكان المشين ينقلب جهاز الشرطة بحثًا عن القاتل ويتتبع أثر الفتاة المجهولة التي أحضرها الظابط الكبير معه ليلة الحادث.
وأثناء البحث المحموم عن الجاني الذي تجرأ على هيبة السلطة بهذه الوقاحة؛ تذيع مقدمة البرامج في التلفزيون الرسمي للدولة خبرًا بمقتل الظابط الكبير في عملية إرهابية خسيسة قام بها متطرفون.
في نفس الوقت يتم مداهمة عدة بيوت وأماكن وقتل عددً من شهود الواقعة حتى يمحى كل أثر لخبر قتل الضابط الكبير في بيت للدعارة على يد فتاة عادية من العامة الفقراء، لا هي في تنظيم مسلح ولا ذات توجه سياسي!.
عبر حلقات المسلسل تتعقد الدراما عند الشخصية الرئيسية في القصة هي زوجة وزير الصحة؛ التي تحتفظ بعلاقة قوية مع السلطة السياسية وزوجها الوزير البارز؛ وفي نفس الوقت تقيم علاقة غرامية سرية مع قائد جهاز الشرطة الشرس وتستفيد من كلا الاتجاهين.
زوجة الوزير طبيبة وتحت ستار البحث العلمي وحصانة السلطة تباشر نشاطًا غير مشروع باحتجاز أطفال الفقراء والناس العادية قليلي الحيلة؛ في مؤسسة خاصة تديرها بنفسها.
بعض الأطفال تختطفهم من أبويهم وكما لو كانوا مفقودين أو مجهولي النسب تودعهم المؤسسة الخاصة بها؛ كدار للرعاية وبعضهم احتجزتهم بحجة أن الأب عاطل عن العمل وبسبب الفقر والبطالة تشرف الدولة بنفسها على رعاية الأبناء الصغار حتى يجد الأب عملًا ومصدرًا للإنفاق.
لكن الحقيقة أن الهدف من احتجاز الأطفال هو استخدامهم كفئران التجارب؛ واستغلال الأجسام المضادة للفيروس في دمائهم كمصل معالج للمرضى بالوباء.
بشرط أن يكون هؤلاء المرضى أثرياء من الصفوة الحاكمة المهمة ذات النفوذ، حيث إن المصل المعالج نادر ولا يكفي الجميع، وكأن المغزى المقصود أن الأغنياء جدًا في هذا المجتمع يمتصون دماء الفقراء في البلد ذاتها ويعيشون عليها، وليس أي فقراء؛ لكنهم على وجه الخصوص الأطفال الأصحاء.
في إشارة ساطعة للاعتداء على المستقبل والأمل والبراءة؛ داخل مجتمع يمارس حياته يوميًا تحت أعين الرقابة الأمنية المشددة والمخبرين المتطوعين؛ وفي بلد يبني حاجزًا قويًا فاصلًا بين ضفتين؛ ضفة للسادة وأخرى للعبيد.
الطريف أن لزوجة وزير الصحة أخ طبيب يمثل توحش الطب وفساده حين ينحاز لمريض غني ويسرق دم مريض فقير أو مجرد من قوة السلطة.
وابنة شابة نقية تعي فساد الأم والحكم وتقاومه وتساعد المعارضين في السر، ولها ابن شاب خفيف الظل محب للحياة بسبب علاقته بالخادمة السوداء في قصر أبيه؛ تنتقل إليه عدوى الوباء المميت وتصبح حياته على المحك لولا أن أمه تستغل كل قوتها وسلطتها وتنقذه بكمية كبيرة من دماء طفله جميلة كالملاك اسمها (مارتا) هي ابنة رجل طيب مسالم ونبيل هو سائق زوجها الوزير!
في المسلسل يتبادل الأبطال حوارات كثيرة متقنة الصنع ومقنعة وساخرة أيضًا ومفعمة بالإنسانية، لكن الجملة الأكثر سخونة وجرأة جاءت حين ذهبت أم أحد الأطفال المفقودين تبحث عن ابنتها وتسأل عنها زوجة الوزير وتذكرها بأنها أم مثلها وكانت على وشك أن تفقد ابنها بسبب الوباء وجربت حرقة القلب على الأبناء وقت الخطر، فإذا بزوجة الوزير ترد عليها بالجملة الساحقة التي تحمل الفكرة الأساسية وتقول:
كلانا أمُ نعم..
