طفا الحديث عن صناعة الأكسجين إلى سطح الأحداث، بعد ما أثير عن انقطاع “غاز الحياة” بغرف العناية المركزة في مستشفييّ زفتى بالغربية والحسينية بالشرقية. وهو الأمر الذي نفت وزارة الصحة حدوثه أو أن يكون سببًا في الوفيات التي وقعت بين حالات كورونا بالمستشفيين (6 حالات). بينما أكدت على أن المخزون يبلغ أكثر من 350 ألف لتر أكسجين طبي بجميع المستشفيات التابعة لها. وعددها 363 مستشفى. 

لا توجد إحصائية رسمية حول عدد مصانع “الأكسجين” المحلية في البلاد. لكن “مصر ٣٦٠ ” وصلت إلى قائمة تضم ٣٠ مصنعًا، تضخ إنتاجها بالمستشفيات والعيادات. فضلاً عن عشرات المصانع الصغيرة التي لا تحمل رخص تشغيل. والأخيرة هذه دخلت سوق العمل استغلالاً لتزايد الطلب على الغاز الطبي في خضم جائحة كورونا. 

الأكسجين.. صناعة محلية ليست معقدة

التصريحات الرسمية تؤكد أن الصناعة المحلية توفر الاحتياجات الطبية وغير الطبية على مدار الساعة. بينما الوارد عن المستشفيات في المحافظات يشير إلى أزمة في هذا الشأن. ولعل ما حدث مؤخرًا من إحالة محافظ كفرالشيخ مدير مستشفى الحامول المركزي للتحقيق، بعد استغاثته بالأهالي لتوفير أسطوانات أكسجين ينقذ بها مرضاه، مؤشر على هذه الأزمة.

ولا تعتبر صناعة الأكسجين معقدة؛ ففكرتها لا تتعدى استخلاصه من الطبيعة دون شوائب. ثم تعديل درجة حرارته، وضغطه في أسطوانات حديدية شبيهة تمامًا بطريقة أنابيب البوتاجاز.

وترتبط عملية إنتاج الأكسجين (PSA) بحجرتين مزودتين بفلاتر. بحيث تتم تغذية إحداهما بهواء مضغوط عبر احتجاز  جزيئات النيتروجين ضمن الفلاتر  أولاً. ثم تمرير غاز الأكسجين عبرها، ليتحول للصورة السائلة بالضغط المرتفع. على أن يعقب ذلك التخزين في خزان رئيسي.  

وفقًا لبيان أصدرته وزارة الصحة، الإثنين، فإن منظومة إدارة إمداد الأكسجين الطبي تتضمن تعاقدات مديريات الصحة بالمحافظات مع شركات الغاز السائل بكل منها. وأيضًا التعاقد المركزي عبر الوزارة مع شركات ضخمة تضخ ما يصل إلى 400 ألف لتر يوميًا. وأخيرا إمداد روتيني للمحافظات الكبرى التي لديها ارتفاع في معدل الاستهلاك أو بالأحرى ارتفاع بعدد الإصابات.  

وتحدد المصانع الصورة المطلوبة للأكسجين، سواء أكان غازًا أم سائلاً. لكن ذلك يتم وفق ما تطلبه المستشفيات والعيادات. فضلاً عن توفير أشكال من العبوات مختلفة الأحجام؛ بعضها للاستهلاك الشخصي لمن يرغب من المواطنين.  

خزان أكسجين بأحد المستشفيات
خزان أكسجين بأحد المستشفيات

أسطوانة الأكسجين.. كلمة السر

تعتبر الأسطوانة الحديدية التي تعبأ بالأكسجين كلمة السر في ارتفاع سعر الغاز. إذ إن تكلفة الملء لا تتجاوز 20 جنيهًا، بينما يرفع الشراء هذه التكلفة إلى 4 آلاف جنيه للأسطوانة الواحدة، التي تخضع لاختبارات صعبة تحدد قدرتها على تحمل الضغط وعدم التسريب. 

ويوضح رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية بالقاهرة، الدكتور محمد إسماعيل، أن تزايد معدلات الطلب على الأسطوانات رفع سعرها مؤخرًا بقيمة ٧٥٠ جنيهًا دفعة واحدة. وذلك خلال مدة زمنية قصيرة تزامنت مع انتشار حالات الإصابة بكورونا وما استلزمه ذلك من حاجة كثير من المرضى للغاز الطبي.  

ويؤكد إسماعيل، لـ”مصر ٣٦٠”، أنه فيما يخص عمليات توريد غاز الأكسجين للمستشفيات لا توجد أدنى مشكلة. حيث أن الإنتاج المحلي يكفي للأغراض الطبية و الصناعية.

اقرأ أيضًا: مصور فيديو الحسينية يروي تفاصيل ساعات الموت بسبب الأكسجين

في تصريحات على هامش اجتماع الغرفة التجارية بالقاهرة الإثنين، أرجع جمال الدهان، عضو شعبة المستلزمات الطبية، أزمة الأكسجين في المستشفيات إلى تقصير الموظفين في الحصول على “أنابيب كافية”. بينما أكد أيضًا أن الإنتاج المحلي يكفي تمامًا السوق المحلية.  

