حالة ترقب وحذر عاشتها “سهام محمود” زوجة المدون القرآني رضا عبدالرحمن منصور طوال 12 عامًا كاملة، إذ تعرضت السيدة للملاحقة الأمنية والوقوف في أروقة مؤسسات الأمن كل تلك السنوات. الذكريات الأليمة تلك تكررت بعد حبس “رضا” مجددًا على ذمة القضية 3418 لسة 2020 جنح أمن الدولة طوارئ.
اقرأ أيضًا.. القرآنيون المصريون.. قراءة في أفكارهم وعلاقتهم بالدولة والأزهر
ألقي القبض رضا على عبدالرحمن من منزله يوم 21 أغسطس الماضي بناءً على تحريات الأمن الوطني بقرار ضبط وإحضار. ويواجه تُهم الانضمام إلى داعش وتبني أفكار تكفيرية وترويجها عن طريق غير مباشر، وفقًا لزوجته.
اختفى المدون بعد إلقاء القبض عليه، قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة بأكتوبر، ولم تتلق الزوجة أي رد على رسائلها للبحث عن زوجها، كما توجهت بها لرئاسة مجلس الوزارء، ورئاسة الجمهورية للكشف عن مكان زوجها.
رضا عبدالرحمن من مواليد 1976، يعيش في قرية أبو حريز بكفر صقر بالشرقية، تخرج في كلية التربية بجامعة الأزهر، ويعمل مدرسًا. كما أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها للملاحقة الأمنية التي بدأت عام 2008.
رضا منصور القرآني.. من هم القرآنيين؟
“القرآنيون” يتبعوّن تعاليم القرآن الكريم بعيدًا عن السنة النبوية. وبحسب ورقة عمل صادرة عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير فإنهم يتعرضون للملاحقة الأمنية المستمرة لاعتناقهم “مذهب غير مباح”.
تختلف عبادات الجماعة عن أهل السنة، فهم يستبدلون بالتشهد في صلواتهم الآية رقم “18” من سورة آل عمران. ةيؤدون الصيام والزكاة والحج دون زيارة لقبر النبي كما أنهم لا يعترفون بالأزهر، بدعوى أنها مؤسسة “كهنوتية” تتوسط بين الإنسان وربه. ويرددون دائمًا أن الأزهر هو من يحتاج إليهم لفهم القرآن وليس العكس.
عقب ثورة يناير علت أصواتهم في مصر، وطالبوا بإنشاء نقابة لهم والاعتراف بطائفتهم وإطلاق حريتهم في ممارسة شعائرهم، وتخصيص مساجد لهم. لكنهم تراجعوا في النهاية واختفوا من المشهد. بحسب تقرير نشره موقع “مصري اليوم”.
وبحسب عدة مصادر ظهر القرآنيون في القرن الثاني الهجري، وتصدى لهم الإمام الشافعي وقتها. كما أنه خصص فصلًا كبيرًا في كتابه “الأم” للرد عليهم.
وبعد القرن الثالث الهجري اختفت تلك الفرقة، قبل أن تظهر مرة أخرى نهاية القرن 19 بعد الاستعمار الأجنبي لكثير من البلدان الإسلامية. فبدأت الجماعة في الانتشار في الهند ومصر والعراق وليبيا وإندونيسيا وماليزيا.
في مصر ظهرت الجماعة على يد توفيق صدقي الذي دعا إلى ترك السنة بالكلية والاعتماد على القرآن فقط. كما كتب مقالًا في مجلة “المنار” بعنوان “الإسلام وحده”.
وتبنى نفس الفكر أحمد الدين الأمرتسري مؤسس جماعة “أمة مسلمة” التي كان يدعو فيها لأفكاره. وأخيرًا غلام أحمد برويز حيث كان تفسير إحدى الآيات القرآنية سببًا في تحوله لفكر القرآنيين كما قال.
اقرأ أيضًا.. مساحة ممنوحة أم تضييق للخناق.. معارك حرية الإبداع مع البرلمان
ملاحقة أمنية
نعود إلى رضا”الذي أسس مدونته “الحرية العدل المساواة”، وألقي القبض عليه بسببها عام 2008. اقتيد وقتها لجهاز أمن الدولة واختفى 88 يومًا. سبق ذلك استدعاءه لمشيخة الأزهر للسؤال عن مدونته، وما ينشره فيها من مقالات دينية.