لكن أبنائي ليسوا مثل أبنائكم
أبنائي يجب أن يعيشوا لأننا مهمين ونادرين ومعروفين بالاسم
لكن لو اختفى أبناؤكم مهما كان عددهم فلن يحدث أي فرق ولن يلاحظ أحد ولن يكون هناك مشكلة
تتطور أحداث مسلسل الحاجز بسرعة لنكتشف أن المجتمع المقسوم على نفسه تحت حكم سلطة مستبدة دموية تمارس التضليل الإعلامي باستمرار؛ يتعرض لورطة حين ينكشف لقطاع كبير من عامة الناس حقيقة اختفاء أطفالهم وموت بعض الأطفال في تجارب أجريت عليهم وسممت أجسادهم بالفيروسات القاتلة.
وينكشف أيضًا أن السلطة الحاكمة تبالغ في الكذب والاستبداد وتتوحش بحجة حماية الناس من الوباء واتخاذ إجراءات تصب في مصلحتهم، بينما يسرب أحد الوزراء الشرفاء في النظام أسرارًا تفيد بأن الدولة لا تحمي إلا الكبار فيها، وفوق ذلك تتبنى مشروعًا يستغل الفقراء ويضحي بهم ويسرق أطفالهم لتوفير علاج للأغنياء فقط يجعل البقاء للأقوى والفناء من نصيب الغالبية.
وتكون النتيجة أن وزير الخارجية الشريف الذي يسرب تلك الأسرار يتم اغتياله؛ وصديقه المقرب وزير الصحة يكتشف الحقائق الغائبة عنه من البداية فيستيقظ ضميره وينحاز للناس، ويستغل ظهوره الإعلامي ويخاطب الناس عبر تلفزيون الدولة ويحرضهم على الثورة ورفض تسليم أبنائهم لأي سبب.
هنا تندلع الحرائق في مختلف الجهات ولا يسلم من اللهيب والخطر أحد.
يصدر الرئيس الإسباني المستبد أمرًا للشرطة باعتقاله ونعته في الإعلام الرسمي بـ”الوزير الخائن” ويتحدث الرئيس لشعبه عن المؤامرة والخونة ووعي أبناء الشعب المخلصين وثباتهم الانفعالي من أجل استقرار الوطن، بينما يستع التمرد والثورة تبدأ في الاشتعال بين الناس مثلما تنتشر العدوى ويحصدهم الوباء بلا رحمة.
وفي هذا الجو المشحون بالخطر تنتقل إلى الرئيس عدوى الوباء، وتقنعه زوجه وزير الصحة صاحبة الدهاء والعلاقة الغرامية مع قائد الشرطة المسلحة؛ أنها تستطيع شفائه كما سبق وفعلت مع ابنها، وإنقاذه بدم الطفلة (مارتا) الجميلة التي تعيد اختطافها من أهلها، وتجبرها بالقوة على الانصياع والذهاب معها لقصر الرئاسة ومقابلة الرئيس الذي ظهرت عليه أعراض الوباء المميت بوضوح عبر البثور النازفة في جلده أو سعاله المتوالي.
قبل أن يستقل الرئيس طائرته الهليكوبتر ويهرب في حماية الحرس والشرطة ومعه الطفلة مارتا والطبيبة زوجة وزير الصحة؛ يداهم الثوار الغاضبون قصره وفي مقدمتهم السائق الشجاع والد الطفلة المختطفة وخلفه الشباب الثائر على الظلم والفقر والأباء الرافضين لفكرة فصلهم عن أطفالهم لأي سبب.
بطلقات الرصاص يتم اغتيال الرئيس قبل هربه على يد سيدة عجوز من قدامى الثوار، جاءت تبحث عن حفيدتها المختطفة وتنتقم لها، وبعد موت الرئيس يتنفس الناس الحرية التي ضاعت منهم سنوات طويلة، وتقام انتخابات جديدة لاختيار رئيس جديد.
لكن مفاجأة المسلسل في جزئه الأول هو فوز الطبيبة الفاسدة زوجة وزير الصحة السابق بالانتخابات ومقعد الرئيس!، واستمرار قائد الشرطة في موقعه محتفظًا بنفس أهميته في النظام الجديد، مرددًا نفس الشعار القديم لرجال السلطة ورموز الاستبداد (المستقبل لنا)!
وحتى يبدأ جزء ثانِ من مسلسل الحاجز علينا أن نخمن ونحن في صفوف المشاهدين؛ كيف يستمر الفاسدون في مواقعهم؟ ولماذا يتحالف أصحاب الثروة والنفوذ والسلطة في كل عصر؟ وهل سيكون المستقبل حقًا للقوة المسلحة والحكم المستبد أم للشعب المسالم صاحب الأرض والأغلبية الساحقة التي تحلم بالحرية ومستقبل بلا خوف لأبنائها الصغار؟
علينا أن ننتظر الجزء القادم من المسلسل.. كى نتخطى (الحاجز) بين الوهم والحقيقة ونكتشف بعيون السنيما (وماذا بعد؟).