لكن وبجولة صغيرة في شارع قصر العيني بوسط العاصمة المصرية القاهرة، يثبت العكس، إذ إن كمية الطلب على أسطوانات الغاز من قبل الجماهير ترتفع يوميًا. وهو أمر أحدث نشاطًا كبيرًا في هذه السوق، وأفرز نشاطًا جديدًا بها يتمثل في تأجير الأسطوانات، والذي يصل إلى 400 جنيه في الليلة الواحدة.

شبكات المستشفيات

توجد كيانات عملاقة في مصر تعمل بسوق أسطوانات الأكسجين. مثال على ذلك شركة الحديد والصلب الوطنية التي لديها محطتيّن تعملان بلا توقف لمواجهة كورونا. وتوفر الشركة أيضًا الصاج المستخدم في تصنيع الأسطوانات الفارغة. وأغلب هذه الشركات تؤكد تصريحات مسؤوليها على تغطية حاجة السوق المحلية من غاز الأكسجين. 

مدير بأحد المستشفيات الحكومية في الغربية -رفض ذكر اسمه- أخبر “مصر 360” أن شبكات غاز الأكسجين تحتاج إلى صيانة دورية لمكوناتها. خاصة المحابس التي تتعرض للتهالك بحكم التقادم والضغط المرتفع.

وأضاف مدير المستشفى، في حديثه لـ”مصر 360″- أن بعض المستشفيات تتعامل مع شبكات الغاز لديها كما لو كانت مواسير مياه. مضيفًا: “هذه المستشفيات لا تبدأ التفكير في صيانة شبكاتها إلا حينما يرى التسريب بالعين المجردة”.

اقرأ أيضًا: استدعاء مصور الفيديو وشكوى المحامين.. تطورات جديدة بواقعة مستشفى الحسينية

وأشار مجاهد إلى أن الوزيرة استعرضت ما تم الاتفاق عليه من خلال التعاون مع عدد من مصانع الحديد والصلب لدعم احتياجات المستشفيات من الأكسجين الطبي بشكل دوري. بالإضافة إلى الاتفاق على توفير خزانات الأكسجين بما يدعم احتياجات المستشفيات خلال مواجهة كورونا

وأضاف مجاهد أن الاجتماع تناول ما تم من إنجازات تشمل تطوير ورفع كفاءات شبكات الغازات في مستشفيات الحميات والصدر خلال العام الحالي. بالإضافة إلى التجهيزات التي تشملها شبكات الغاز بمستشفيات العزل. ولفت إلى أنه تم التواصل مع الهيئة المصرية للشراء الموحد لتوفير 1500 مولد أكسجين لصالح المستشفيات.

  

مصانع الأكسجين عشوائية  

تنتشر بمصر حاليًا مصانع عشوائية ركبت موجة كورونا. هذه المصانع تعرض منتجاتها بمنطقة قصر العيني دون معايرتها أولاً لمعرفة مدى نقاوتها. ما يؤدي لمشكلات صحية خطيرة حال احتوائها على شوائب مضرة قد تؤدي إلى تلف خلايا المخ للمريض. 

قبل  أسبوع واحد من حادثة زفتى، تمكنت حملة مكبرة لمديرية التموين والتجارة الداخلية بمحافظة الغربية من ضبط مصنع غير مرخص لتعبئة الأكسجين بكفر  الزيات. وفي أول أيام العام الجديد، تم ضبط مصنع لتعبئة أسطوانات الأكسجين الصناعي بالقليوبية، وتوريدها إلى المنشآت الصحية بالمخالفة. وتم التحفظ على الأسطوانات المعبأة لعرضها على جهات الاختصاص. وذلك بعد أشهر من ضبط مصنع في شبرا الخيمة بالمحافظة ذاتها.

كما ضبطت حملة أمنية أمس الثلاثاء 670 أسطوانة أكسجين مُعبئة بكفرالشيخ قبل بيعها بالسوق السوداء. وذلك بعد أقل من أسبوع على ضبط 34 أسطوانة في مخزن خلال تموينية بمركز طنطا بالغربية.

تتعامل الكثير مع هذه المصانع غير المرخصة مع الأكسجين كما لو كان أنبوبة بوتاجاز أو قطعة معدن مجوفة تتم تعبئتها، رغم أن ما تحتويه قد يمثل الأمل الوحيد لمريض طريح الفراش في غرفة العناية الفائقة. 

ولا تراعي تلك المصانع المواصفات القياسية وتزود إنتاجها لبعض المستشفيات الخاصة التي تبحث عن المعادلة السعرية الأقل بصرف النظر عن الجودة. إلى جانب المستشفيات الحكومية الصغيرة في الأقاليم.

يدلل على ذلك مداهمة أحد مخازن بيع وتداول أسطوانات الأكسجين الطبية بإيتاي البارود في البحيرة قبل أسبوعين. كشفت هذه المداهمة عن اتفاق بين المخزن لتوريد كميات من أسطوانات الأكسجين الطبي للإدارة الصحية بالمدينة، وذلك بالمخالفة للقانون.