بعد 88 يومًا من الاعتقال أخلي سبيل رضا بعد تحقيقات غير رسمية وأسئلة عن معتقداته الدينية. كما حقق معه عن عمه “أحمد منصور” الذي يتبع المذهب القرآني أيضًا. أعيد القبض على رضا مرة أخرى في 2016، وسأل مجددًا حول مدونته وبعد إخلاء سبيله ألقي القبض عليه مرة ثالثة نهاية 2020 على ذمة القضية الحالية.
وفقًا لمؤسسة حرية الفكر والتعبير جاء محضر التحريات في 4 أكتوبر 2020، والذي حرر بقطاع الأمن الوطني بناء على مصادر سرية. التحريات قالت إن رضا ينتمي إلى خلية عنقودية تسعى لعمليات إرهابية ضد الجيش والشرطة، بسبب اعتناق أفكار تكفيرية. لم يحدد محضر التحريات طبيعة الأفكار التي ينسبها إلى عبدالرحمن.
انتهت التحريات بالتأكيد أن أعضاء الخلية يحوزون أسلحة وذخائر ومفرقعات في محل إقامتهم، وفيما بعد لن يتم إثبات وجود أي نوع من الأسلحة ضمن الأحراز المثبتة فيما يخص “رضا”.
لم تتطرق النيابة إلى التحقيق في اختفاء “رضا” واتهمته بالانضمام إلى جماعة داعش وتبني أفكارًا إرهابية، والترويج لتلك الأفكار بطريقة غير مباشرة عن طريق الأوراق التنظيمية التي ضبطت بمسكنه. بينما أنكر “رضا” التهم الموجهة إليه قبل أن ينتهي الأمر بحبسه.
تنكيل ضد الأسرة
يرى محاميه أن حبسه للتنكيل بعمه وأبناء عمه الموجودين خارج مصر، والذين يعتنقون المذهب القرآني. وقالت شقيقته هبة إن أسرتهم مضطهدة بسبب الدكتور عمهما أحمد منصور، مشيرة إلى أنها سافرت في زيارة لأهلها خارج مصر وفوجئت بأمن الدولة يطرق بابها.
شقيقة رضا قالت إنه في اليوم الذي تم القبض على شقيقها، ألقي القبض على 5 من أعمامها وأولادهم. كما أضافت أنهم اقتيدوا لمقر الأمن الوطني، ووجهت لهم أسئلة حول علاقتهم بالدكتور أحمد منصور، وأخلي سبيلهم عدا شقيقها “رضا”.
قضت هبة 3 أشهر في مصر، ظلت خلالها على أمل لقاء شقيقها من جديد. لكن الأمل تبدد مع ظهوره في النيابة واتهامه على ذمة قضية لاعلاقة له بها. بحسب شقيقته.
ترى هبة ويتفق معها المحامي أن القبض على “رضا” ضمن الملاحقة الأمنية ضد الأسرة لتبنيها المذهب القرآني. بينما أوضح أن القضية بها اسم رضا وعمه وأولاد عمه، المقيمون خارج مصر.
أحمد صبحي منصور، عم رضا، وهو مفكر إسلامي كان يعمل مدرسًا في جامعة الأزهر، لكنه فُصل في الثمانينيات بسبب إنكاره للسنة النبوية القولية. منصور أسس بعدها المنهج القرآني الذي يكتفي بالقرآن مصدرًا وحيدًا للتشريع الإسلامي.
اقرأ أيضًا.. التحرش بالأزهر وشيخه «الطيب»
أحمد منصور
أحمد منصور قضى بعض الوقت في الولايات المتحدة قبل أن يعود إلى القاهرة للعمل في مركز ابن خلدون. لكن عقب المشكلات القضائية التي واجهها المركز ومديره عام 2000، هاجر مجددًا إلى الولايات المتحدة وعمل مدرسًا في جامعة هارفارد، في الوقفية الوطنية للديمقراطية.
بعدها قرر منصور إنشاء مركزه الخاص تحت اسم المركز العالمي للقرآن الكريم. “منصور” ينشط الآن في نشر مقالاته عبر بعض مواقع الإنترنت، واشتهر بموقفه المعارض للجماعات الإسلامية.
منصور قال في حوار صحفي له: “نحن أول من بدأ التيار القرآني من 40 عامًا، حين بادرنا بتحطيم قدسية (البخاري) في قلعة الأزهر، وشققنا الطريق ومهدناه لمن جاء بعدنا ودفعنا الثمن. جهادنا تسبب في تغيير هائل. بعض السنيين بدأ ينتقد (بعض الأحاديث) مع تمسكه بالسنة دينًا. واستفاد من تغيير المناخ الذي أرسيناه بجهادنا وتضحياتنا فأصبح يكتب في منطقة آمنة، بحيث ينتقد البخاري وبعض الفروع والتفصيلات بحرية”.
وأضاف: “(أهل القرآن) الذين أتحدث باسمهم والذين يعبر عنهم المركز العالمي للقرآن الكريم في أمريكا، هم تيار إسلامي إصلاحي، ليسوا طائفة ولا حزبًا. نحتكم إلى القرآن الكريم في الإصلاح السلمي للمسلمين، ولا نفرض أنفسنا على أحد، ولا نفرض رأينا على أحد. لا ندعى أننا نملك الحقيقة، بل ننتظر الحكم علينا وعلى خصومنا يوم القيامة أمام الواحد القهار”.
عثمان محمد علي
عثمان محمد علي قرآني مصري تخرّج في صيدلة الأزهر هاجر إلى كندا عام 2005 بسبب مخاوفه من الاعتقال. يشغل حاليًا منصب الأمين العام لموقع “أهل القرآن” وهو الموقع الرسمي للقرآنيين.
محمد أوضح أن القرآنيين لا يشكلون حزبًا أو جماعة، ويمكن اعتبارهم كـ”تيار” يؤمنون بأن القرآن هو المصدر الوحيد للإسلام. كما يرى أن الحملات الأمنية ضدهم بمثابة دعاية مجانية.
من ناحية أخرى يتعرّض القرآنيون منذ ظهورهم في ثمانينيات القرن العشرين إلى موجات عدة من الاعتقال. كان أبرزها في أعوام 1987، و2007، و2008، و2015، و2017، أخطرها كانت الموجة الأولى، وخلالها اعتقل منصور و62 آخرين، ثم قضية 2007 وحينها هاجر منصور لأمريكا عام 2001، ثم توالات الاعتقالات التي شملت أقارب منصور من القرآنيين.
رأي الأزهر
شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أكد في أكثر من لقاء أن الذين يريدون الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر بدعوى شرعية القرآن دون السنة لا يلتفتون إلى قوله تعالى: “من يطع الرسول فقد أطاع الله”.
الطيب أكد أنه لولا السنة والأحاديث النبوية لضاع أكثر هذا الدين ولما عرفنا في أغلب أحكامه يمينًا من شمال، ولأصبح الإسلام دين عموميات لا هوية.
في تعليقه سابق له، قال شيخ الأزهر السابق الدكتور سيد طنطاوي إن الذين ينادون بالاعتماد على القرآن الكريم فقط وترك السنة النبوية جهلاء وكذابون ولا يفقهون في الدين شيئًا ولا يعرفون أركانه وثوابته.
ويقول الدكتور أحمد الطيب مفتي مصر السابق إن العبث بالسنة والاجتراء على قدسيتها أمر قديم قدم الإسلام نفسه، ولن يتوقف ما دام أمر هذا الدين قائمًا.
الطيب أضاف: “ظهور هذه التوجهات دليل على استشراف النبي للمستقبل”. كما أشار إلى قول النبي “ألا أني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله”.
ويقول الدكتور محمود مزروعة، أستاذ العقيدة في جامعة الأزهر، إن فكرة إنكار السنة ظهرت في الهند في فترة الاحتلال الإنجليزي على يد أحمد خان. مشيرًا إلى أن خان وضع شروطًا تعجيزية لقبول الحديث مما جعله ينكر أغلب الأحاديث.
“تلاه عبدالله جكرالوي في باكستان الذي كان يشتغل بدراسة الحديث، من ثم اصطدم بالعديد من الشبهات حوله، فتوصل في النهاية لإنكار كافة الأحاديث. وأسس جماعة تسمى أهل الذكر والقرآن التي دعا فيها إلى أن القرآن هو المصدر الوحيد لأحكام الشريعة”. يقول مزروعة.